"الجنرال العجوز" يحتفل بعيد ميلاده (78) في السجن.!!
بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى
عضو اللجنة المكلفة لإدارة شؤون الهيئة في قطاع غزة
12-3-2018
في مثل هذا اليوم الثاني عشر من آذار/مارس عام 1940 كان مولده، وفي مثل هذا الشهر من عام 2006 كان موعده مع الاعتقال، واليوم وبعد اثنتي عشرة سنة من الاعتقال يحتفل "الجنرال العجوز" بعيد ميلاده الثامن والسبعين وهو مقيد اليدين داخل سجن إسرائيلي محاط بجدران شاهقة وأسلاك شائكة وحراس مدججين بالسلاح وعيون مراقبة تبقى الليل ساهرة لا تنام.
"الجنرال العجوز" أو "شيخ الأسرى" كما يحلو للأسرى مناداته، لم ألتقيه يوما، ولم أجالسه ولو لمرة واحدة. كما ولم يسبق لنا أن تبادلنا الحديث حتى ولو عبر الهاتف. لكنني أعرفه جيدا منذ أن كان جارا لنا، حيث نشأت وتربيت في حي بني عامر بمحلة الدرج وكان "ابا حازم" يسكن على أطراف حي التفاح وعلى بُعد أمتار من بيتنا، وصدح اسمه في أذناي مرارا وتكرارا، وصورته المعلقة هنا وهناك لا تكاد تغيب عن عيناي، وحديث الأسرى عنه ومن قبلهم ضباط وجنود السلطة الفلسطينية يدفعني دوما نحو البحث عن وسيلة للتواصل معه. انه الجنرال العجوز فؤاد حجازي الشوبكي "أبو حازم"، أحد قادة حركة التحرير الفلسطيني "فتح" وواحد من مؤسسي الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.
فؤاد الشوبكي وكنيته "أبو حازم".. جنرال فلسطيني ومسؤول الإدارة المالية العسكرية سابقا وواحد ممن وقفوا طويلا على راس هرم السلطة، وأسير حالي يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ اثنتي عشرة سنة بعدما اقتحمت قوات الاحتلال المدججة بالسلاح سجن أريحا الفلسطيني بقوة البندقية وعنجهية الاحتلال واختطفته في الرابع عشر من آذار/مارس عام 2006 مع مجموعة من رفاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ونقلتهم جميعا الى سجونها سيئة الصيت والسمعة، ومن ثم حكمت عليه احدى المحاكم العسكرية بالسجن الفعلي لمدة (20) سنة بتهمة تهريب باخرة "كارين ايه" المحملة بالسلاح والعتاد للمقاومة الفلسطينية، ومن ثم قررت محكمة الاستئناف في سجن عوفر تخفيض 3 سنوات من مدة الحكم.
"أبا حازم"، شاب شعر رأسه واكتساه اللون الأبيض، وهرم قبل أن يرى اللحظة التاريخية التي لطالما حلم بأن يشهدها، وهموم الدهر أثقلت حركته داخل زنزانته، وتقدمه في السن لما بعد العقد السابع من العمر، جعل من الأمراض المتعددة تستوطن جسده، فتزيد من معاناته معاناة ومن ألمه ألما. وسنوات السجن الطويلة أورثته أمراض خطيرة ومزمنة في ظل استمرار الاهمال الطبي وعدم توفير الرعاية الطبية له.
"أبا حازم".. شيخ الأسرى كما يحلو لرفاق الأسر أن يطلقوا عليه، فهو أكبرهم سناً، إذ بلغ مرحلة متقدمة من العمر وتجاوز السبعين عاما بثماني سنوات، وما زال يحلم بالانعتاق وقضاء باقي عمره في رحاب الحرية، ان كان في العمر بقية.
لقد تعرض "الجنرال العجوز" منذ لحظة اعتقاله الى انتهاكات جسيمة ومعاملة لا إنسانية، وأُخضع لتحقيق قاسي، ولصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، وأودع في زنازين ضيقة ومعتمة لشهور طويلة، وتنقل معصوب العينين ومكبل اليدين ما بين سجون عدة أبرزها المسكوبية وعسقلان وهداريم إلى أن استقر به الحال مؤخرا في معتقل النقب الصحراوي.
وعاش "شيخ الأسرى" في السجون والمعتقلات الإسرائيلية حياة آلاف الفلسطينيين، ومازال يحتجز في ظروف قاسية دون مراعاة لكبر سنه، أو حالته الصحية المتدهورة، ودون توفير الحد الأدنى من احتياجاته الطبية والأدوية الضرورية، مما فاقم من معاناته وأدى إلى استفحال الأمراض في جسده المنهك والمثقل بالهموم والأوجاع.
ومع مرور الوقت يتسع الجرح ويتفاقم الوجع، فحالته الصحية تزداد سوءاً، وحالته النفسية تتأثر بوفاة زوجته ورحيل رفيقة عمره "أم حازم" في العاشر من كانون ثاني/يناير عام 2011. تلك المرأة الفاضلة والمناضلة التي تحدثت معي أكثر من مرة قبل وفاتها لتشكي لي همومها وهموم زوجها.
"فؤاد الشوبكي" أو "الجنرال العجوز" أو "شيخ الأسرى" كما يُطلق عليه الأسرى، رجل تعرفه فلسطين، وقائد تشهد له الساحات المختلفة وعلم من أعلام الثورة الفلسطينية، واسم لمع في سماء فلسطين فحفظته الأجيال المتعاقبة، وجنرال عجوز يستصرخ ضمائر الضباط والجنود، واسير كهل انهكته السنين واثقلته الأمراض وأبكته المأساة. وهو بحاجة الى جهدنا جميعاً، ومساندتنا القوية، ونصرتنا الجادة، لوضع حد لمعاناته، وضمان انتزاع حريته من أنياب السجان ليعود الى أهله وأحبته وشعبه قبل أن يخطفه الموت.