الإضراب عن الطعام: معركة يخوضها الأسرى ضد السجان

 

بقلم/عبد الناصر فروانة

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

مجلة المجلس الوطني عدد 66- نوفمبر2021

 

 

قيل منذ القدم أن الجوع كافر، لكن هناك مِن الفلسطينيين مَن جعلوا من الجوع ثائراً خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، فثاروا كثيرا، ولجأوا إلى الإضرابات المفتوحة عن الطعام مئات المرات، على اعتبار أن الإضراب عن الطعام يشكل معركة ضد السجان و تجسيداً لثقافة المقاومة السلمية وامتداداً طبيعيا لحالة الاشتباك مع الاحتلال.

و لم يكن الإضراب عن الطعام يوماً هو الخيار الأول أمام الأسرى، وليس هو الأسهل والأقل ألماً ووجعاً، فهم لا يهوون تجويع أنفسهم ولا يرغبون في إيذاء أجسادهم، كما لا يتمنون أن يسقط منهم شهداء في السجون، إلا أنهم يلجؤون لهذا الخيار مضطرين ورغما عنهم، فواصلوا إضراباتهم كخيار لا بديل عنه، كلما شعروا بفشل الوسائل الأخرى الأقل ألما وضرراً، لذا لم يكن الإضراب عن الطعام غايةً أو هدفا، بل هو الخيار الأخير غير المفضل، الذي يلجأ إليه الأسرى، ذودا عن كرامتهم المهانة، وحرصاً على انتزاع حقوقهم المسلوبة، ودفاعاً عن مكانتهم النضالية والقانونية ومشروعية مقاومتهم للمحتل ورفضا للاعتقال الإداري التعسفي في ظل صمت المجتمع الدولي و عجز المؤسسات الحقوقية والإنسانية في الانتصار لقضية الأسرى وإلزام دولة الاحتلال باحترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين القابعين في سجونها ومعتقلاتها ووضع حد لجريمة "الاعتقال الإداري".

وعلى مدار تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة خاض الأسرى  عشرات الإضرابات الجماعية وانتزعوا من خلالها الكثير من الحقوق. فيما تصاعدت الإضرابات الفردية خلال العقد الأخير وخاض المئات من الأسرى والمعتقلين إضرابات فردية ضد ما يعرف ب "الاعتقال الإداري" حتى باتت تلك الإضرابات تشكل ظاهرة نضالية خلال السنوات الأخيرة في ظل تصاعد أوامر الاعتقال الإداري وتجديد فترات الاعتقال بلا تهمة أو محاكمة.

واليوم نتابع بقلق كبير الحالة الصحية المتدهورة لستة أسرى يخوضون إضرابا مفتوحا عن الطعام رفضا للاعتقال الإداري، في ظل الاستهتار الإسرائيلي المتواصل وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة في إنهاء معاناتهم ووضع حد لاعتقالهم التعسفي. وعلى الجانب الآخر فإننا نقف احتراماً وتقديرا، ونسجل اعتزازنا بالمضربين عن الطعام لما يتسلحون به من عزيمة و إرادة قوية وإصرار على مواصلة إضرابهم رغم تفاقم معاناتهم وتدهور أوضاعهم الصحية وتصاعد الإجراءات التعسفية التي تمارس بحقهم بهدف كسر إرادتهم ودفعهم للتراجع عن إضرابهم.

 ان الحالة الصحية المتدهورة والخطيرة التي وصل إليها هؤلاء المعتقلين وخاصة الأسيرين كايد الفسفوس ومقداد القواسمة المضربان عن الطعام منذ قرابة 4شهور ، يدفعنا إلى التحرك بشكل واسع لنصرتهم ومساندتهم على كافة الصعد والمستويات، ونخشى أن يسقط من بينهم شهداء ، الأمر الذي يتطلب تحركا على كافة الصعد لدفع سلطات الاحتلال للإفراج عنهم ووضع حد لسياسة الاعتقال الإداري التي اتسعت وتصاعدت خلال السنوات الاخيرة وطالت الآلاف من الفلسطينيين حتى أضحت وسيلة للعقاب الجماعي بما يخالف القانون الدولي.

إن إضراب المعتقلين: كايد الفسفوس، مقداد القواسمة، علاء الاعرج، هشام ابو هواش، عياد الهريمي، لؤي الاشقر ، ليس إضراباً عاديا، أو مجرد أيام صعبة يقضيها هؤلاء المعتقلين في ظروف قاسية، وإنما هي تشكل ملاحم نضالية وبطولية تعكس ما يتمتع به الفلسطيني من اصرار من اجل الخلاص من الاحتلال والعيش بحرية دون سجون وسجان.

 ان الواجب الوطني والاخلاقي والانساني يستوجب من الجميع التحرك الجاد والفاعل لنصرتهم قبل فوات الاوان، ويستدعي الضغط من اجل الافراج عن الفسفوس والقواسمة ورفاقهم الآخرين المضربين عن الطعام، ووضع حد لمعاناتهم المتفاقمة، في ظل تدهور حالتهم الصحية ورفض سلطات الاحتلال التجاوب مع مطالبهم العادلة

لقد حاولت سلطات الاحتلال الالتفاف على اضراب بعضهم بهدف كسر إرادتهم والقضاء على ثقافة المقاومة لديهم ولدى الآخرين عبر  ما يُسمى "تجميد" قرار الاعتقال الإداري، والذي لا يعني الإلغاء. لذا فان هؤلاء المعتقلين قرروا المضي قدما في معركتهم حتى إنهاء اعتقالهم الإداري التعسفي و انتزاع حريتهم المشروعة.

ان معركة الفسفوس والقواسمة والمضربين الآخرين تعتبر معركتنا جميعا، ومن الواجب دعمهم وإسنادهم بكل الوسائل الممكنة في مواجهة السجان وسياسة الاعتقال الإداري، وان توسيع الحراك النضالي ودائرة الفعل والتضامن المحلي والاقليمي والدولي معهم، بات ضرورة حيوية وعاجلة لانقاذ حياتهم ودفع المجتمع الدولي لنصرتهم.

 

المقال نشر في العدد 66 من مجلة المجلس الوطني الفلسطيني