بعمر الـ17 عاما قتل ضابطا إسرائيليا.. ضياء الآغا عميد أسرى غزة الذي يرفض الاحتلال الإفراج عنه منذ 30 عاما
10/10/2022 آخر تحديث: 10/10/202209:04 PM مكة المكرمة
غزة- في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 1992، كان ضياء زكريا الآغا فتى في الـ17 من عمره، عندما اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي، وزجّت به في السجن الذي لم يغادره منذ ذلك الحين، وأذاقته صنوف شتى من القهر والتعذيب.
وهذه الأيام، يدخل الآغا عامه الـ31 على التوالي في الأسر، تنقّل خلالها بين مختلف السجون والمعتقلات الإسرائيلية، حتى أصبح يلقب بـ"عميد أسرى غزة"، فهو الأسير الوحيد من أبناء القطاع القابع في السجن منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال عام 1993.
الفتى الفدائي
ينتمي ضياء لعائلة من مدينة خان يونس جنوب القطاع. في أبريل/نيسان 1975 لم يكن قد ولد بعد عندما أقدمت وحدة إسرائيلية خاصة على اغتيال 3 من أبرز قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في العاصمة اللبنانية بيروت، وهم كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار.
وبحلول الذكرى السنوية لعمليته الفدائية، تفخر عائلة الآغا -وهي واحدة من أعرق وأكبر العائلات في غزة- بشجاعة ابنها، ونشرت العائلة هذا العام على حسابها في فيسبوك قائلة "باستخدام معول زراعي.. في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1992، نفّذ صبي في الـ17 من عمره عملية في مجمع مستوطنات غوش قطيف، أثارت ذهول ضباط جيش الاحتلال وهيئة أركانه.. يطوي اليوم عامه الـ30 على التوالي في زنازين الاحتلال بعد أن حُكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة".
وأسفرت العملية الفدائية آنذاك عن مقتل ضابط في وحدة "سيرت متكال" وهي وحدة النخبة في جيش الاحتلال، ويُدعى "ميتسا بن حاييم" وهو أحد مستوطني "غوش قطيف"، إحدى المستوطنات التي كانت مقامة على أراضي قطاع غزة، قبل الانسحاب الإسرائيلي عام 2005.
ووفق مصادر فلسطينية، فإن الضابط القتيل نفسه شارك في عملية اغتيال خليل الوزير "أبو جهاد"، أحد أبرز قادة حركة فتح في تونس عام 1988. كما كتبت الصحافة في حينه إن "ضابط الوحدة التي اغتالت كمال عدوان ورفيقيه عام 1973 قتله شاب من خان يونس".
عقوبات لا تنتهي
خضع ضياء لتحقيق قاس، ذاق خلاله صنوفا شتى من التعذيب داخل "أقبية التحقيق والزنازين"، ثم حكمت عليه محكمة عسكرية إسرائيلية بالسجن المؤبد مدى الحياة.
ويبدو أن هذه العقوبة لم تكن كافية بالنسبة لدولة الاحتلال، فعزلت ضياء وحرمته من حقه بالزيارة، ولم تسمح لاحقا إلا لوالدته بزيارته على فترات متباعدة.
ومع مرور السنين، أصبحت والدته نجاة الآغا المعروفة إعلاميا بـ "أم ضياء" رغم أنه ليس أكبر أبنائها، وجها مألوفا في ساحات التضامن وفعاليات دعم وإسناد الأسرى، وتنقلت بين عواصم عربية وغربية برفقة "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" التابعة لمنظمة التحرير، للتعريف بقضية الأسرى وفضح ما يتعرضون له من انتهاكات داخل السجون.
وتقول أم ضياء -للجزيرة نت- إنها زارته في "سجن نفحة" آخر مرة في أغسطس/آب الماضي، بعد نحو 4 سنوات من الحرمان من دون أي مبرر سوى استمرار الرغبة في الانتقام منه، كما المئات من "الأسرى الأبطال" في السجون والمحرومين من الزيارة.
وأم ضياء، التي تجاوزت الـ70 من عمرها، هي الوحيدة المسموح لها بزيارة نجلها من بين أفراد الأسرة، كلما سمح "المزاج الاحتلالي" بذلك. وقالت "زيارة السجون قطعة من جهنم، إنه يوم من العذاب على الحواجز وبإجراءات التفتيش المهينة داخل السجون، لكن كله بيهون لدى أمهات الأسرى اللواتي ينتظرن بحرارة رؤية أبنائهن كل عدة شهور ولمدة لا تتجاوز 45 دقيقة".
في العام 2005 توفي والد ضياء، وكان وقتها برفقته شقيقه محمد داخل السجون حيث قضى 12 عاما، ولم تتح لهما فرصة إلقاء نظرة الوداع على والدهما. واليوم تقول الأم "لم يعد لي من أمنية في هذه الحياة، إلا رؤية ضياء واحتضانه، وأن أفرح بزواجه".
ضياء كان في الـ17 من عمره عندما نفذ عملية فدائية أدت لمقتل ضابط من وحدة اغتيالت قادة من فتح (مواقع التواصل)
استثناء من الإفراجات
ويقف ضياء، الذي دخل السجن صبيا يافعا، على عتبة الـ50 من عمره (47 عاما)، ويلقب بين زملائه بـ"أبو الأسرى". ويقول رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"
وقال فروانة للجزيرة نت، وهو أسير سابق ومقرب من عائلة الآغا، إن ضياء ما يزال يتمتع بمعنويات عالية وإرادة قوية، رغم مرارة السجن وعذاباته، لكن والدته أنهكها التعب والمرض، وخضعت أخيرا لعملية جراحية، ورغم ذلك تصرّ على زيارته، ومشاركة أهالي الأسرى الفعاليات التضامنية.
ويرجع فروانة حرمان أم ضياء، وغيرها من الأمهات والأهالي، من الزيارة لفترات طويلة قد تمتد لسنوات، إلى رغبة إسرائيلية في "مواصلة الانتقام من الأسير وأسرته ومحيطه الاجتماعي".
ويبدأ هذا الانتقام من الأسير الذي "نفذ عملية فدائية تؤدي إلى قتل إسرائيليين" كما في حالة ضياء، من لحظة اعتقاله بالتعذيب، وثم الحكم بسجنه "مدى الحياة". ووفق فروانة فإن هناك أسرى يقضون أحكاما بالسجن لعدة مؤبدات بعدد الإسرائيليين الذين قضوا في عملياتهم الفدائية، إضافة إلى سنوات أخرى بعدد جرحى تلك العمليات.
ووفق فروانة، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم، التي تقر هذه العقوبة "السجن المؤبد مدى الحياة من دون سقف زمني"، وهي خاصة بالفلسطيني المتهم بقضايا أمنية. في حين الإسرائيلي المدان بقضايا جنائية يساوي حكمه المؤبد السجن 25 عاما.
ومن بين نحو 5 آلاف أسير في سجون الاحتلال حاليا، يقضي 551 منهم أحكاما بالسجن المؤبد، من بينهم 27 أسيرا مؤبدا من غزة، أقدمهم ضياء الآغا.
وكان من المقرر إطلاق سراح ضياء أواخر مارس/آذار 2014، في إطار تفاهمات فلسطينية إسرائيلية برعاية أميركية، غير أن إسرائيل تنصلت من تعهداتها حينها. وقال فروانة "بموجب هذه التفاهمات أفرجت إسرائيل عن 3 دفعات من الأسرى، وكان ضياء من بين 25 أسيرا ضمن الدفعة الرابعة، لا يزالوا يقبعون في السجون".
ويؤمن فروانة بأن لا أمل بالحرية لأسرى المؤبدات -المعروفين بـ "جنرالات الصبر"- في ظل "غياب أفق الحل السياسي مع الاحتلال، إلا بصفقة تبادل تتمسك فيها المقاومة الفلسطينية بشروط تحريرهم، "فحرية الأسرى ضرورة وواجب وطني" كما يقول.
المصدر : الجزيرة