|
الأسرى .. قضية تسكن في وجدان كل الفلسطينيين
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
27-8-2008
كنت واحداً من الشخصيات الفلسطينية التي كتبت وأشادت بصفقة تبادل الأسرى مع " حزب الله " والتي تحرر بموجبها عميد الأسرى العرب " سمير القنطار " بعد قضاء أكثر من تسعة وعشرين عاماً في سجون الإحتلال الإسرائيلي .
وكنت واحداً من الذين أشادوا بالإفراجات الأخيرة ، لا سيما إطلاق سراح عميد الأسرى سعيد العتبة المعتقل منذ قرابة اثني وثلاثين عاماً ، وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة ، والذي رفضت سلطات الاحتلال مرات عديدة إدراج اسمه في صفقات التبادل أو الإفراجات السياسية السابقة ، وأبو علي يطا أحد الأسرى القدامى المعتقل منذ ثمانية وعشرين عاماً ، والذي كان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة مرتين ، بالإضافة الى صاحب الصوت الجريء والكلمة الصادقة القائد حسام خضر ، باعتبار ذلك انجاز رائع بكل المقاييس حتى وان كان بشكل استثنائي ، فهو كسراً للمعايير الإسرائيلية المجحفة ولمصطلح ( الأيادي الملطخة بالدماء ) ، وأعتقد أن تحرر العتبة ويطا لا يقل زخماً عن تحرر القنطار ، ويجب أن يحظى بذات الأهمية وعلى وسائل الإعلام المختلفة أن توثق الحدث وتمنحه المساحة التي يستحقها .
وبصفتي أسير سابق وابن أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى يؤلمني تقليل البعض من شأن ذلك ، فكل أسير كان يتمنى أن يكون اسمه ضمن القائمة ، والشيء ذاته ينطبق على ذوي الأسرى ، وتحرر أي أسير تحت أي مسمى ، يعني وضع حد لمعاناته ومعاناة ذويه .
كما لا أقبل سيل الإتهامات التي وجهت ولازالت توجه للفلسطينيين على أنهم أهملوا قضية الأسرى ولم يعيروا الإهتمام المطلوب ولم يسعوا لتحرير أسراهم .
فبالرغم مما يمكن أن يُسجل في هذا الصدد من انتقادات فعلية على فصائل المقاومة الفلسطينية كافة لفشلها في اطلاق سراح أي من الأسرى منذ العام 1985 ، إلا أن سجل تاريخ الثورة الفلسطينية فيما قبل ذلك مشرقٌ وحافل بالعديد من عمليات تبادل الأسرى ، والتي نفذتها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1968 ، ولغاية 20 مايو /آيار 1985 وهو تاريخ عملية الجليل التي نفذتها الجبهة الشعبية – القيادة العامة والتي أطلق بموجبها سراح ( 1155 ) أسير فلسطيني وعربي وأممي ، وأعتبرت ولا زالت العملية الأكثر زخماً والتي جرت وفقاً للمعايير الفلسطينية البحتة فيما يتعلق بكل جزيئاتها وتفاصيلها ، ولم تكسر المعايير الإسرائيلية فحسب ، بل حطمتها ومسحتها عن الوجود في سابقة تاريخية لم تتكرر بعد .
وبالرغم من أن الفصائل الفلسطينية جمعاء وطنية واسلامية لم تنجح منذ ذلك التاريخ في اطلاق سراح أي أسير ضمن عمليات تبادل أسرى ، إلا أنها حاولت مراراً وتكراراً ، ولكن للأسف جميع محاولاتها باءت بالفشل لأسباب ذاتية وموضوعية ، لست بصدد التطرق لها ، وتبقى عملية أسر الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " بقطاع غزة في الخامس والعشرين من حزيران عام 2006 هي الأبرز ، ونأمل أن تنجح في اطلاق سراح العديد من الأسرى لا سيما القدامى منهم .
وإذا كنا كفلسطينيين نفخر بتاريخنا المشَّرِف الحافل بعشرات عمليات التبادل التي نفذتها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والتي نجحت من خلالها في اطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب ، وفي الوقت ذاته نمتلك الجرأة في أن ننتقد أنفسنا لفشلنا في تحرير أي أسير ضمن عمليات تبادل للأسرى منذ العام 1985 .
فان من حقنا أيضاً كفلسطينيين الإعتزاز بما أنجزته العملية السلمية بهذا الصدد ، بالرغم مما يمكن أن يُسجل عليها من ملاحظات وانتقادات شديدة لما تخلل أوسلو والإتفاقيات اللاحقة وما واكب العملية التفاوضية من أخطاء كبيرة ذات علاقة بقضية الأسرى ،.
مما يقودنا الى التأكيد على أن قضية الأسرى وتحريرهم ، كانت ولا زالت قضية مركزية بالنسبة للشعب الفلسطيني وقيادته ، قضية تسكن في وجدان كل الفلسطينيين ، ولم يتم تجاهلها أو القفز عنها في أي من المراحل السابقة ، ولا أحد يستطيع تجاوزها في المراحل القادمة .
وللتذكير نقول بأنه في الوقت الذي فشلت فيه الفصائل في تحرير أسرى بالقوة وبتبادل الأسرى ، كان للسلطة الوطنية الفلسطينية ومن خلال العملية السلمية والمفاوضات السياسية رأي آخر ، حيث نجحت في الفترة الممتدة ما بين أوسلو سبتمبر 1993 وانتفاضة الأقصى سبتمبر 2000 ، في تحرير الآلاف من الأسرى الفلسطينيين والعرب ، وصلت نسبتهم الى قرابة 90 % من اجمالي عدد الأسرى آنذاك ، ودفعة الأسرى الذين أطلق سراحهم قبل يومين ، تعتبر الدفعة السادسة خلال انتفاضة الأقصى ، وأطلق بموجبهم جميعاً سراح قرابة ألفي معتقل بغض النظر عما تطلق عليهم " اسرائيل " مصطلح " حسن النية " أو " تعزيز الثقة " .
وبعد قراءتنا التحليلية الموضوعية لقائمة المفرج عنهم ، سجلنا العديد من الملاحظات عليها ، إلا أننا لا نملك سوى الترحيب الشديد بها ، ولا شيء غير ذلك ، ونعتبرها مبعث سعادة وسرور لدى كل الفلسطينيين ، والواجب يقتضي الإحتفاء بهؤلاء المحررين الأبطال واستقبالهم استقبال العائدين المنتصرين ، تقديراً لنضالاتهم وصمودهم ، ولا نقبل صراحة التقليل من شأنهم ومكانتهم .
أما فيما يتعلق باطلاق سراح عميد الأسرى سعيد العتبة ، وأبو علي يطا ، فهو انجاز يُحسب لكل من ساهم في تحقيقه ، الأمر الذي يدفعنا بدون شك للإشادة بجهود السيد الرئيس "أبو مازن" ، وحكومته ، والتي لولاها لما تحقق ذلك ، ولما أطلق سراحهما وسراح من معهما من الأسرى الأبطال .
واطلاق سراح العتبة وأبو علي وحسام خضر وباقي الأسرى منح الأمل وعزز التفاؤل لدى الآخرين ، لا سيما القدامى منهم المعتقلين منذ عقود من الزمن ، حتى وان اعتبرنا هذه الإفراجات خطوة صغيرة وغير كافية ، وأحادية الجانب وتحت ما يُسمى " حسن النية " .
وفي الوقت الذي نشيد فيه بتلك الإفراجات ونعتبرها انجازاً بكل المقاييس ، فاننا صراحة نُعرب عن خشيتنا في أن يتحول حق الأسرى المشروع بالحرية ، كاستحقاق سياسي وقانوني ، الى قضية انسانية تخضع فقط لما يسمى " حسن النوايا " الإسرائيلية ، وتقدم من طرف واحد بين الفينة والأخرى ، دون مراعاة للمطالب والأولويات الفلسطينية ولمكانة الأسرى لدى الشعب الفلسطيني ، وبالتالي على " اسرائيل " - اذا ما أرادت بالفعل الأمن والإستقرار والتقدم بالعملية السلمية للأمام- أن تكون أكثر جدية بهذا الصدد ، وأن تغيير نهجها وتعاملها مع هذا الملف ، وأن تقدم على اتخاذ خطوات جريئة لتغيير معاييرها الظالمة تجاه الأسرى .
وتشير الإحصائيات التاريخية الى أن الإحتلال الإسرائيلي ومنذ العام 1967م وحتى اليوم اعتقل قرابة ( 750 ألف مواطن فلسطيني ) أي ما يقارب ربع مواطني الأراضي الفلسطينية، وهي أكبر نسبة في العالم ، منهم قرابة ( 65 ألف ) اعتقلوا خلال انتفاضة الأقصى .
وتشير الإحصائيات أيضاً الى وجود أكثر من تسعة آلاف أسير فلسطيني موزعين على قرابة 25 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف .
وتلك الإحصائيات تقودنا الى الاستنتاج بأن قضية الأسرى هي قضية كل عائلة فلسطينية ، وقضية مركزية بالنسبة للشعب الفلسطيني ، الذي لم ولن يقبل بعملية سلمية أو بتبادل أسرى مع " شاليط " تتجاوز هذه القضية وتستثني القدامى ، وكثيراً ما أكدت السلطة الوطنية الفلسطينية بأنها لم تقدم على التوقيع على أي اتفاق سياسي لا يتضمن اطلاق سراح كافة الأسرى وفق جدول زمني واضح وملزم ، كما وأن آسري " شاليط " أكدوا مراراً على مطالبهم وفقاً للاولويات الوطنية وفي مقدمتها اطلاق سراح الأسرى القدامى ، وبين هذا وذاك كانت قضية الأسرى ولا زالت وستبقى قضية تسكن في وجدان كل الفلسطينيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية .