فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

 

 عبد الناصر فروانة مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى لـ "العرب" القطرية

إسرائيل تماطل في الوصول للتبادل وتريد إعادة جنديها الأسير بالقوة

ولا صفقة قريبة

غزة- ضياء الكحلوت

 

أكد عبد الناصر فروانة، مدير دائرة الإحصاء في وزارة الأسرى والمحررين الفلسطينية وأحد كبار المختصين والباحثين في شؤون الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، أن الترقب لما تؤول إليه صفقة تبادل الأسرى هو المسيطر على تفكير الأسرى وذويهم والشعب الفلسطيني هذه الأيام.

وأوضح فروانة في مقابلة خاصة مع "العرب" أن إسرائيل هي التي تُقربنا وهي التي تُبعدنا عن اتمام الصفقة بمعنى أن الكرة في الملعب الإسرائيلي دوماً، مؤكداً ثقته بالمفاوض الفلسطيني في الصفقة وتصميمه على ضرورة أن تكون "صفقة مشرفة".

وبينّ فروانة أن إصرار إسرائيل على تعنتها لم ولن  يقود الفصائل الآسرة لـلجندي جلعاد شاليط إلى التنازل عن مطالبها بل سيدفع الفصائل الفلسطينية المقاومة الى التفكير لاحقاً وبشكل أكثر جدية للجوء للقوة وأسر مزيداً من الجنود والمواطنين الإسرائيليين بهدف إطلاق سراح الأسرى.

وتجري حركة حماس وإسرائيل عبر وسيط ألماني وبرعاية مصرية مفاوضات شاقة وصعبة لتبادل الجندي الذي تحتجزه الحركة بغزة جلعاد شاليط، بعشرات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

وفيما يلي نص المقابلة:

- كيف تنظرون  إلى مفاوضات التبادل القائمة حالياً بين حماس واسرائيل ؟

ننظر باهتمام بالغ لها وبترقب شديد وينتابني شعور بالتفاؤل الكبير المثقل بالحذر في ذات الوقت نظراً للتجارب المريرة في الماضي والتي تراجعت فيها اسرائيل في اللحظات الأخيرة وأوقفت المفاوضات ومن الممكن أن يحدث ذلك اليوم لاسيما وأن هناك مؤثرات عديدة تلعب دوراً مباشرة في تأجيل أو تعجيل اتمام الصفقة  أبرزها أن اسرائيل لا تزال تؤمن بمبدأ استعادة جنديها بالقوة وبدون ثمن وغير جاهزة بعد لدفع استحقاقات استعادته سالماً على الرغم من شروعها بالمفاوضات وترى في إتمام "الصفقة" هزيمة ثقيلة لها وانتصار للفصائل الفلسطينية الأمر الذي من شأنه أن يعزز نفوذها ويدفعها لاحقا لتكرار العملية في وقت تعتقد فيه إسرائيل أنها ومع مرور الوقت هي قادرة بقوتها وتكنولوجيتها وعملائها للوصول إلى شاليط واستعادته ولو ميتاً أو ابتزاز الفصائل بقضايا أخرى والتقليل من الثمن.

اننا نعلق وبدون شك آمالا كبيرة على المفاوضات الجارية ونأمل أن نكون مخطئين في قراءتنا وأن تتوج المفاوضات باتمام صفقة تضمن كسر المعايير الإسرائيلية الظالمة ، بما يكفل اطلاق سراح ممن مضى على اعتقالهم عشرات السنين وممن يقضون أحكاماً عالية ، في ظل التهرب الإسرائيلي من دفع استحقاقات " العملية السمية " فيما يتعلق بالأسرى .

حراك غير مسبوق

- هل تعتقدون أننا قريبين من صفقة تبادل مشرفة مع إسرائيل؟

لا شك بأن حراكاً غير مسبوق بالمفاوضات المتعلقة بالصفقة قد تمت في الأسابيع الأخيرة ، وحسب معلوماتنا فأن تقدماً مهماً قد أنجز، لكن أجزم لك بأن هذا التقدم لم يصل مرحلة النضج والحسم النهائي بعد ، ولهذا أنا لا أعتقد بأننا قريبين من صفقة ، بل على العكس ، أعتقد جازماً بأننا لا زلنا بعيدين من صفقة مشرفة تكسر المعايير الإسرائيلية وتلبي مطالب الفصائل الفلسطينية وفقا لما أعلنته وتكرر إعلانه.

واسرائيل هي التي تُقربنا وهي التي تُبعدنا عن اتمام الصفقة ، بمعنى الكرة دائماً في الملعب الإسرائيلي والمساحة التي تتحرك فيها الفصائل الآسرة ضيقة وصغيرة ، فيما اسرائيل تتحرك بمساحات كبيرة ولو اتخذت قراراً جريئا بانجاز الصفقة ، لأنجزت في ساعات أو حتى دقائق.

علينا أن نعي جيداً بأن إسرائيل غير جاهزة وغير مستعدة حتى اللحظة من دفع ثمن استعادة شاليط حياً رغم أن لا مفر أمامها غير ذلك ولا خيار سوى التبادل، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، خاصة وأننا نتحدث عن فقط ( 450 أسيراً ) لا تتجاوز نسبتهم 4% من اجمالي عدد المعتقلين الفلسطينيين لديها وهناك مئات آخرين يقضون أحكاما بالسجن المؤبد وأحكاما عالية سيبقون في سجونها بعد اتمام الصفقة ، بمعنى نحن لا نتحدث كما تدعي اسرائيل عن أخطر الأسرى ومن تصفهم باطلاً بـ ( الأيادي الملطخة بالدماء ) ، وحتى لوكان الأمر كذلك فأين المشكلة ،فهؤلاء اعتقلوا على خلفية مشاركتهم في إطار المقاومة المشروعة للاحتلال ، والتي أجازتها وشرّعتها كافة المواثيق الدولية ، فيما أن كل الإسرائيليين هم مجرمي حرب و غارقين بدماء الشعب الفلسطيني ويجب ملاحقتهم ومحاكمتهم دولياً.

باختصار شديد إسرائيل هي من تتحمل مسؤولية فشل المفاوضات سابقاً وحالياً ولاحقاً ، بسبب تعنتها وتمسكها بمعاييرها الظالمة وإصرارها على الاستمرار في احتجاز مئات الأسرى معتقلين منذ ما قبل أوسلو ومضى على اعتقالهم عشرات السنين ، وعلينا أن نطلق حملة اعلامية موجهة بشكل خاص للشارع الإسرائيلي للاستفادة من الأصوات الداعية لإتمام الصفقة للضغط على حكومتهم.

ودعني أقل لك وبكل صراحة أنه وفيما لو كانت إسرائيل قد أطلقت في الماضي سراح القدامى وأوفت بالتزاماتها تجاه العملية السلمية  وتخلت عن معاييرها الظالمة ، لما لمسنا هذا التمترس من قبل الفصائل الآسرة بهذه الدرجة، على اعتبار أن من لم يُفرج عنهم اليوم في إطار الصفقة، سيفرج عنه غداً في إطار العملية السلمية .

ولكن  اصرار اسرائيل على تعنتها لم ولن  يقود الفصائل الآسرة لـ " شاليط " الى التنازل عن مطالبها ، بل ولربما يدفع الفصائل الفلسطينية المقاومة الى التفكير لاحقاً وبشكل أكثر جدية للجوء للقوة ، وأسر مزيداً من الجنود والمواطنين الإسرائيليين بهدف إطلاق سراح أسراهم ، فهذه الفصائل تشعر بالحرج أمام أنصارها وشعبها في عجزها عن تحرير أبنائها المعتقلين منذ عقود منهم ( 111 ) أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً ، ومن هؤلاء ( 13 أسيراً ) مضى على اعتقالهم أكثر ربع قرن وأن من بين هؤلاء أيضاً ( ثلاثة ) أسرى أمضوا أكثر من ثلاثين عاماً ، ولا مبرر أو تفسير لاستمرار احتجازهم سوى إعدامهم وقتلهم ببطء، هذا ما ترفضه الفصائل، ويرفضه الشعب الفلسطيني الذي ينتظر عودة أبنائه سيراً على الأقدام ، لا محمولين على الأكتاف ..

صفقة التبادل

-  ما هي نصيحتكم للمفاوض الفلسطيني في صفقة التبادل؟

فيما يتعلق بالأداء فبتقديري الشخصي فان أداء المفاوض الفلسطيني في صفقة التبادل تطور تدريجياً منذ أسر "شاليط" ويسير بشكل ايجابي، وأنصح بأن يبقى التعامل مع هذا الملف بسرية وبعيداً عن وسائل الإعلام، لكن وفي الوقت ذاته المطالبة بتحديد مرجعية إعلامية للرد على الأنباء التي تتداولها وسائل الإعلام والتي تتلاعب بمشاعر الأسرى وذويهم وتؤثر سلبا على نفسياتهم وأوضاعهم، وتكون هذه المرجعية هي المرجع الحاسم والمتحدث الرسمي باسم المفاوض ، ووضع الأسرى وذويهم بصورة صادقة وصريحة لما توصلت اليه المفاوضات ، في ظل تضارب الأنباء وعن ابرز المعيقات، والممكن والمستحيل.

وفيما يتعلق بالمطالب فانني أنصح المفاوض للتمسك بها والحذر من قبول اية خيارات تستبعد اسرى ال48 والقدس لما لذلك من ابعاد سياسية ووطنية ونفسية خطيرة جداً، حتى ولو أدى ذلك الى افشال جولة المفاوضات الحالية وتأجيل اتمام الصفقة، وهذا أهون ألف مرة علينا وعليهم من اتمامها  وفقاً للمعايير الإسرائيلية الظالمة.

معنويات الأسرى

- كيف يعيش الأسرى حاليا داخل المعتقلات وذويهم في ظل شح المعلومات الرسمية حول الصفقة؟

تلقيت في الفترة الأخيرة العديد من الاتصالات والرسائل من الأسرى في السجون، لاسيما القدامى ومن ذوي الأسرى وأؤكد لك بأن جميعهم يعيشون ظروفاً قاسية ويمرون بأوضاع نفسية في غاية السوء، ويعتمدون فقط على ما تتناقله وسائل الإعلام من أنباء متضاربة ويتفاعلون معها بجدية دون حصولهم على معلومات موثوقة من جهات رسمية ذات علاقة بالمفاوضات تنفي أو تؤكد هذا الخبر أو ذاك لهذا تجد الأسرى سرعان ما يصدرون البيانات والتصريحات رداً على أنباء تناقلتها وسائل الإعلام.

لهذا قلت آنفاً على المفاوض ان يرد بشكل صريح وحاسم حول ما يُشاع وما تردد وسائل الإعلام من استبعاد او ابعاد او اقتراب الحسم ..الخ وعدم ترك الأسرى وذويهم بهذه الحالة السيئة .

سرية المفاوضات

- هل تعتقد أن التكتم على المفاوضات ايجابي ولماذا؟

نعم التكتيم ايجابي ويجب التعامل مع هذا الملف بسرية تامة ، لاسيما فيما يتعلق بالقائمة والأسماء ومجريات المفاوضات وما يمكن أن يتخللها ، وهذا يحرر المفاوض من الضغوطات والمواجهات ويمنحه مساحة من التحرك والمناورة والتنازل والتغيير في المواقف وفقاً لسير المفاوضات، لهذا نسمعه دائماً يقول أن قائمتنا ثابتة، رغم قناعتنا بأن المفاوضات وأية مفاوضات تتطلب تغييرا في المطالب، وإلا لما كان هناك مفاوضات.

ولكن لو لم يكن هناك تكتيم فان المفاوض سيُحرم من كل ذلك ، بل وسيتعرض لانتقادات ومواجهات هو بغنى عنها ، ولربما تضعف موقفه أو تعيق تقدمه ومسيرته في المفاوضات ،  فمثلاً فيما لو نشرت " حماس " قائمة الأسرى التي تطالب بها من البداية، فان ذلك سيضعف موقفها وسيعرضها للانتقادات وسيدخلها في مواجهات مع الأسرى الغير مدرجة أسماؤهم ومع ذويهم أيضا وأي تغيير في القائمة أو التراجع عن بعضها خلال المفاوضات ستكون مكشوفة  وستشتت الجهود.

ولكن دعني أقول بأن التكتيم يجب أن يكون له حدود ، بمعنى لا يعقل أن تتكتم على معلومات تؤكدها وسائل الإعلام أو تتناولها لأسباب متعددة، وهي تكون غير مؤثرة في مسار المفاوضات، أو بحاجة إلى إيضاحات أو تأكيد مثلاً كقضية استبعاد أسرى 48 أو ابعاد بعض الأسرى المقدسيين ..الخ

معاناة الأسرى

- كيف هي أحوال الأسرى بشكل عام في السجون الإسرائيلية؟

" اسرائيل " لم تكن يوماً انسانية في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين ، بل هي الأقل انسانية والأكثر انحطاطاً وانتهاكاً لحقوق الإنسان بشكل عام والأسير بشكل خاص.

وبشكل عام فان أحوال الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية خطيرة للغاية، و ساخنة تذكرنا بلهيب شمس يوليو في معتقل النقب الصحراوي ، وقاسية بقسوة زنازين العزل الإنفرادي، وإدارة السجون تتعامل معهم على قاعدة ( لا ) حقوق ممنوحة لكم ، وتسعى لإذلالهم وتجويعهم وقتلهم ببطء جسدياً ونفسياً ومعنوياً. وتتنصل من مسؤولياتها تجاههم وتتهرب من توفير أبسط احتياجاتهم من مأكل جيد وملبس وعلاج ..الخ

وبات الأسرى وكأنهم نزلاء فنادق أو رواد مطاعم يدفعون ثمن إقامتهم وثمن الخدمات المقدمة لهم ويشترون احتياجاتهم من مقصف السجن وبأسعار باهظة جداً.

هذا في ظل الحرمان الجماعي من زيارة الأهل لكافة أسرى قطاع غزة بقرار سياسي منذ منتصف حزيران 2007 ، وانقطاع وسائل الاتصال والتواصل فيما بين الطرفان، وللآلاف من أسرى الضفة الغربية تحت ما يُسمى "المنع الأمني".

والأخطر أن هناك إجماع إسرائيلي بهدف التضييق على الأسرى والانتقام منهم بمشاركة كافة الجهات السياسية والحزبية والقانونية والقضائية في "إسرائيل".

 

- رسالتكم للمجتمع الدولي في ظل تجاهل قضية الأسرى؟

لم يعد المجتمع الدولي نزيهاً، ونلمس تجاهله تجاه الأسرى، بل وأكثر من ذلك نلمس بصمته التخاذل والانحياز في الكثير من الأحيان ، وخير دليل عن ذلك ، عدم تحركه رغم مناشداتنا ، والأدهى أنه استجاب لـ " شاليط " وطالب مراراً بالتعامل معه كأسير حرب وفقاً للإتفاقيات الدولية ، بل وناشد باطلاق سراحه فوراً ، في حين لم نسمعه يوماً يطالب " اسرائيل " باطلاق سراح الآلاف من المعتقلين المحتجزين لديها بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ومعاقين، أو حتى مجرد مطالبتها باحترام حقوق الأسرى وتحسين الشروط الحياتية والالتزام بالمواثيق الدولية المتعلقة بذلك.

نشرت المقابلة كاملة في عدد الأمس الجمعة 11-12-2009