متى تنتصر الرفات على السجان؟

"مقابر  الأرقام"..  الصندوق الأسود لجرائم العدو الصهيوني  ضد الفلسطينيين والعرب

نسعى لأن نُخرج القضية من عالم الإهمال والنسيان الذي أحاطها على مدار العقود

مقابر تحمل أرقامًا ولا تحمل أسماء.. قبور العدو الميت

الملف الأكثر رعبًا.. لنا أسماء ولنا وطن

سجن الأموات وعقاب الأحياء

عريقات: ما يفعله الاحتلال ليس من أخلاق البشر

أعد الملف- محمد البلقاسي

فلسطين بقعة توالت عليها الأحداث، حاصرها احتلال عنصري غاشم رسم شتى أنواع العذاب والاستبداد ضد أبناء الشعب، وصاحب هذا الظلم تشريد وقمع وحصار لأحلام الناس، نزاعات على حقوق هي في الأصل حق لكل إنسان، خلفت هذه النزاعات شهداء، منهم من نثر مسك دمه على حضن أمه فزرعته في الأرض جثمانًا في قبر واضح المعالم، ومنهم من كتب له أن يكون رقماً مزروعاً في أراض مسلوبة محتلة، في حفر فردية وجماعية، تنهشها الطيور الجارحة والحيوانات المتوحشة.

 دائماً ما يسعى الاحتلال إلى انتهاك الحقوق، ويسعى سعيًا ممنهجًا لانتهاك حقوق الإنسان، فمع تشتيته للشعب الفلسطيني في المخيمات وفي أرض الشتات، تناثرت مقابر الفلسطينيين في كل مكان بالعالم.

ففي عام 1976 وُجد قبر جماعي لشهداء تل الزعتر، وتم نقل 85 جثة من شهداء المخيم إلى مقبرة الشهداء بمخيم شتيلا، ومقبرة الشهداء ببيروت هي أول مقبرة خاصة للشهداء في لبنان، دفن فيها مفتي القدس الحاج أمين الحسيني.

وبعد قتل الاحتلال الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين في غارات جوية بتونس عام 1985 في حمام الشط، أهدت بلدية حمام الشط قطعة أرض لتكون مقبرة خاصة للفلسطينيين بتونس تحمل عنوان مقبرة شهداء فلسطين. ولا ننسى مقبرة ضحايا صبرا وشاتيلا، وضحايا مخيم عين الحلوة، إلى أن نصل إلى مقابر الشهداء بمقابر الأربعين في مصر.

لنصل إلى المأساة "قبور ليست لها شواهد" تحيطها الحجارة لتحديدها، ويحمل كل لوح فيها رقمًا؛ ومن هنا جاءت التسمية لأنها تتخذ الأرقام بديلًا عن أسماء الشهداء.

مقابر الأرقام

تأتي الفاجعة بمقابر الأرقام، ولا تتعجب فهذا الاسم لن تسمعه إلا في دولة الاحتلال، فهي الدولة الوحيدة التي تفرض العقوبات على الجثث، حيث تحتجز إسرائيل جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين سقطوا في فترة الصراع، أنشأ الكيان اللقيط العديد من المقابر التي عرفت بـ"مقابر الأرقام"، والتي أطلق عليه الكيان المحتل "مقابر الأعداء".

وظلت "مقابر الأرقام" التي تحتجز فيها الدولة اللقيطة المئات من الجثامين، ظلت على الدوام أحد أكثر الملفات غموضًا في تاريخ الدولة العبرية منذ تأسيسها، تمامًا كما ستظل إحدى أهم العلامات السوداء التي سيسجلها التاريخ بحق دولة الاحتلال.

أماكن مقابر الأرقام التي تم اكتشافها

على الرغم من إنكار الاحتلال لوجود مثل هذه المقابر ونفيه لهذا الأمر، إلا أنه اضطر للاعتراف به بعد صفقات تبادل الأسرى أو رفات جنوده، فبدأ الأمر ينجلي، وتم إلى الآن اكتشاف 4 مقابر هي:

-مقبرة جسر بنات يعقوب، وتقع هذه المقبرة في منطقة عسكرية بين الحدود الفلسطينية السورية اللبنانية، وتشير المصادر إلى وجود ما يقارب 500 قبر غالبهم لفلسطينيين ولبنانيين سقطوا في حرب 1982.

-مقابر المنطقة العسكرية المغلقة بين أريحا وجسر دامية في غور الأردن، كتب عليها "مقبرة لضحايا العدو" وبها قبور تحمل أرقامًا من 5003 إلى 5107، وينفي الاحتلال أن تكون هذه أرقام مسلسلة وإنما يؤكد أنها رموز لمعرفة أصحاب القبور.

-مقبرة شحيطة في وادي الحمام شمال طبريا غالب الشهداء بها من شهداء معارك الأغوار بين عامي 65 و1975، وبها ما يقارب 50 ضريحًا.

-مقبرة ريفيديم بغور الأردن.

قالت سلوى حماد، منسقة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين فلسطين: " ليست هذه فقط، فهناك عدد من المقابر لا نعلم عنها شيئًا، فهي موجودة بداخل مناطق عسكرية مغلقة؛ وبالتالي فممنوع أن يصل إليها أحد فلا توجد معلومات متوفرة عن هذه المقابر".

 

جريمة إنسانية

إننا نقف أمام سياسة خطيرة وممنهجة تقوم بها سلطات الاحتلال، حيث تعد سياسة احتجاز الجثامين من جرائم الحرب الدولية لما تتركه من آثار واضحة على العائلات وأسر الشهداء والمجتمع الفلسطيني، وترقى إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة.

قال سرى القدوة، رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية: إن احتجاز الجثامين جريمة تنتهك مواد القانون الدولي لحقوق الإنسان وخاصة المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والقانون الدولي العرفي، الذي يحظر التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك القاعدة 90 من دراسة القانون الدولي العرفي، التي يتوجب على دولة الاحتلال الالتزام بها في تعاملها مع السكان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحرم سياسة حجز الجثامين من الضحايا الفلسطينيين وعائلاتهم المنكوبة والتحقيق في ملابسات عمليات القتل؛ وبالتالي تتستر حكومة الاحتلال على الجرائم البشعة التي ترتكبها عصابات المستوطنين والشرطة وجنود الاحتلال وتحول دون فضح هذه الجرائم، وباحتجازها لجاثمين الشهداء تمنع فتح وإجراء التحقيقات والمعاقبة والملاحقة لمرتكبي هذه الجرائم، متسترين على الجرائم البشعة حيث تحيل عمليات الحجز السماح بإجراء تشريح طبي مناسب بواسطة فاحص شرعي مستقل إذا طلبت الأسرة ذلك، أو التقدم للمحاكم الدولية ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم.

 

احتجاز الجثامين لم يكن يومًا حدثًا استثنائيًا أو موقفًا عابرًا؛ فقد صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على قانون، يوم الثلاثاء 27 فبراير 2018، بأغلبية 57 عضوًا في الـ "كنيست"، مقابل معارضة 11 نائبًا وامتناع البقية عن التصويت.

ويمنح القانون شرطة الاحتلال صلاحية مواصلة احتجاز جثامين الشهداء، وفرض جملة شروط على ذويهم في حالة الإفراج عنهم؛ وتتعلق بموعد الإفراج عن الجثامين ومراسم التشييع وتوقيتها ومكان وطريقة الدفن.

وبموجب مشروع القانون "لا تعيد الشرطة الجثث لذويها، إلا إذا تأكدت من عدم تحول الجنازة إلى مسرح للتحريض أو لدعم -ما يسمونه- الإرهاب".

فلم يتوقف الاحتلال عن احتجاز الجثامين منذ بدايات الاحتلال وطوال فترات حروبه مع الدول العربية.

قال عبد الناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين، إنه"في الثالث من سبتمبر الجاري صادق كابينيت "حكومة الاحتلال المصغرة" على مقترح احتجاز كافة جثامين الشهداء، وليست هذه هي المرة الأولى فقد سبق واتخذ وزير الجيش السابق "بينيت" قرارًا مماثلًا، وفي مرات كثيرة، كما اتخذت الحكومة الإسرائيلية أو الجهات الأمنية والقضائية قرارات مشابهة، وهذا يؤكد أن احتجاز الجثامين لم يكن يومًا حدثًا استثنائيًا أو موقفًا عابرًا، وإنما هو سياسة ثابتة ومنظمة منذ بداية الاحتلال، ولم تفرق في جنسيات المحتجزين عربية أو فلسطينية الذين سقطوا في فترات متفاوتة وظروف مختلفة. فمثلا: جثمان "دلال المغربي" محتجز منذ أكثر من 40 سنة. وجثمان الأسير "أنيس دولة" الذي استشهد في سجن عسقلان، سنة 1980 ما زال محتجزاً لدى إسرائيل حتى الآن!

وأضافت "سلوى حماد": أن الأمر لم يكن واضحاً بهذه الصورة من وجود مقابر أرقام أو احتجاز داخل الثلاجات، ولكن كانت تدفن جثامين المناضلين العرب والفلسطينيين بعيداً عن أماكن سكناهم دون وضع شواهد للقبور أو إبلاغ العائلات أو أي جهة إغاثية أو دولية حول أماكن الدفن، وتطور الأمر لنصل إلى مقابر الأرقام، ثم ثلاجات الموتى.

أحكام بالسجن على الموتى

لم يتوقف عبث الاحتلال بالجثامين، بل تعدى إلى إصدار أحكام ضد الجثامين، قال ناصر الفراونة: "في بعض الأحيان أصدر الاحتلال أحكامًا بالسجن الفعلي بحق "الأموات"، لتجعل من المقابر السرية سجونًا للأموات، وقد طفحت تلك السجون بمئات جثامين الشهداء".

الأعداد التقريبية

قالت "سلوى حماد": "الاحتلال عاد في 13 /10/2015 إلى احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، عندنا الآن 67 شهيدًا وشهيدة محتجزين منذ عام 2015 وحتى اليوم، بالإضافة إلى أنه تم احتجاز ما يزيد على 280 جثمانًا لشهيد وشهيدة تراوحت فترة الاحتجاز من 3 أيام إلى 4 سنوات.

بالنسبة لـ "مقابر الأرقام"، تقريبًا ما وصل إلينا من أعداد 254 شهيد وشهيدة، ونعرف أن العدد من الممكن أن يكون أكبر ولكن هذا ما استطاعت الحملة توثيقه منذ عام 2008 وحتى اليوم بناء على بلاغات عائلات الشهداء أو المنظمات التي ينتمون إليها.

ويعود "عبد الناصر": لقد احتجزت إسرائيل منذ عام 1967 مئات الجثامين لشهداء فلسطينيين وعرب، بعضهم أُفرج عنهم في إطار صفقات التبادل والمفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية، والبعض الآخر ما زال محتجزًا في مقابر الأرقام أو في ثلاجات الموتى. وتُفيد المعطيات الإحصائية أن عدد الجثامين التي ما زالت محتجزة لدى الاحتلال الإسرائيلي يزيد على (250) جثمانًا لشهداء سقطوا في ظروف مختلفة وسنوات متباعدة، بينهم (6) جثامين لأسرى استشهدوا داخل سجون الاحتلال. هذا ولم يُعرف بعد مصير الأسير "داود الخطيب" الذي استشهد مؤخرًا في سجن "عوفر"، وهل سيتم تسليم جثمانه أم سيبقى سجينًا حتى بعد موته؟

وتابع "الفروانة": هذا بجانب مئات المفقودين الذين يُجهل مصيرهم، حيث سبق لكثير من العائلات الفلسطينية والعربية أن تقدمت بشكاوى عديدة بشأن اختفاء أبنائها، وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم، ولا يُعرف إن كانوا أحياء في السجون الإسرائيلية السرية أم أمواتًا في مقابر الأرقام، ولا تزال إسرائيل تنكر وجودهم أحياء في سجونها، أو أمواتًا في "مقابر الأرقام"، فيُطلق عليهم تسمية "المفقودين"، وهؤلاء يعدون بالمئات أيضا.

الموقف الدولي

إن سياسة احتجاز جثامين الشهداء، واحدة من أكبر وأبشع الجرائم الإنسانية، والدينية، والقانونية، والأخلاقية، التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل متعمدة؛ بهدف إيذاء ذويهم وتعذيبهم. وتلك ممارسة منافية لكل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، لا سيما اتفاقية جنيف الأولى في مادتيها (15و17)، والمادة (120) من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة (130) من اتفاقية جنيف الرابعة. تلك الاتفاقيات التي نصت على حق الموتى في التكريم. وألزمت دولة الاحتلال بتسليم الجثث إلى ذويها، ومراعاة الطقوس الدينية اللازمة خلال عمليات الدفن، بل وحماية مدافن الموتى وتسهيل وصول ذويهم إلى قبورهم، واتخاذ الترتيبات العملية اللازمة لتنفيذ ذلك.

قال عبد الناصر فروانة: "ظل التحرك الخجول لبعض المؤسسات الإنسانية وصمت المجتمع الدولي بمؤسساته الرئيسية وعدم الملاحقة والمحاسبة؛ فإن إسرائيل ماضية في سلوكها الشاذ هذا، ومستمرة في ارتكاب المزيد من الجرائم عبر احتجاز الكثير من الجثامين لشهداء فلسطينيين وعرب. وما زالت تُصر على استمرار احتجاز جثامين الشهداء للضغط والمساومة في تحدٍّ صارخ للقانون الدولي".

 

آلية عمل الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين

قالت سلوى حماد، منسقة الحملة، إن الحملة تعمل على ثلاثة أصعدة رئيسية: الأول هو القضاء: عن طريق التوجه إلى المحاكم الإسرائيلية للمطالبة باسترداد جثامين الشهداء؛ بحكم أن هذا الأمر مخالف للقانون الدولي، ودولة الاحتلال ترتكب هذه الجريمة بحق الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال.

الصعيد الثاني: عن طريق الضغط الدولي عن طريق إرسال رسائل وشكاوى إلى المقررين الخاصين في موضوع الاختفاء القصري، والمقررين الخاصين لموضوع حقوق الإنسان، إضافة إلى الفاعليات التي نقوم بها في السفارات الفلسطينية مع المؤسسات الحقوقية الدولية.

الصعيد الثالث: نعمل في الصعيد المحلي في الداخل الفلسطيني بفاعليات لا تتوقف من أجل المطالبة باسترداد جثامين الشهداء، بالإضافة إلى رفع الوعي تجاه هذه القضية، ومساندة عائلات الشهداء للمطالبة باسترداد جثامين أبنائهم، بالإضافة للعمل الإعلامي والتوثيقي؛ فالحملة هي الجهة الوحيدة التي توثق موضوع جثامين الشهداء، ونحاول استغلال مواقع التواصل لزيادة الوعي حول هذه القضية، والالتفاف الشعبي والجماهيري لاسترداد الجثامين .

التجمع الوطني لأسر الشهداء يصدر بيانًا

أصدر التجمع الوطني لأسر الشهداء بيانًا الجمعة الماضية أدان فيه قرار الكابينت الإسرائيلي القاضي بمواصلة احتجاز كافة جثامين الشهداء، قال: إن هذا القرار يؤكد مدى فظاعة هذا الاحتلال وفاشيته ضد الإنسانية.

ومن جانبه، قال محمد الصبيحات، الأمين العام لتجمع أسر الشهداء: "قرار الكابينت يكشف مدى تجرد الاحتلال من أدنى المقومات الإنسانية، وعن كمية البغض والكراهية التي يحملها تجاه الشعب الفلسطيني، وكيف لمنظمات المجتمع الدولي التي لا تتوقف عن الحديث عن حقوق الإنسان ليل نهار، مطالبةً بالحريات للإنسان وباقي المخلوقات، نجدها صامتة عندما يتعلق الأمر بممارسات الاحتلال الإجرامية ضد أبناء الشعب الفلسطيني".

الاتفاقيات التي تمت قبل ذلك للإفراج عن الجثامين

هناك اتفاقيات عديدة أفرج بموجبها عن جثامين الشهداء، بعضها في إطار صفقات التبادل مع دول وفصائل عربية وفلسطينية، وبعضها في إطار المفاوضات السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

قال الفراونة: تمكنت منظمة "حزب الله" اللبناني من إجراء عدة صفقات في هذا المجال ما بين الأعوام 1996-2005، ونجحت في الإفراج عن قرابة (231) جثمان لشهداء فلسطينيين وعرب. كما نجحت السلطة الفلسطينية عام 2005 عبر الجهود القانونية والسياسية في استعادة جثامين (15) شهيدًا، وكررت هذا الإنجاز عام 2012 ونجحت في الإفراج عن (91) جثمانًا لشهداء فلسطينيين."

وقد حققت الحملة الوطنية لاسترداد الجثامين عددًا من النجاحات، قالت منسقة الحملة: "حققنا إنجازات؛ فقد قمنا بتحرير 121 شهيدًا وشهيدة من مقابر الأرقام، بالإضافة إلى ما يزيد على 220  من ثلاجات الاحتلال، وما زالت المعارك الدولية والقانونية مستمرة لاسترجاع باقي جثامين الشهداء".

لماذا يحتفظ الاحتلال بالجثامين؟

السؤال الذي يتبادر للذهن لماذا تحتفظ إسرائيل بالجثامين؟ على الرغم من أنه عمل غير إنساني ومخالف لكل الأعراف الدولية إلا أن الاحتلال يدعي أنه يحتجز جثامين الشهداء من أجل التفاوض مع الفصائل الفلسطينية، أو من أجل الإفراج عن جنود الاحتلال لديها، وهذا فعلياً ما تحاول الحكومة الإسرائيلية أن تقوم به؛ فهي تشترط للإفراج عن الجثامين أن تقدم لها معلومات أو تعقد صفقة.

قال عبد الناصر الفراونة: أولاً: السلوك الإسرائيلي هذا يشكل جريمة إنسانية وقانونية من منظور القانون الدولي. وثانيًا: إن الاحتلال يسعى في محاولة يائسة إلى الانتقام من الشهداء بعد موتهم على ما قاموا به وهم أحياء، ويخشى تأثيرهم وتحريضهم للأحياء من بعدهم. وثالثًا: الاحتلال يستخدم سياسة احتجاز الجثامين كعقاب جماعي لعائلاتهم وذويهم بهدف ردعهم وردع من بقيّ حيًا بعدهم. ورابعًا: أن الوقائع تؤكد أن الاحتلال استخدم ويستخدم جثامين الشهداء لغرض الضغط والابتزاز وأحيانا المساومة.

وتضيف سلوى حماد: "وهذا الأمر مرفوض من قبل عائلات الشهداء؛ لأنهم يرون أن هذا حق لهم أن يستردوا جثامين أبنائهم، وهو حق كفلته المواثيق الدولية، فهو حق غير قابل للتفاوض".

آلية الضغط للإفراج عن الجثامين

قال رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين: يجب علينا أن نجري تقييمًا لأدائنا، وأن نحدد مسارًا جديدًا لطريقنا، وأن نعمل على كافة الصعد وخاصة الجانب الحقوقي والقانوني؛ وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا وموحدًا من منظمات حقوق الإنسان بدعم من المستوى الرسمي والفصائلي الفلسطيني. كما يجب إدراج ذلك في أي صفقة تبادل مقبلة على ألا يكون ذلك على حساب "الأسرى الأحياء" الذين نرى أن الأولوية يجب أن تمنح لهم في أي صفقة تبادل.

وأضافت منسقة الحملة: مع آلية الضغط ونحن في الفترة الأخيرة مع التعثر الشديد في الاتجاه القانوني بدأنا في التوجه إلى المؤسسات الدولية، قدمنا أكثر من شكوى للمقررين المخصصين بالاختفاء القسري، أيضاً بالمقرر الخاص عن حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ونجتهد لتفعيل هذا الموضوع دولياً.

هل تسرق إسرائيل أعضاء الشهداء؟!

سؤال يظهر كل فترة: هل تستغل دولة الاحتلال جثامين الشهداء لسرقة الأعضاء؟ وهذا أمر غير مستبعد عن احتلال مثل إسرائيل، ويزيد من تأكيد هذا الأمر الصور التي نُشرت خلال السنوات الماضية لشهداء تم الاحتفاظ بجثامينهم في ثلاجات، وبعد تسليم تلك الجثامين ظهر واضحًا أنها تفتقد لبعض الأعضاء، كما تكون مخيطة بشكل يوحي أنه جرى شقها من أجل إخراج بعض الأعضاء، وروى ذوو بعض الشهداء أنهم دفنوا أبناءهم دون أعين أو أعضاء أخرى.

ويمتنع الأهالي عن توثيق ذلك لاعتبارات عديدة أهمها دينية؛ إذ يرفض الفلسطينيون تشريح جثامين شهدائهم، خاصة بعد غياب دام لأشهر أو سنوات في ثلاجات أو مقابر الأرقام.

شهادات حية

من أهم المؤسسات التي توثق أمر مقابر الأرقام "جمعية أصدقاء المعتقل والسجين" ومقرها مدينة الناصرة، ومن أهم ما وثقته الجمعية عدة شهادات لسكان ورعاة أغنام من منطقة جسر بنات يعقوب، أن جنود الاحتلال كانوا يدفنون مئات القتلى والجرحى الأحياء في مدافن جماعية بمقبرة جسر بنات يعقوب. كما وثقت الجمعية عن أحد أهالي قرية وادي الحمام أن الاحتلال دفن في الفترة من 1970 وحتى 1977 عشرات الجثث في جانب من جوانب مقابر القرية، وأنه دفن بيده 16 مقاتلًا بعد معركة عين البيضاء في 1970، ودفن امرأة سورية ضلت الطريق وهي تجمع نباتات في هضبة الجولان في 1975م.

والدة آيات الأخرس

في يوم 29 مارس عام 2002 نفذت آيات الأخرس عملية استشهادية في أحد المراكز التجارية بمدينة القدس أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين وإصابة عدد آخر، وأصر الاحتلال على احتجاز جثمان آيات، ليتم تحريره ودفنه بعد 12 عامًا.

 قالت أم سمير والدة آيات: "هذه كانت أمنيتها وهي حية أن يتم عمل عرس لها، والآن تحققت أمنيتها، ما حدث اليوم هو انتصار، هذا اليوم الذي كنت أتمناه، "أن أجيب بنتي من أيدي المحتلين وأدفنها عندي هذا انتصار"

وقال والدها محمد الأخرس: "الآن أستطيع أن أزورها في أي وقت في الليل والنهار، هذا عرس فلسطيني، عرس الدم، عرس أولادنا الذين افتقدناهم سنوات، الحمد لله اليوم يرجعون، وإن شاء الله يرجع الجميع وأن يدفنوا بجوار أهلهم".

قال الدكتور صائب عريقات، أمين سر حركة "فتح"، إن ما يفعله الاحتلال ليس من أخلاق البشر؛ هناك مقابر الأرقام حيث توجد جثامين من شهدائنا الأبطال منذ عام 1967، منهم الشهيد أحمد يوسف عريقات الذي استشهد يوم  ١٤ أغسطس ١٩٦٧، ولليوم الـ 80  على  التوالي يواصل  الاحتلال اعتقال الجثمان الطاهر للشهيد أحمد عريقات، لا يسمحون لنا بدفنه كما يفعل كل البشر عند موت أحبتهم، تم إعدام أحمد يوم ٢٣-٦-٢٠٢٠ بدم بارد.

عقلاء الاحتلال: "لن يعزز معادلة الردع"

نقلت تقارير إخبارية من أهمها ما نقله موقع "واللا" العبري الأسبوع الماضي، أن "الشاباك" يرى أن احتجاز الجثامين عبء إضافي؛ حيث قال نائب رئيس الشاباك "خطوة لا تؤدي إلى ردع منفذي العمليات، خلافًا لسياسة هدم منازل الأسرى والشهداء من منفذي العمليات".

وقال يارون بلوم، منسق شؤون الأسرى والمفقودين: "إن القرار باحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين من غير المنتمين لحركة "حماس" لا يسهم في المفاوضات الرامية لإعادة الأسرى في قطاع غزة".

أما غانتس وزير الجيش، ورئيس أركان الجيش "أفيف كوخاني" فكان لهما رأي آخر حيث يعتبران أن احتجاز الجثامين سيكون مفيدًا للمفاوضات بشأن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين".

مقابر الأرقام في الإعلام العبري

ننقل للقارئ هنا مقتطفات من الإعلام العبري، ذكر فيها مقابر الأرقام: أقيمت أوّل مقبرة أرقام عام 1969 بين نابلس وأريحا، قرب جسر دامية في غور الأردن، وهي مغلقة الآن. "معاريف"

المقبرة الثانية أقيمت بجانب جسر بنات يعقوب بالجليل الأعلى، ونقلت إلى الموقع العسكري "عميعاد"، وهي المقبرة الوحيدة النشطة والمعروفة إعلاميًا. "يدعوت أحرنوت"

مقبرة خان أرنبة دفن فيها نحو ألف شهيد سوري ارتقوا خلال حرب أكتوبر 1973، وتمّ التعرّف على هوية ما يقارب 400 منهم، وتحررت عقب الحرب. "معاريف"

وصل عدد مقابر الأرقام إلى 6 مقابر، وسط تكتم حكومي تام عن أماكنها، ومخالفات عديدة تتمثل بتكرار الدفن تحت نفس الرقم، دون أي طقوس دفن صحيحة. "معاريف"

ختاماً: نعم، هي إسرائيل وحدها التي تمارس هذا السلوك كسياسة، ولا أحد سواها، وليس هناك من دولة أو جهة أو قوة في العالم تمارس هذا السلوك بشكل ممنهج وعلني وثابت في كل الأوقات والأزمنة؛ فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعاقب الموتى وتنتقم منهم ومن عائلاتهم، بل وتمنع العائلات من الوصول إلى أضرحتهم في مقابر ما تُسمى بـ "مقابر الأرقام".

 

 

https://antitatarof.com/%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%a8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d9%82%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%86%d8%af%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d9%88%d8%af-%d9%84%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%85/