في يوم مولدك: "جمال".. الاسم والمضمون

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

أسير محرر ومختص بشؤون الأسرى

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

١٠-٨-٢٠١٩

 

تمر الايام وتمضي السنين، وتبقى الذكريات بتفاصيلها، الحلوة والمرة، الحزينة والسعيدة، حاضرة دائما ومحفورة دوما في الذاكرة. واليوم يذكرني بسعادة وحزن. حيث يصادف ذكرى مولد اخي العزيز، ويذكرني بأيام حزينة وليال أليمة، مررت فيها انا اسرتي. 

 

في الثالث من شهر آذار/مارس عام ١٩٧٠، اعتقلت سلطات الاحتلال الاسرائيلي "ابي" بسبب مقاومته المحتل. وكانت امي العظيمة حينها تحمل في احشائها جنينا في شهوره الاولى. وفي اول زيارة أوصاها إن كان الجنين ذكرا بأن تسميه "جمال". أما ان كان انثى فلتختار لها من الاسماء ما تشاء.. وذلك محبة و عشقا بالرئيس المصري الاسبق "جمال عبد الناصر". وهنا نسجل فخرنا واعتزازنا باننا نحمل اسم هذا القائد والرمز الخالد.

 

 وبعد بضعة شهور وفي مثل هذا اليوم، العاشر من آب/اغسطس، كان موعدها مع الولادة. في بيتنا العتيق الذي يقع في حارة "بني عامر" بحي الدرج شرق مدينة غزة. والذي نعتز به ونفخر بمن كانوا جيرانا لنا فيه.  فأنجبت "جمال". الاخ الاصغر والوحيد لي، ونحن نفخر باننا ابناء "عوني". لذا اخذ كل منا اسمه واطلقه على  ابنه البكر. وكلانا كنيته "ابو عوني".

 

 ابصر اخي "جمال" النور فيما كان أبي اسيرا في السجن. وانا لم اكن قد تجاوزت الثالثة من عمري. فبدأت رحلتنا مبكرا الى السجون وانطلقت مسيرتنا نحو التعرف على مواقعها وطبيعتها ومن يقبعون فيها. فحفظنا اسمائها غيبا، وحفظنا معها مفردات الاحتلال والثورة والمقاومة، والتقينا خلالها وتعرفنا على كثير من رجال الزمن الثوري الجميل وابطال الرعيل الاول... واستمر هذا الحال لأكثر من ١٥ سنة الى ان تحرر "الاب" ضمن صفقة تبادل الاسرى عام ١٩٨٥. لتجتمع الاسرة وللمرة الاولى.

 

وفي العام ١٩٨٦ يعود السجن ويشتت الاسرة ويفرق أفرادها من جديد، حيث اعتقل اخي "جمال" وهو ما يزال في سن الطفولة، حيث كان طالبا في الصف العاشر، واستمر اعتقاله لسنوات خمس متواصلة، قبل أن يتحرر ويُعاد اعتقاله للمرة الثانية ويمضى سنتين إضافيتين. 

لقد اعتُقلنا سويا خلال تلك الفترة، وفي سجون متباعدة المسافة، واحيانا في اقسام متقاربة المسافة في ذات السجن، ولسنوات طويلة، ولأي من القراء أن يتصور مدى معاناتنا، ونحن نعلم أننا متجاورون ومتفرقون، في آن واحد: لا نتمكن من الالتقاء!. وهذا ما كان يفاقم من معاناتنا ويوجع والدينا اكثر.

 

وبعد تحرره منتصف عام ١٩٩٤ التصق أخي جمال بقضية الأسرى ونشط بقوة في الدفاع عنها وعمل في جمعية الاسرى والمحررين، ثم بادر الى تأسيس منظمة انصار الاسرى من مجموعة من الشباب المتطوعة لمساندة الاسرى والدفاع عنهم والان عضو في لجنة الاسرى للقوى الوطنية والاسلامية.  وما زال حاضرا في كل المناسبات والميادين و يعطي للأسرى تطوعا. 

 

ومن الاهمية بمكان هنا ان اختتم بالقول  ان اعتقال الآباء او الزج بالأطفال في السجون، لم يغير في الواقع شيئا ولن يؤثر  على توجهات الاطفال حين بلوغهم. بل بالعكس يزيدهم حقدا على الاحتلال ويدفعهم للالتحاق مبكرا بالمقاومة ويزيدهم تمسكا بحقوق آبائهم واجدادهم واصراراً على المضي قدما نحو تحقيق اهداف سعبنا العادلة والمشروعة.

 

كل عام وانت بالف خير اخي "جمال". كل عام وانت وفيا لقضية الاسرى اخي ابا عوني. كل عام والجمال بداخلك، شكلا ومضمونا. كل عام وانت والاسرة والعائلة ومن تحب بألف خير. بمناسبة عيد ميلادك وعيد الاضحى المبارك.

 

عبد الناصر عوني فروانة "أبو عوني"