في ذكرى إستشهاده
" وليد الغول " اسم أضاء السماء لرجل أبى الإنكسار في حياته ، وشامخ في مماته
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
13 ديسمبر 2008
كلما اقترب الرابع عشر من ديسمبر ، كلما استحضرتني ذكرى استشهاد الأسير السابق " وليد الغول " ، الذي إلتقيت به وتعرفت عليه للمرة الأولى في ابريل / نيسان عام 1988 في معتقل النقب الصحراوي ، وحينما التقيت به لم أصدق نفسي ، ولم أتخيل بأنني أمام أحد جبال فلسطيني الشامخة التي كثيراً ما سمعت عنها وعن صمودها وشموخها ، وحلمت بلقائها .
لم أصدق بأنه في ريعان شبابه ، ولم يتجاوز الثلاثينات من عمره بعد ، كنت أعتقد آنذاك أنه كبير السن وعلى أبواب مرحلة الشيخوخة ، لم أكن أتصور بأنه لا يكبرني سوى بعشرة سنوات ونيف ، فالقصص والحكايات الطويلة ، والبطولات والأمجاد العديدة التي ترددت لمسامعنا ، وقرأناها في كتيبات مختلفة عن مسيرة حياة ذاك الرجل ، توحي لك بأنه سطرها خلال عقود طويلة من الزمن ، وترسم في مخيلتك صورة لرجل ضخم تجاوز السبعين عاماً من العمر ... لتتفاجأ حينما تلتقيه .. بشبابه اليانع وابتسامته العريضة ، بطبيعته الخجولة وتواضعه اللامحدود وشخصيته القوية .
إلتقيته والتقيت شقيقه الأصغر في ذات الوقت المناضل " منير " في الإعتقال الإداري في قسم "كيلي شيفع " بمعتقل النقب في ظروف اعتقالية ومعيشية هي الأسوأ ، ومعاملة من قبل الإدارة والجنود المدججين بالسلاح هي الأقسى ، لكنها الأفضل من حيث الحياة الداخلية والوحدة الوطنية والتفاعل والإحترام والمحبة فيما بين المعتقلين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية ، وبالتأكيد وجود هذا الرجل ومعه كوكبة كبيرة من أمثاله ، ممن لهم خبرة نضالية واعتقالية طويلة ، وممن تحرروا ضمن صفقة تبادل الأسرى عام 1985 ، وممن نَكِنُ لهم كل الإحترام والتقدير ، لعبت دوراً مهماً في رسم هذه اللوحة المشرقة من العلاقات الوطنية ، وأثرت ايجاباً على طبيعة العلاقة مع ادارة السجن حيث كانت المواجهة عنواناً لإنتزاع حقوقنا المسلوبة واستعادة كرامتنا المفقودة في ذاك القسم الذي كان يطلق عليه " كيلي شيفع " .
و رغم مرارة تلك الأيام وقساوتها ، إلا أنها كانت الأجمل والأروع ، لا سيما وأنت شاب تعيش بين مجموعة من قدامى المناضلين وخيرة المعتقلين ذوي التجربة الإعتقالية الطويلة ، هذا الوضع مكننا من تعلم الكثير الكثير في فترة زمنية قصيرة جداً ، و ساعدنا لاحقاً في نقل التجربة والمعارف والخبرات الى غيرنا وهكذا هي حياة السجون ....
فحقاً كان " أبا خالد " أحد عمداء الحركة الوطنية الأسيرة بشكل عام ، وبشكل خاص هو واحد من القلائل الذين تركوا بصمات مميزة على مجمل حياتي الشخصية ، وترك انطباعات غير عادية ، انطباعات لا يمكن أن تُمحى بسهولة ، ترك صورة مشرقة لمناضل عظيم تتمنى أن تصل لمستواه ، مناضل لا يعرف الكلل والممل ، أو التردد والتراجع .. صورة لمعتقل أبى الإنكسار في أقسى اللحظات وأحلكها ، وأقدامه علت رقاب سجانيه ، ولسانه رفض التحرك ولو بحرف واحد في أروقة التعذيب وأمام جبروت المحققين ، فكان نموذجاً في الصمود مترجماً مقولة " الإعتراف خيانة " ، رجل بقيّ زعيماً وقائداُ ونموذجاً يحتذى في حياته ، بطلاً شامخاً في مماته .
ولم يكن حاله في ساحة النضال الأرحب مختلفاً ، في طفولته أو شبابه ، كمقاتل عنيد في المجموعات الجيفارية أو كقائد بارع ومحنك ، قبل الإعتقال أو بعده ، حيث إلتقيته بعد التحرر مراراً وتعرفت عليه أكثر ، فكان دائماً يتقدم الصفوف في كافة مناحي الحياة النضالية والإجتماعية والعسكرية ، كان مؤمن بعدالة قضيته ، متفائل بالنصر الأكيد الى أبعد الحدود ، وإذا سألته عن وضعه الصحي المتردي والأمراض العديدة الكامنة بداخله ، كان يجيبك " بأننا لسنا خالدون فوق الأرض والموت حق علينا ، وعلينا أن ندفع من حياتنا ثمناً لحرية وطننا وأطفالنا " ..
" أبا خالد " كان عملاقاً داخل الأسر وخارجه ونموذجاً رائعاً في الصمود والسلوك ، كان رجلاً في زمن عز فيه الرجال ، شامخاً في زمن الإنكسار ، بطلاً تتمنى الجلوس معه والتقرب منه ، أرشيفاً متحركاً يختزن في ذاكرته تاريخ طويل من الذكريات والأحداث والتواريخ ، وأعتقد جازماً بأنه ترك آثاراً ايجابياً لدى كل من قابله وعايشه أو تعامل معه ، ليحتل رقعة واسعة في أفئدة كل من عرفه.. انه الشهيد الأسير السابق وليد خالد الغول .
و بعد استشهاده وكلما ذكرت اسمه ، أو استحضرت سيرته يفخر كل من عرفه بأنه نال شرف معرفته قبل وفاته ، ويفخر أكثر كل من عايشه وإلتقى به ، وكأنك تتحدث عن قائد ورمز نضالي ندر أمثاله ، وسرعان ما يبدأ هؤلاء بسرد قصص من أرشيفهم الخاص وحكاياتهم مع هذا الرجل العظيم ، فطوبى له في حياته وطوبى له بعد مماته .
وليد الغول .. الولادة والتكوين
ولد الشهيد الأسير " وليد خالد سالم الغول " في مخيم الشاطئ للاجئين بقطاع غزة بعد النكبة بثماني سنوات وبالتحديد بتاريخ 20-1-1956 ، في يوم ماطر شهد برد شديد ، ونشأ في كنف أسرة أصيلة محافظة ، كادحة ، وكان الإبن البكر لوالده الموظف البسيط ، فتربى وترعرع بين أزقة المخيم ، وتعلم الإبتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث للاجئين ، فيما درس الثانوية في مدرسة فلسطين ، ورضع حليب الثورة منذ نعومة أظافره وكبر على حب الوطن وعشقه ، فصلب عوده .
وبعد نكسة حزيران 1967، كان لميلاد المقاومة المسلحة تأثيراً على تكوين شخصيته ، فحاول منذ صغره الإلتصاق بهم أحياناً والتحرش بهم أحياناً أخرى ، وما هي إلا سنوات قلائل حتى إلتحق بالمقاومة المسلحة مبكراً ، لينخرط في صفوف الثورة الفلسطينية المعاصرة من خلال فصيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحصل على عضويتها ولم يكن قد تجاوز الخامسة عشر من عمره ، لكنه تجاوز مراحل الخوف والتردد ، مراحل الجهل والعفوية ، فنال اعجاب وثقة قيادة المقاومة والجبهة بذكائه وجرأته النادرة ، وتدريجياً كُلف بأن يكون حلقة الوصل ما بين القيادة السياسية والعسكرية رغم صغر سنه ، لما يمتلكه من سمات المناضل الحقيقي في الإنضباط والسرية والجرأة ، هذا في وقت اعترف فيه وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك "موشيه ديان " قائلاً ( بأننا نحكم قطاع غزة نهاراً ، فيما جيفارا ورفاقه يحكمونه ليلاً ) .
الإنتماء وبداية مشوار النضال
وبعد انخراطه في صفوف الجبهة الشعبية ، شارك بفاعلية ، ليعتقل للمرة الأولى في العام 1972 ، وتعرض لأبشع أساليب التعذيب، لكنه وبالرغم من صغر سنه كان نداً حقيقياً، وجداراً مانعاً ، وسطر صفحات من الصمود ، ليسجل ميلاد قائد جيفاري جديد بكل ما تعنيه الكلمة من معاني ومدلولات ، وبعد قضاء عشرة أشهر في السجن، تحرر من القيد ليواصل مسيرته النضالية .
وفي العام 1973 اعتقل الشهيد الغول مرة ثانية لمدة ثمانية عشر يوماً، وكرر خلالها سيناريو الصمود والإنتصار ليعود شامخاً لحضن أسرته ولمجموعته المقاتلة، مما عزز الثقة بذاك الشبل الصاعد .
وفي يناير 1975، كان الإعتقال الثالث والأطول ضمن " ضربة" طالت العديد من كوادر ومقاتلي الجبهة الشعبية ، ومع أنه حكم عليه ثلاثة عشر عاماً ، إلا أنه لم يعترف وكأن اسم " وليد الغول " ارتبط بالصمود والإنتصار في أقبية التحقيق ، حينما كان الإعتراف قاعدة والصمود استثناء ، وقبل أن يصبح الصمود منظومة وثقافة فيما بين صفوف الجبهة الشعبية ، فيلمع اسمه وأصبح يتردد على كل لسان داخل الأسر وخارجه ، واحتل مواقع قيادية داخل الأسر رغم صغر سنه ، وكان شبلاً من حيث العمر ، لكنه رجلاً شرساً ، مقاتلاً عنيداً ، قائداً بارعاً من طراز فريد.
وأدركت ادارة السجون الإسرائيلية خطورة هذا الشاب وتأثيره على المعتقلين ، مما دفعها تارة الى نقله من هذا السجن الى ذاك ، وتارة أخرى الى عزله انفرادياً لفترات طويلة ، في محاولة للنيل من عزيمته وارادته أو الحد من تأثيره ، ولكن هيهات، فالعزل والمعاناة كانت زاده اليومي للإستمرار في نضالاته والتصلب حول مواقفه تجاه ادارة القمع الإسرائيلية .
" وليد الغول " كان رمزاً للوحدة الوطنية
ويضيف الكاتب عبد الناصر فروانة في مقالته : الشهيد " وليد الغول " كان وحدوياً ، وكان نقطة إلتقاء الفصائل ، ولربما أدرك قبل غيره أهمية الوحدة الوطنية في مسيرة الصراع مع الإحتلال ، لهذا كان دائماً يردد بأن " الوحدة الوطنية شرط أساسي لإنتصارنا على ادارة السجون وانتزاع حقوقنا وحقوق شعبنا الوطنية والمشروعة " ، فحارب الفئوية والحزبية الضيقة ، وبالتالي اينما حل كان محط ترحاب واحترام من الجميع.
وأثناء وجوده في سجن غزة المركزي منتصف الثمانيات، حدث خلاف تنظيمي ما بين قيادة حركة فتح وقيادة الجبهة الشعبية ، فاذا " بحركة فتح " تعلن قطع العلاقة مع أسرى الجبهة الشعبية ، فيما تبقي على استمراريتها مع الرفيق وليد أحد قادة الجبهة في السجن ، في موقف يعكس مدى الإحترام الذي كان يحظى به من قبل الفصائل الأخرى لاسيما حركة فتح .
مواصلة النضال بعد التحرر
وبعد ثلاثة عشر عاماً قضاها في سجون الاحتلال ، متنقلاً بين هذا السجن وذاك ، وفي زنازين العزل الإنفرادي في بئر السبع وعسقلان ، تعرض خلالها لأشكال عديدة من التعذيب الجسدي والنفسي ، حُرم خلالها من أبسط حقوقه الإنسانية وأهمها حقه في العلاج والرعاية الطبية ، مما أدى الى تهالك الجسد وبروز عدة أمراض فاقمت من معاناته ، لكنها لم تؤثر على معنوياته العالية .
و في يناير 1988، أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الشهيد الأسير " وليد الغول " بعد قضاء فترة محكوميته البالغة ثلاثة عشر عاماً ، وكانت الانتفاضة الأولى في بداية مراحلها ، وكان مخيم الشاطئ حيث يقع فيه بيت العائلة ، يخضع لحصار " منع تجول " ، ليُجبر على العيش في بيوت الأقارب والأحبة ، ومع ذلك لم يعط لنفسه حق التمتع بالحرية النسبية والعيش في كنف أسرته المناضلة ، كما لم يمنح لجسده المريض الراحة اللازمة وحق العلاج الطبيعي ، وكأنه كان متعطشاً للنضال ، وأراد الإنتقام من سجانيه ومن قاتلي أطفال شعبه ، أو أنه يريد أن يؤكد بأن سنوات السجن لن تحيد المناضل عن خط الثورة وما هي إلا سنوات " استراحة مقاتل " .
وبعد بضعة شهور قلائل على اطلاق سراحه ، أدركت سلطات الاحتلال خطورته ، فاعتقلته ادارياً، ووجهت له تهمة قيادة وتوجيه الإنتفاضة من سجن نفحة قبل اطلاق سراحه ، وبعد شهور في الإعتقال الإداري افرج عنه ، ليعود لصفوف المواجهة والنضال .
ولم يكن يرغب في التعامل بنرجسية أو بيروقراطية أو فوقية ، ورفض انحصار عمله ونضاله في العمل المؤسساتي أو الجماهيري ، مؤكداً على ضرورة الجمع فيما بين كافة أشكال النضال وفي مقدمتها العمل المسلح ، فانخرط مباشرة في العمل ضمن صفوف قيادة الجبهة الشعبية في قطاع غزة ، وخلال فترة وجيزة أحدث قفزة نوعية في كافة الميادين ، فكان قائداً ميدانياً جاب شوارع المدن وأزقة المخيمات ، واقترب بشكل كبير جداً من كافة أعضاء وأنصار الجبهة الشعبية فكان حضناً دافئاً لهم وصدر حنون وعقل مفتوح وآذان صاغية للجميع ، لم يُهمل قضية طرحت عليه أو مشكلة طُلب منه التدخل لحلها ، وفي الوقت ذاته كان حازماً في قراراته ، صارماً في مواجهة الأخطاء والقصور .
وكان يؤمن بأن مقياس نجاح القائد يُقاس بمدى قربه من القاعدة ، لهذا رفض العمل المكتبي والبيروقراطي ، وفضل التحرك شمالاً وجنوباً ، شرقاً وغرباً مع اضفاء السرية على عمله ونشاطه ، قاد العمل النضالي مباشرة وتابع تفصيليات مسيرته ، فحقق نجاحات عدة وكان قريب جداً من الجماهير المضطهدة ، فكان بيته مزار للناس، ملتقى للأحبة ، ولقاء السياسيين ، ومقر دائم للعمل التنظيمي والجماهيري وخلية النحل الأولى وشكل بيته حضن لكافة المناضلين بكافة ألوانهم السياسية طوال سنوات الإنتفاضة .
نضال مستمر ومطاردة واعتقال
في منتصف العام 1989 تم اعتقال مجموعة من الرفاق في منطقة الزيتون بغزة ، امتدت لتشمل ما يقارب الستين عضو ، ليتغنى بذلك جهاز " الشين بيت " ، وكادت الضربة أن تمتد وتشمل جميع مناطق القطاع ، وفي التحقيقات ذكر اسم الشهيد وليد الغول ، فداهمت قوات الإحتلال بيته عدة مرات بهدف اعتقاله واعتقال شقيقه الرفيق منير أيضاً ، وبعد عشرة أيام تمكنت من اعتقال شقيقه الرائع "منير " ، فيما الشهيد " وليد " رفض الإستسلام وفضَّل المطارة ومواصلة النضال ، متوجهاً إلى ساحة الضفة الغربية والقدس ليواصل نضاله هناك ، فأقدت قوات الإحتلال على اعتقال والده الحاج أبو وليد ومجموعة طالت أحد عشر شخصاً من المحيط المقرب للشهيد وليد من أبناء عائلته ، بهدف ابتزازه والضغط عليه واجباره على تسليم نفسه وبعد فترة من المطارة اعتقل وليد ، ليسجل صفحة جديدة من الصمود أمام وجه الجلاد ، ليمضى بضعة شهور في الإعتقال الإداري ثم يطلق سراحه ليعود ثانية للعمل والنضال وبنفس الوتيرة .
وفي عام 1991 اعتقل من جديد ، وفي كل مرة كان لسان حاله يردد ما قاله فوتشيك من قبل " اذا كان هناك ما يمكن التضحية به ، فهو الحياة وليس الشرف " .. فصان شرف حزبه ورفاقه وثورته ، فكان خير من صان وكتم الأسرار وحمى الرفاق ، ولم يكتفِ الإحتلال بذلك ، بل كلف بعض عملائه لتصفيته وانكشف أمرهم قبل ان ينفذوا جريمتهم ، وتم التحقيق معهم من قبل مجموعات الجبهة الشعبية ، ليقدموا اعترافات خطيرة وتفصيلية عما كان يفترض أن يقوموا به ..
ولا ننسى هنا حضوره الدائم في المؤتمرات العامة للجبهة الشعبية وهو في الأسر عن دائرة السجون ، فكان عضواً في المؤتمر الرابع ، فيما انتخب عضواً في اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية في مؤتمرها الخامس وهو في السجن ، وحتى استشهاده .
وليد الزوج والأب
في السابع عشر من نوفمبر 1989 وبعد خروجه من الإعتقال الإداري مباشرة تزوج " وليد " من المناضلة " ايمان عمار " شقيقة المناضل الجبهاوي الأصيل سعدي عمار ، وبعد عام من زواجه رزق بمولودة أسماها " خلود " ، وبعد مرور أيام قلائل يعود للسجن ، ليخرج ويرزق بخالد وطارق .
الحاجة أم وليد ومعاناتها مع السجون
بدأت رحلة الحاجة أم وليد مع السجون عام 1968 حينما اعتقلت قوات الإحتلال شقيقها وشقيقتها وابن أختها وابن عمتها آنذاك ، وحين اعتقال ولدها " وليد " كانت الأمور بالنسبة لها طبيعية ، ومن ثم اعتقل نجلها الثاني " منير " ، وهي كباقي أمهات الأسرى عانت من الزيارات والحرمان والتنقلات وبُعد المسافات ، وهي واحدة من أمهات كثيرات نكن لهن كل الإحترام والتقدير ، ويكفيها فخراً بأنها أنجبت ذاك البطل .
المرض وزيارة الشهيد ابو علي مصطفى
عانى الشهيد ابا خالد داخل السجن وبعدها من العديد من الأمراض ، وصارع المرض لسنوات طويلة ، تلك الأمراض التي أورثته إياه سجون الاحتلال ومعتقلاته الفاشية ، ونتيجة مباشرة لسياسة الإهمال الطبي المتعمد المتبعة داخل السجون ، واساليب التعذيب المميته التي تعرض لها خلال فترات اعتقاله العديدة ، وتوجه ذات مرة لمستشفيات الأردن للعلاج ، ومكث فترات متفرقة في المستشفى العسكري في عبسان بخانيونس بقطاع غزة ، ولم يقطع علاقاته التنظيمية أو أن يوقف عمله الحزبي والنضالي ، فبرغم المرض وآلامه لم يكن يتحدث سوى عن هموم الوطن والقضية وضرورة شحذ الهمم ورفع المعنويات ، واذكر أنني زرته هناك مع صديقي العزيز ( القمر ) فقال لنا " فترة وبتعدي ، المهم شدوا حيلك ، مشوارنا طويل " ، وبالمناسبة الرفيق القائد الشهيد أبو علي مصطفى قام بزيارة " الغول " خلال وجوده في مستشفيات الأردن ، وأيضاً أثناء وجوده في مستشفى عبسان قائلاً آنذاك " نحن بأمس الحاجة للرفاق القادة المميزين أمثال أبا خالد " .
حقاً صدقت أيها القائد ، فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لا سيما في قطاع غزة هي بحاجة اليوم الى أمثال " ابا خالد " ، كما أن الجبهة الشعبية في أنحاء المعمورة هي بحاجة لأمثال الشهيد أبو علي مصطفى " .
الإستشهاد
وفي الرابع عشر من ديسمبر عام 1999، استشهد الرفيق أبا خالد ، فكان قائداً شجاعاً في حياته ، وبطلاً شامخاً في مماته ، وسيبقى اسماً يضيء السماء .. رحل بعد مسيرة حياة امتدت ثلاثة وأربعين عاماً كانت مليئة بالمتاعب والأشواك ، مفعمة بالعطاء والنضال ، حافلة بالمواقف والبطولات ، مسيرة طويلة تحتاج لمجلدات ومجلدات لتوثيقها ، فهل من يُوثق ؟.
لتفقد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحد أبرز قادتها وأعمدتها الرئيسية في قطاع غزة ، ليرحل جسداً ، ويبقى خالداً فينا ، حاجزاً مكانة واسعة في قلوب كل من عرفه .. تاجاً على رؤؤسنا ، نموذجاً في سلوكنا ، مفخرة للحركة الأسيرة ولشعبه الفلسطيني المناضل و ولرفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بشكل خاص ، والثورة الفلسطينية المعاصرة بشكل عام .. فلك المجد ومنا العهد والوفاء .
عبد الناصر عوني فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة
ايميل / ferwana2@gmail.com
0599361110- 0598937083
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان