معتقل النقب الصحراوي .. إلى أين ؟
*بقلم / عبد الناصر فروانة
14 يناير 2012
" كيتسعوت " اسم عبري لمعتقل إسرائيلي هو الأكبر والأوسع والأكثر استيعاباً للمعتقلين الفلسطينيين، أو " أنصار 3 " كما يحلو للفلسطينيين تسميته ، أو " النقب " كما أصبح متعارفاً عليه لكونه يقع في صحراء النقب جنوب فلسطين .
" كيتسعوت " أو " أنصار 3 " أو " النقب " .. أسماء متعددة لمعتقل واحد أقيم قبل قرابة ربع قرن من الزمن داخل معسكر للجيش الإسرائيلي في منطقة عسكرية خطرة متاخمة للحدود المصرية وتجرى بداخلها تدريبات عسكرية بالأسلحة الحية.
افتتح سجن النقب رسمياً في السابع عشر من آذار (مارس) عام 1988م في ظرف استثنائي وطارئ بهدف استيعاب آلاف المعتقلين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم بهدف قمع " انتفاضة الحجارة " التي اندلعت في الثامن من كانون أول (ديسمبر) 1978م، والتي لم يكن بالإمكان استيعابهم في السجون والمعتقلات التي كانت قائمة آنذاك ، وقد كان يخضع آنذاك لإدارة الجيش العسكرية، وليس لإدارة السجون كما هو حال باقي السجون الإسرائيلية.
ولا شك بأن ظروفه المعيشية والحياتية كانت قاسية جداً ، والمعاملة أقسى ، علاوة على قسوة الظروف الطبيعية والمناخية صيفاً وشتاءً في ظل تردي جودة الخيام والنقص الحاد بالأغطية والملابس الشتوية وانعدام أدوات التدفئة أو التهوية ، وسوء الرعاية الصحية، وأنا شخصياً كنت أحد نزلائه الأوائل وبعد أيام قليلة من افتتاحه ومكثت فيه آنذاك قرابة العام رهن الاعتقال الإداري قبل أن أعود إليه ثانية بعد سنوات .
ومن الناحية القانونية فموقعه الجغرافي تتنافى والمادة 83 من الفصل الثاني في اتفاقية جنيف ( لا يجوز للدولة الحاجزة أن تقيم المعتقلات في مناطق معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب ) وظروفه المعيشية والحياتية تتناقض وكافة الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة والصلة بالمعتقلين .
والأخطر بأنه يقع بالقرب من " مفاعل ديمونا " وفي منطقة تُستخدم لدفن النفايات النووية لمفاعل ديمونا ومادة الاسبست التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض مسرطنة ، وهذا ما حذرت منه وزارة البيئة الإسرائيلية في تقرير لها في يناير عام 2010 وأكدت في تقريرها بوجود نفايات سامة وخطرة في منطقة النقب قد تسبب الإصابة بأمراض خبيثة ومنها السرطان .
واعتقد بأن سلطات الاحتلال أرادت الانتقام من المعتقلين وعزلهم في أبعد المناطق الجغرافية وأقساها على الإطلاق من حيث الأجواء المناخية صيفاً وشتاءً وما قد يسببه ذلك من أمراض عديدة للمعتقلين ، وأيضاً الانتقام من ذوي المعتقلين وإجبارهم على السفر لساعات طويلة في ظروف قاسية أثناء الزيارات ( لمن يُسمح لهم بذلك ) ، ولربما يصابون ببعض الأمراض المنتشرة هناك جراء استنشاقهم الهواء في تلك البيئة الملوثة .
ونظرا لتلك الظروف الصعبة التي شهدها المعتقل فلقد صاحب افتتاحه حملة نشطة من قبل بعض المؤسسات القانونية والحقوقية والإنسانية ، المحلية والدولية وحتى الإسرائيلية منها تطالب بإغلاق المعتقل، ونقل نزلائه إلى سجون أخرى أكثر أمناً وأفضل حالاً وأحسن ظروفاً ، إلا أن السلطات الإسرائيلية وكعادتها لم تُعر اهتمام لكل ذلك ، واستمرت في زج المعتقلين فيه ، بل وبدلاً من إغلاقه أقدمت على توسيعه فأنشأت أقساماً جديدة ً وبات يتسع لأكثر من عشرة آلاف معتقلاً، وفي تطور آخر وتحديداً في آذار (مارس )1990 أدارته ما أسموه المعتقلون بـ " الأقفاص " وهي عبارة عن أقسام من الخيام يحيطها الجدران من كل الاتجاهات وسقفها من الأسلاك ذو الفتحات الصغيرة.
ولكن ومنذ التوقيع على اتفاق أوسلو في أيلول (سبتمبر) من عام 1993م، وما أعقبه من افراجات سياسية طالت الآلاف من المعتقلين، حيث تناقص أعداد الأسرى المحتجزين في السجون الإسرائيلية من جانب، ومن جانب آخر تراجع الاعتقالات بشكل كبير جداً، أقدمت سلطات الاحتلال في منتصف عام 1996م على إغلاقه ونقل من تبقى فيه من معتقلين إلى السجون الأخرى.
وقد قُدِر عدد نزلاء سجن النقب ما بين ( مارس / 1988 - منتصف 1996) قرابة مائة ألف معتقل فلسطيني.
وعلى الرغم من أن افتتاح سجن النقب كان نتاجاً لظرف طارئ بالنسبة لسلطات الاحتلال وبهدف استيعاب آلاف المعتقلين الجدد، وعلى الرغم من أن إغلاقه كانت نتيجة لزوال الظرف، إلا أنه جاء يتقاطع مع مطالب المنظمات الحقوقية والقانونية التي طالبت بإغلاقه منذ نشأته والتي رحبت لاحقا بإغلاقه .
ولكن بعد ست سنوات على إغلاقه ونتيجة لنشوء ظرف استثنائي وطارئ جديد شبيه تماماً لذاك الظرف الذي أدى لإنشائه، وأقصد بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 واتساع رقعتها وتزايد الاعتقالات العشوائية، وارتفاع أعداد المعتقلين والذي وصل عددهم لقرابة عشرة آلاف معتقل، أعادت سلطات الاحتلال في نيسان 2002 افتتاح معتقل " النقب" من جديد وبذات الظروف والمضمون وطبيعة الأقسام والخيام ، وللأهداف ذاتها وهو استيعاب آلاف المعتقلين وقمع الإنتفاضة ، ومع استمرار الانتفاضة وتزايد الاعتقالات تم توسيع " النقب " وافتتاح أقسام جديدة هي شبيهة بالغرف بجانب أقسام الخيام الموجودة ، وفي العام 2006 تم نقل السيطرة عليه لإدارة "مصلحة السجون" بدلا من إدارة الجيش .
ومنذ إعادة افتتاح سجن النقب والزج بآلاف المعتقلين الفلسطينيين فيه ونحن ومعنا المؤسسات المعنية بالأسرى وبعض المؤسسات الحقوقية والإنسانية نناشد ونطالب بإغلاقه بعد أن ارتفع عدد من استشهدوا فيه إلى ( 9 ) معتقلين غالبيتهم نتيجة الإهمال الطبي وبعد أن اشتدت الهجمة ضراوة على الأسرى هناك ،،،
وأن رسائل عدة قد وصلت من الأسرى أنفسهم يطالبون فيها المؤسسات الدولية بالتدخل لإنقاذ حياتهم من سوء المعاملة وقسوة الظروف في ذاك المعتقل .
وقبل أسبوعين تقريبا ونتيجة لتراجع الاعتقالات وتناقص أعداد المعتقلين وبعد صفقة التبادل وما ترتب عليها من وجود فراغات في السجون ، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قراراً يقضي بإغلاق جزء من معتقل النقب الصحراوي وهو الجزء الخاص بأقسام " الخيام " والتي يقبع فيها قرابة ( 750 ) معتقلاً من مجموع ( 1300 ) معتقل هو إجمالي عدد المعتقلين فيه، وشرعت فعلياً بتطبيق ذلك منذ أيام قليلة ، وإذا استمر الحال على ما هو عليه وتناقص أعداد المعتقلين فأنني أعتقد بأنها ستقدم على إغلاق ما تبقى من أقسام وستنقل باقي المعتقلين لسجون أخرى .
وبعد هذا السرد الطويل منذ النشأة وحتى اليوم لمعتقل هو الأقسى والأسوأ من بين السجون والمعتقلات الأخرى وهو الأكبر من حيث أعداد النزلاء فيه ، سنجد أن ظرفي النشأة وطبيعة الأهداف وأسباب الإغلاق في المرة الأولى والثانية هي واحدة ..
وبالرغم من أن قرار الإغلاق هو " إسرائيلي " ولأسباب إسرائيلية بحتة وليس له علاقة بالحقوق الأساسية للمعتقلين أو بخطورة استمرار احتجازهم فيه أو ما يتصل بعلامات الاستفهام القانونية والقضائية التي تحوم حول المعتقل وما يجري بداخله من انتهاكات وتجاوز لمبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ، إلا أن ذلك يجب أن يدفعنا للترحيب باغلاقه والمطالبة باغلاق باقي الأقسام ونقل كافة المعتقلين إلى سجون أخرى بالرغم من فقدان بعض الامتيازات التي كان يتمتع بها الأسرى هناك ولا تتوفر بالسجون الأخرى، وخاصة حرية الحركة طوال النهار تحت الشمس وفي مساحات واسعة وتهوية جيدة ، بالإضافة إلى إمكانية الاتصال بذويهم عبر هواتف مهربة متوفرة بكثرة وغير متوفرة في سجون أخرى ..
ولكن الخشية دائماً في أن تستغل إدارة السجون قرارها بإغلاق المعتقل وأن تصعد من إجراءاتها القمعية والتعسفية بحق المعتقلين المنوي نقلهم ، من خلال استخدام القوة في التعامل معهم وتفتيشهم وإجبارهم على التفتيش العاري ومصادرة بعض حاجياتهم الخاصة وتشتيتهم في سجون متعددة وعزل البعض منهم تحت حجج مختلفة والزج بهم في غرف ضيقة داخل سجون تفتقر للتهوية ووسائل الاتصال والتواصل مع الأهل في ظل انعدام الزيارات لكافة أسرى قطاع غزة ومنع الآلاف من ذوي أسرى الضفة بحجة ما يسمى " المنع الأمني " .
ومع البدء بإجراء عمليات النقل الأولى حدث ما كان يُخشى منه وتم الاعتداء على بعض الأسرى وتشتيتهم لعدة سجون والزج ببعضهم في أقسام دون ملابس وأغطية شتوية كافية في ظل البرد القارص وتمت مصادرة بعض الحاجيات الشخصية بحجة أنها ممنوعة .
وعلى ضوء ذلك أرى ومن وجهة نظري بأنه من الضروري والضروري جداً أن نتمسك بمطلبنا الحقوقي والقانوني باغلاق معتقل النقب الصحراوي (إلى الأبد) والعمل مع كافة المؤسسات الحقوقية والقانونية من أجل تحقيق ذلك ، وعدم السماح بإعادة افتتاحه من جديد تحت أي ظرف من الظروف.
وفي الوقت ذاته وبالرغم مما قد يفقده الأسرى من امتيازات جراء نقلهم و ما رافق ويرافق عمليات النقل يجب أن تقودنا إلى إطلاق حملة من التضامن والمساندة مع معتقلي النقب الذين تم أو سيتم نقلهم من المعتقل المذكور إلى سجون أخرى والنضال من اجل تحسين شروط وظروف نقلهم وصون وحماية حقوقهم وانجازاتهم ووحدتهم الداخلية .
عبد الناصر فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة مكتب الوزارة بقطاع غزة
0599361110
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان
*بقلم / عبد الناصر فروانة
14 يناير 2012
" كيتسعوت " اسم عبري لمعتقل إسرائيلي هو الأكبر والأوسع والأكثر استيعاباً للمعتقلين الفلسطينيين، أو " أنصار 3 " كما يحلو للفلسطينيين تسميته ، أو " النقب " كما أصبح متعارفاً عليه لكونه يقع في صحراء النقب جنوب فلسطين .
" كيتسعوت " أو " أنصار 3 " أو " النقب " .. أسماء متعددة لمعتقل واحد أقيم قبل قرابة ربع قرن من الزمن داخل معسكر للجيش الإسرائيلي في منطقة عسكرية خطرة متاخمة للحدود المصرية وتجرى بداخلها تدريبات عسكرية بالأسلحة الحية.
افتتح سجن النقب رسمياً في السابع عشر من آذار (مارس) عام 1988م في ظرف استثنائي وطارئ بهدف استيعاب آلاف المعتقلين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم بهدف قمع " انتفاضة الحجارة " التي اندلعت في الثامن من كانون أول (ديسمبر) 1978م، والتي لم يكن بالإمكان استيعابهم في السجون والمعتقلات التي كانت قائمة آنذاك ، وقد كان يخضع آنذاك لإدارة الجيش العسكرية، وليس لإدارة السجون كما هو حال باقي السجون الإسرائيلية.
ولا شك بأن ظروفه المعيشية والحياتية كانت قاسية جداً ، والمعاملة أقسى ، علاوة على قسوة الظروف الطبيعية والمناخية صيفاً وشتاءً في ظل تردي جودة الخيام والنقص الحاد بالأغطية والملابس الشتوية وانعدام أدوات التدفئة أو التهوية ، وسوء الرعاية الصحية، وأنا شخصياً كنت أحد نزلائه الأوائل وبعد أيام قليلة من افتتاحه ومكثت فيه آنذاك قرابة العام رهن الاعتقال الإداري قبل أن أعود إليه ثانية بعد سنوات .
ومن الناحية القانونية فموقعه الجغرافي تتنافى والمادة 83 من الفصل الثاني في اتفاقية جنيف ( لا يجوز للدولة الحاجزة أن تقيم المعتقلات في مناطق معرضة بشكل خاص لأخطار الحرب ) وظروفه المعيشية والحياتية تتناقض وكافة الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة والصلة بالمعتقلين .
والأخطر بأنه يقع بالقرب من " مفاعل ديمونا " وفي منطقة تُستخدم لدفن النفايات النووية لمفاعل ديمونا ومادة الاسبست التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض مسرطنة ، وهذا ما حذرت منه وزارة البيئة الإسرائيلية في تقرير لها في يناير عام 2010 وأكدت في تقريرها بوجود نفايات سامة وخطرة في منطقة النقب قد تسبب الإصابة بأمراض خبيثة ومنها السرطان .
واعتقد بأن سلطات الاحتلال أرادت الانتقام من المعتقلين وعزلهم في أبعد المناطق الجغرافية وأقساها على الإطلاق من حيث الأجواء المناخية صيفاً وشتاءً وما قد يسببه ذلك من أمراض عديدة للمعتقلين ، وأيضاً الانتقام من ذوي المعتقلين وإجبارهم على السفر لساعات طويلة في ظروف قاسية أثناء الزيارات ( لمن يُسمح لهم بذلك ) ، ولربما يصابون ببعض الأمراض المنتشرة هناك جراء استنشاقهم الهواء في تلك البيئة الملوثة .
ونظرا لتلك الظروف الصعبة التي شهدها المعتقل فلقد صاحب افتتاحه حملة نشطة من قبل بعض المؤسسات القانونية والحقوقية والإنسانية ، المحلية والدولية وحتى الإسرائيلية منها تطالب بإغلاق المعتقل، ونقل نزلائه إلى سجون أخرى أكثر أمناً وأفضل حالاً وأحسن ظروفاً ، إلا أن السلطات الإسرائيلية وكعادتها لم تُعر اهتمام لكل ذلك ، واستمرت في زج المعتقلين فيه ، بل وبدلاً من إغلاقه أقدمت على توسيعه فأنشأت أقساماً جديدة ً وبات يتسع لأكثر من عشرة آلاف معتقلاً، وفي تطور آخر وتحديداً في آذار (مارس )1990 أدارته ما أسموه المعتقلون بـ " الأقفاص " وهي عبارة عن أقسام من الخيام يحيطها الجدران من كل الاتجاهات وسقفها من الأسلاك ذو الفتحات الصغيرة.
ولكن ومنذ التوقيع على اتفاق أوسلو في أيلول (سبتمبر) من عام 1993م، وما أعقبه من افراجات سياسية طالت الآلاف من المعتقلين، حيث تناقص أعداد الأسرى المحتجزين في السجون الإسرائيلية من جانب، ومن جانب آخر تراجع الاعتقالات بشكل كبير جداً، أقدمت سلطات الاحتلال في منتصف عام 1996م على إغلاقه ونقل من تبقى فيه من معتقلين إلى السجون الأخرى.
وقد قُدِر عدد نزلاء سجن النقب ما بين ( مارس / 1988 - منتصف 1996) قرابة مائة ألف معتقل فلسطيني.
وعلى الرغم من أن افتتاح سجن النقب كان نتاجاً لظرف طارئ بالنسبة لسلطات الاحتلال وبهدف استيعاب آلاف المعتقلين الجدد، وعلى الرغم من أن إغلاقه كانت نتيجة لزوال الظرف، إلا أنه جاء يتقاطع مع مطالب المنظمات الحقوقية والقانونية التي طالبت بإغلاقه منذ نشأته والتي رحبت لاحقا بإغلاقه .
ولكن بعد ست سنوات على إغلاقه ونتيجة لنشوء ظرف استثنائي وطارئ جديد شبيه تماماً لذاك الظرف الذي أدى لإنشائه، وأقصد بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 واتساع رقعتها وتزايد الاعتقالات العشوائية، وارتفاع أعداد المعتقلين والذي وصل عددهم لقرابة عشرة آلاف معتقل، أعادت سلطات الاحتلال في نيسان 2002 افتتاح معتقل " النقب" من جديد وبذات الظروف والمضمون وطبيعة الأقسام والخيام ، وللأهداف ذاتها وهو استيعاب آلاف المعتقلين وقمع الإنتفاضة ، ومع استمرار الانتفاضة وتزايد الاعتقالات تم توسيع " النقب " وافتتاح أقسام جديدة هي شبيهة بالغرف بجانب أقسام الخيام الموجودة ، وفي العام 2006 تم نقل السيطرة عليه لإدارة "مصلحة السجون" بدلا من إدارة الجيش .
ومنذ إعادة افتتاح سجن النقب والزج بآلاف المعتقلين الفلسطينيين فيه ونحن ومعنا المؤسسات المعنية بالأسرى وبعض المؤسسات الحقوقية والإنسانية نناشد ونطالب بإغلاقه بعد أن ارتفع عدد من استشهدوا فيه إلى ( 9 ) معتقلين غالبيتهم نتيجة الإهمال الطبي وبعد أن اشتدت الهجمة ضراوة على الأسرى هناك ،،،
وأن رسائل عدة قد وصلت من الأسرى أنفسهم يطالبون فيها المؤسسات الدولية بالتدخل لإنقاذ حياتهم من سوء المعاملة وقسوة الظروف في ذاك المعتقل .
وقبل أسبوعين تقريبا ونتيجة لتراجع الاعتقالات وتناقص أعداد المعتقلين وبعد صفقة التبادل وما ترتب عليها من وجود فراغات في السجون ، أصدرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قراراً يقضي بإغلاق جزء من معتقل النقب الصحراوي وهو الجزء الخاص بأقسام " الخيام " والتي يقبع فيها قرابة ( 750 ) معتقلاً من مجموع ( 1300 ) معتقل هو إجمالي عدد المعتقلين فيه، وشرعت فعلياً بتطبيق ذلك منذ أيام قليلة ، وإذا استمر الحال على ما هو عليه وتناقص أعداد المعتقلين فأنني أعتقد بأنها ستقدم على إغلاق ما تبقى من أقسام وستنقل باقي المعتقلين لسجون أخرى .
وبعد هذا السرد الطويل منذ النشأة وحتى اليوم لمعتقل هو الأقسى والأسوأ من بين السجون والمعتقلات الأخرى وهو الأكبر من حيث أعداد النزلاء فيه ، سنجد أن ظرفي النشأة وطبيعة الأهداف وأسباب الإغلاق في المرة الأولى والثانية هي واحدة ..
وبالرغم من أن قرار الإغلاق هو " إسرائيلي " ولأسباب إسرائيلية بحتة وليس له علاقة بالحقوق الأساسية للمعتقلين أو بخطورة استمرار احتجازهم فيه أو ما يتصل بعلامات الاستفهام القانونية والقضائية التي تحوم حول المعتقل وما يجري بداخله من انتهاكات وتجاوز لمبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ، إلا أن ذلك يجب أن يدفعنا للترحيب باغلاقه والمطالبة باغلاق باقي الأقسام ونقل كافة المعتقلين إلى سجون أخرى بالرغم من فقدان بعض الامتيازات التي كان يتمتع بها الأسرى هناك ولا تتوفر بالسجون الأخرى، وخاصة حرية الحركة طوال النهار تحت الشمس وفي مساحات واسعة وتهوية جيدة ، بالإضافة إلى إمكانية الاتصال بذويهم عبر هواتف مهربة متوفرة بكثرة وغير متوفرة في سجون أخرى ..
ولكن الخشية دائماً في أن تستغل إدارة السجون قرارها بإغلاق المعتقل وأن تصعد من إجراءاتها القمعية والتعسفية بحق المعتقلين المنوي نقلهم ، من خلال استخدام القوة في التعامل معهم وتفتيشهم وإجبارهم على التفتيش العاري ومصادرة بعض حاجياتهم الخاصة وتشتيتهم في سجون متعددة وعزل البعض منهم تحت حجج مختلفة والزج بهم في غرف ضيقة داخل سجون تفتقر للتهوية ووسائل الاتصال والتواصل مع الأهل في ظل انعدام الزيارات لكافة أسرى قطاع غزة ومنع الآلاف من ذوي أسرى الضفة بحجة ما يسمى " المنع الأمني " .
ومع البدء بإجراء عمليات النقل الأولى حدث ما كان يُخشى منه وتم الاعتداء على بعض الأسرى وتشتيتهم لعدة سجون والزج ببعضهم في أقسام دون ملابس وأغطية شتوية كافية في ظل البرد القارص وتمت مصادرة بعض الحاجيات الشخصية بحجة أنها ممنوعة .
وعلى ضوء ذلك أرى ومن وجهة نظري بأنه من الضروري والضروري جداً أن نتمسك بمطلبنا الحقوقي والقانوني باغلاق معتقل النقب الصحراوي (إلى الأبد) والعمل مع كافة المؤسسات الحقوقية والقانونية من أجل تحقيق ذلك ، وعدم السماح بإعادة افتتاحه من جديد تحت أي ظرف من الظروف.
وفي الوقت ذاته وبالرغم مما قد يفقده الأسرى من امتيازات جراء نقلهم و ما رافق ويرافق عمليات النقل يجب أن تقودنا إلى إطلاق حملة من التضامن والمساندة مع معتقلي النقب الذين تم أو سيتم نقلهم من المعتقل المذكور إلى سجون أخرى والنضال من اجل تحسين شروط وظروف نقلهم وصون وحماية حقوقهم وانجازاتهم ووحدتهم الداخلية .
عبد الناصر فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة مكتب الوزارة بقطاع غزة
0599361110
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان