صفقة التبادل لم تعد قريبة ..

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

13-8-2009

الساعة : 20:00

يبدو بأن " إسرائيل " لا زالت تصر على اعتماد مبدأ القوة كقاعدة لاستعادة مواطنيها المختطفين أو المأسورين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية ، حتى لو أدى ذلك لقتلهم واستعادتهم جثث هامدة ، كما جرى في معالوت ، عنتيبي ، عملية الساحل ، الباص 300 ، نخشون فاكسمان ..الخ ، ولم ولن تتردد في التعامل مع " شاليط " بنفس المنطق إذا توفرت لديها الظروف وهي بالمناسبة تراهن على ذلك .

تراهن على الوقت وعلى قدرتها الإستخباراتية وأجهزتها الأمنية المختلفة وعملائها وما تمتلكه من تكنولوجيا متطورة جداً ، وأيضاً على ما يمكن أن يبرز من أخطاء لدى آسري تساعدها في معرفة مصيره ومكان احتجازه .

وفي الوقت ذاته لا تغلق باب المفاوضات ، ولكن ليس من باب اعتمادها كوسيلة أولى و تغييب منطق القوة ، وإنما من باب استغلال الوقت لتحقيق الأهداف آنفة الذكر ، ولإرضاء الجمهور الإسرائيلي لاسيما الداعي إلى ضرورة استعادته بأي ثمن ، وكلما تقدمت المفاوضات وضعت عقبات جديدة ووقفت أمام المعايير أو الأسماء أو الإبعاد ..الخ ومع ذلك تظهر أن العقبة لدى الجانب الفلسطيني .

وفي الوقت ذاته تستمر محاولاتها لإستعادته بالقوة ، وتواصل أجهزتها جمع المعلومات ، واتصالاتها بالمواطنين مستمرة ، وإذا تمكنت من ذلك ستضرب كل المفاوضات بعرض الحائط .

بمعنى حكومة الاحتلال ليست مستعدة بعد للتخلي عن مبدأ القوة الذي اعتمدته سياسة وانتهجته ممارسةً منذ احتلالها لفلسطين ، وهي بذلك غير جاهزة من حيث المبدأ للخضوع والإستسلام لشروط ومطالب آسري شاليط لاسيما الإفراج عن كافة الأسرى القدامى بمن فيهم أسرى القدس والـ48 ورموز المقاومة والقيادات السياسية ، وهي ترفض السماح للمقاومة الفلسطينية بأن تسجل لنفسها انتصاراً غير مسبوق فوق الأراضي الفلسطينية ، من الممكن ان يدفعها لاحقاً للتفكير جدياً في تكرار العملية .

أُجبِرت مراراً للتخلي عن مبدأ القوة ..

وبالرغم من اعتمادها منطق " القوة " في استعادة مواطنيها ، فان الفصائل الفلسطينية وحزب الله استطاعوا تسجيل كثيراً من الإنتصارات وانجاز العديد من عمليات التبادل عبر المفاوضات غير المباشرة  ، وأجبرت " اسرائيل " على الخضوع لمبدأ التفاوض والقبول بعمليات التبادل ، بعدما أيقنت " اسرائيل " استحالة نجاحها في استعادة جنودها وفق " القوة " واقتنعت بفشلها الذريع في الثبات على هذا المبدأ .

وحينذاك تسعى للتهرب من استحقاقات العملية التبادلية والتقليل من الثمن الذي من المفترض أن تدفعه لإنجاحها، وكثيراً ما حاولت ربطه بالقضايا الأخرى كالمعابر والحصار وحرية الحركة و..الخ  وهنا يبرز دور الطرف الآخر وقدرته على المناورة والتفاوض ، والنجاح في الإستمرار بإحاطة السرية العالية حول مكان احتجاز " المأسورين " ، والمعلومات الخاصة بهم بعيداً عن الأعين الإسرائيلية .

وهذا ما ترجمه " حزب الله " حتى اللحظات الأخيرة ، فتكللت العملية بنجاح باهر ، وأعتقد أن آسري " شاليط " يسيرون بهذا الإتجاه وبنجاح لغاية الآن ، الأمر الذي يدفعنا للتفاؤل بأن " شاليط " لن يعود إلا في إطار مفاوضات تقود إلى إتمام صفقة تبادل أسرى وإطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين لاسيما القدامى .

" اسرائيل " لا زالت تمنح مبدأ القوة الأولوية

ويضيف الباحث فروانة في مقالته : وعلى ضوء ذلك فإننا نُجزم بأن " اسرائيل " تسير بالاتجاهين مع منح الأولوية لمبدأ القوة وليس العكس ، فيما لم تقطع الطريق أمام المفاوضات التي بدأت ولم تتوقف ولم تنتهي بعد ، مع انتهاج المماطلة والمناورة ، واللجوء لاستخدام بعض الإجراءات بهدف الإنتقام و الضغط والإبتزاز والمساومة كالإعتقالات والإغتيالات وتشديد الحصار ..الخ ، ولكن هذا كله بتقديري لم ولن يغير من موقف آسريه شيئاً ، بل قد يدفعهم لتشدد أكثر .

و بين الفينة والأخرى يتردد لمسامعنا أو تطالعنا بعض الصحف بتصريحات ذات علاقة بالمفاوضات حول الصفقة ، وأن مصادر عديدة ورفيعة المستوى على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي ، قد أكدت بأن حراكاً غير مسبوق تشهده لمفاوضات حول " شاليط " ، وتزامن مع ذلك العديد من الإجراءات والتنقلات داخل السجون ربما تندرج في سياق هذا الحرك الذي كان يدور الحديث عنه  .

وفي الأيام الأخيرة اعتقدنا بأن الصفقة على الأبواب ، وستنجز في غضون أيام قليلة ، وقبل عيد الفطر السعيد وربما قبل شهر رمضان ، واحتمال الإعلان النهائي عن تفاصيل الإتفاق في أية لحظة ، رغم نفي بعض الأطراف من كلا الجانبين  .

نبأ اختطاف جندي اسرائيلي اليوم وتداعياته

ومساء اليوم " الخميس " نشرت العديد من وسائل الإعلام بما فيها بعض الصحف العبرية خبراً مفاده ان هناك مؤشرات تدلل على اختطاف جندي اسرائيلي بالقرب من مطار اللد ، وتزامن مع ذلك نشر الحواجز على الطرقات والشوارع الرئيسية وسط " اسرائيل " وتفتيش المركبات بشكل دقيق مما أدى لإزدحام شديد في الشوارع الرئيسية.

 ورغم عدم تأكيد أو نفي أو توضيح الخبر من قبل المصادر الرسمية الإسرائيلية ، وربما يكون صحيحاً أم لا ، إلا أن المواطن الإسرائيلي أقتنع بحدوث عملية اختطاف أو محاولة حدوثها واحتمال تكرارها لاحقاً ،  وهنا يكمن أحد الأهداف الأساسية  من وراء نشر هذا الخبر.

الخبر صحيحاً كان أم لا .. فانه سيعيق اتمام الصفقة

فان اتضح لاحقاً بأن الخبر صحيحاً وأن هناك بالفعل عملية اختطاف ، فان ذلك سينسف ما تم التوصل إليه بالقاهرة وسيوقف الحراك والتقدم الذي تحدثنا عنه في الأيام الماضية ، وربما سيؤجل الموضوع لفترة طويلة قادمة ، لكنه سيعزز المطالب والشروط الفلسطينية لاحقاً .

وإذا كان خبر إعلامي لمجرد الإشتباه بعناصر فلسطينية تنوي اختطاف جندي ، فان توقيته ليس عفوياً أو عشوائياً ، بل مدروساً جيداً ، وجاء في توقيت يدور فيه الحديث عن تقدم كبير في المفاوضات ، وفعاليات وآراء " اسرائيلية " تدعم هذا التقدم وتطالب باستعادة " شاليط " بأي ثمن ، وهذا من شأنه أن يضع عراقيل جديدة أمام اتمام الصفقة  .

ومثل هكذا خبر يدعم توجهات وآراء المعارضين لإنجاز الصفقة ، وورقة للضغط بأيديهم ضد المؤيدين وأصدقاء شاليط للكف عن مطالبتهم للحكومة باتمام الصفقة بأي ثمن من أجل عودة " شاليط " لأن من شأن ذلك أن يدفع الفلسطينيين لإختطاف المزيد من الجنود .

صفقة التبادل أبعد من أن تنجز خلال فترة قريبة

والخلاصة بأننا اذا كنا قد اعتقدنا لغاية قبل بضعة ساعات باحتمالية إنجاز الصفقة خلال فترة قريبة جداً ، فإننا نعتقد الآن وبعد نشر هذه الأخبار بأن لا صفقة قريبة ، وعلينا أن ننتظر فترة أطول دون أن نفقد الأمل ، وعلى الأسرى وذويهم بالذات أن لا يتفاعلوا مع التصريحات التي تصدر من هنا وهناك ، أو مع الأنباء التي تتداولها وسائل الإعلام المختلفة ، ومع ذلك نتمنى أن تحمل الأيام القليلة القادمة أخباراً سعيدة تدحض توقعاتنا هذه ، ونرى عمداء وقدامى الأسرى ورموز المقاومة عائدين الى بيوتهم وذويهم .

ويبقى من حق الشعب الفلسطيني انتهاج كافة الوسائل المشروعة لتحرير أسراه المحتجزين في سجون الإحتلال منذ عشرات السنين .

موضوعات وتقارير ذات صلة بالموضوع

- ألف يوم لشاليت  و11300 يوم لعميد الأسرى

- فروانة : لا بكاء ولا ندم على فشل " صفقة تبادل " وفقاً للمعايير الإسرائيلية

- فروانة : لامعنى لأي صفقة دون أسرى القدس والـ48

- أي صفقة تبادل تتجاوز أخطاء أوسلو هي صفقه مشرفة

- اسرائيل و" نغمة " تليين المعايير الخاصة بالأسرى ..

- في الذكرى الثانية لعملية " الوهم المتبدد " وأسر " شاليط " ..

 - فروانة : أي صفقة تبادل لا تشمل كافة الأسرى القدامى ، لن تكون مقبولة

-