مبعدو كنيسة المهد .. طالت غيبتهم وننتظر عودتهم
بقلم / عبد الناصر فروانة
10-5-2011
غزة الشموخ والعزة استقبلتهم وفتحت ذراعيها واحتضنتهم ، ووفرت لهم المأوى والحماية وقدمت لهم واجبات الضيافة .
غزة استمعت لشكواهم وأنصتت لمعاناتهم ، ولم تتنكر لنضالاتهم وتضحياتهم أو لمقاومتهم وصمودهم ، فأحبتهم وأحبوها ، واستمتعوا بجمال بحرها ونسيم هوائها وببسمات أبنائها ، وأُعجبوا بكرم أهلها ، فأشادوا بها وبصمود رجالها وصبر نسائها وأطفالها في مناسبات عدة .
غزة الشهداء أبو جهاد والياسين وجيفارا والشقاقي لم تُدر ظهرها لهم يوماً ، وأظنها لن تنساهم أو تخذلهم يوماً ، وستبقى غزة حاضنة لهم ولمن أحبها وتضامن معها ، أو ساندها ودافع عنها ، وستقدم واجبات الضيافة العربية الأصيلة لمن اختارها للإقامة الدائمة أو المؤقتة ، الطوعية أو القسرية ...
غزة لم ولن تنفر يوماً منهم ، ومن استمرار بقائهم على أرضها وفي أحضانها وبين أبنائها الذين أحبوهم واحترموا نضالاتهم وقدروا معاناتهم فأحسنوا معاملتهم ، وهي تساند نضالاتهم من أجل عودتهم حباً فيهم ومن أجل لم شملهم مع عائلاتهم.
غزة اكرمتهم فأكرموها ، أحسنت ضيافتهم فأحسنوا اقامتهم ولم يسيء أحداً منهم لها أو لأحد أبنائها ، ناضلت بجانبهم ، وهم لم يخيبُ ظنها فدافعوا عنها في وقت اشتدت فيه الهجمة عليها .. انهم مبعدي كنيسة المهد .
وقائمة أسمائهم تضم ( 26 ) اسماً ، يقيمون في غزة من مجموع ( 39 ) مواطناً أبعدوا آنذاك ، وحقيقة ( لا ) أعرفهم جميعاً ، لكنني التقيت وتعرفت على بعضهم ، وأدعي بأنني أحس بمعاناتهم وأشاركهم همومهم وأتابع قضيتهم وكثيراً ما كتبت حول ملفهم المؤلم .
واليوم وبعد مرور تسع سنوات بالتمام على إبعادهم ، عن بيوتهم وعائلاتهم ، عن أحبتهم والدائرة الاجتماعية التي نشأوا وتربوا فيها ، أشعر بالألم لاستمرار إبعادهم وعدم السماح لهم بالعودة لبيوتهم وعائلاتهم في بيت لحم .
مبعدو كنيسة المهد .. ملف بدأ في العاشر من مايو / آيار 2002 ، حينما أقدمت سلطات الإحتلال على إبعاد تسعة وثلاثين مواطناً فلسطينياً ، كانوا قد احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم، وفقاً لاتفاقية فلسطينية – إسرائيلية ، منهم ( 13 ) مواطناً إلى خارج البلاد ووزعوا على عدة دول أوروبية ، و( 26 ) مواطناً أبعدوا إلى قطاع غزة .
وبغض النظر عن الموافقة الفلسطينية الرسمية أو الشخصية على إبرام الاتفاقية ، فان ذلك لا يمنح الإبعاد الشرعية على الإطلاق ، فالإبعاد يشكل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني وللمواثيق الدولية حقوق الإنسان ، وأن الموافقة ( طواعية أو ضمن اتفاق بين الطرفين ) على ما يخالف اتفاقية جنيف أمر غير قانوني وفقاً للمادة الثامنة ( لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئيا أو كليا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية ).
ومعاناة " مبعدي كنيسة المهد " ممن أبعدوا إلى غزة أو ممن أبعدوا إلى أوروبا ، تتفاقم يوما بعد يوم ، وأوضاعهم النفسية والاجتماعية تزداد سوءاً عام بعد عام ، فيما أن الكثيرين منهم فقدوا آبائهم أو أمهاتهم أو كليهما ، أو بعض أحبتهم خلال فترة إبعادهم دون أن يسمح لهم بإلقاء نظرة الوداع الأخير ، ولم يُسمح لأحد منهم بالعودة إلى بيته ، فيما أحد زملائهم المبعد إلى أوروبا " عبد الله داوود " كان قد أجبر سلطات الاحتلال على السماح له بالعودة إلى مسقط رأسه في مخيم بلاطة بنابلس في مارس / آذار من العام الماضي ، ولكن بعد أن فارق الحياة ليعود محملا على الأكتاف في تابوت الموت .
وهذا ما يخشاه زملائه المبعدين ان كانوا المقيمين في غزة أو أولئك الذين هم قيد الإقامة الجبرية في بعض العواصم الأوروبية ، فهم يأملون بالعودة للضفة الغربية أحياء ( لا ) أموات ، سيراً على الأقدام كما أبعدوا ، وليس محملين على الأكتاف كما عاد رفيقهم " عبد الله " .
فشكل استشهاد رفيقهم " عبد الله داوود " انطلاقة لمرحلة جديدة من العمل والمثابرة والإعتماد على الذات في إثارة قضيتهم ، وإبقائها حية في واجهة الأحداث ، خشية من خطر النسيان واللامبالاة الذي شكل عنوان المرحلة التي سبقت استشهاد " عبد الله " ، فشكلوا ما يُعرف بـ " الحملة الوطنية لعودة مبعدي كنيسة المهد أحياء " .
هذه الحملة التي أحدثت حراكاً قوياً لقضيتهم ونقلة نوعية في التعاطي معها ، مما يدفعنا لأن نسجل احترامنا وتقديرنا لكل الفاعلين فيها ، وفي المقدمة منهم الأخت " كفاح " زوجة الشهيد المبعد " عبد الله داوود " التي كان لها الدور الأكبر في تأسيسها وديمومتها ونجاحاتها ، ونأمل أن تقود اللجنة إلى ضمان عودتهم جميعا أحياء إلى بيوتهم وعائلاتهم .
ولا شك أن الإبعاد وفقاً للاتفاقيات والقوانين الدولية هو سياسة محظورة الممارسة وعقوبة فردية كانت أم جماعية ( لا ) يجوز اللجوء إليها ، جريمة حرب إذا مُورست ، بغض النظر عن دوافعها ومبررات وأسباب اللجوء إليه .
ولكن " اسرائيل " تعتبر نفسها دولة فوق القانون ، لتنتهج الإبعاد سياسة دائمة الممارسة بأشكال عدة ، منذ احتلالها لفلسطين عام 1948 ، بأشكال وذرائع متعددة ، فردية و جماعية ، إبعاد خارجي لبلدان عربية وأوروبية أو لقطاع غزة ، لفترات محددة ويُسمح بعدها بالعودة أو مفتوحة دون رجعة .
ولكن ما شجعها و يشجعها على الاستمرار في ذلك هو غياب الموقف الدولي الحازم من تلك الجرائم ومن مقترفيها ، مما سمح لها الاستمرار في انتهاكاتها وجرائمها ورفضها السماح لهم بالعودة رغم مرور تسع سنوات على إبعادهم .
وبغض النظر عن طبيعة الإتفاقية التي قادت إلى ابعادهم إلى غزة والعواصم الأوروبية ومضمونها ، إلا أن من حقنا المطالبة بالكشف والإعلان عن تفاصيلها ، ونطالب السلطة الوطنية الفلسطينية بمزيداً من الإهتمام بهم .
كما وندعو الإتحاد الأوروبي والدول الأوروبية التي ساعدت وشاركت في التوصل إلى صيغة الاتفاق المذكور ، والعواصم التي استقبلت هؤلاء المنفيين عن وطنهم ومكان إقامتهم بتوفير الحماية لهم حفاظاً على حياتهم وسلامتهم وعدم المس بوضعهم القانوني في كل الأحوال ، والعمل من أجل إنهاء معاناتهم وضمان عودتهم ، وتسع سنوات من المعاناة والحرمان هي فترة زمنية طويلة وكافية لأن تغلق ملفهم وأن يُسمح لهم بالعودة . .
مبعدو كنيسة المهد .. طالت غيبتهم وغزة تنتظر عودتهم قريبا باذن الله