بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني

 

دراسة بحثية  لقائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة

 الذين كشفوا بصمودهم ودمائهم عنصرية الجلادين

 ( 182 شهيداً منذ العام 1967وحتى مارس 2006 )

 

 

* إعداد / عبد الناصر عوني فروانة

 19مارس  2006

 

( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )               صدق الله العظيم

بمناسبة  يوم الأسير الفلسطيني ، ووفاءاً وتقديراً لشهداء الحركة الوطنية الأسيرة ، باعتبارهم أكرم منا جميعاً ، و تيجاناً على رؤوسنا ، ولما يحتلون من مساحة كبيرة في أفئدتنا ، وما يمثلونه كقناديلاً لمسيرتنا ومستقبلنا ،  ولما سطروه من تاريخاً لم يمحَ ولن ينسى أبداً .

فوفاءاً لهؤلاء جميعاً ، كان لابد لنا من تسليط الضوء عليهم في يومهم يوم الأسير الفلسطيني   ، يوم الوفاء لهم وللأسرى والأسرى المحررين  ، وذلك باعادة نشرنا لدراسة سبق وأن نشرتها في أغسطس من العام الماضي ، ولكن بعد أن أجرينا بعض التعديلات والإضافات على القائمة والدراسة  ، بجهد شخصي لنساهم مع كل النشطاء والمخلصين في تسليط الضوء على قضية الأسرى بشكل عام ، وقائمة شهداء الحركة الوطنية الأسيرة بشكل خاص ، واستناداً لما بحوزتنا من معلومات حصلنا عليها نتاج عمل جاد خلال السنوات الماضية وما يصلنا من بيانات ومعلومات وما يتم تحديثه باستمرار ، وبالرغم من الإختلاف النسبي للأرقام هنا وهناك ، إلا أن الجميع متفق على أن الشهداء بالعشرات والشهداء مع وقف التنفيذ بالآلاف ، واستهتار حكومة الإحتلال بحياة الأسرى والمعتقلين قائم وبالتالي قافلة الشهداء مستمرة وقابلة للازدياد والارتفاع ، إذا ما انتفضنا جميعاً ووضعنا حداً لذلك الاستهتار.

وللشهداء فينا مكانة مميزة ، وهم على رؤوسنا تيجاناً ولمستقبلنا قناديلاً ... فهم أكرم منا جميعاً وهم من دافعوا واستبسلوا وقاتلوا في سبيل الله والوطن والحرية .. وهم أيضاً من رووا تراب الوطن بدمائهم وسطروا صفحات مضيئة وحفروا تاريخاً لم يمحَ ولن ينسى أبداً ، تاريخاً كتبت حروفه بالدم ومعبقة برائحة البارود ، وتاريخنا الفلسطيني حافل بآلاف الشهداء ، ففي مسيرتنا شهداء وفي قادتنا شهداء ما زالت وجوههم مبتسمة في عيوننا ، و أصواتهم تتردد في آذاننا، ووصاياهم ماثلة أمامنا ، ولكل واحد منهم حكاياته وقصصه، فهم الأقوياء صانعو التاريخ  ... ويموت الناس ولا يموت الشهداء ، ولكن قصص وحكايات شهداء الحركة الأسيرة  تحمل في ثناياها تميزاً خاصاً ، فهم أسرى عُزل يفتقرون ومجردون من كل أدوات المقاومة ولا يملكون أي نوع من السلاح  ، سوى سلاح العزيمة والإرادة وسلاح الأمل في الحرية والإنتصار .

لكنهم ليسوا بمعزل عن شعبهم ، فهم  جزء وجزء أساسي منه ، وبالتالي بقوا في نظر الإحتلال أمام شواخص استهدافه ... فكانوا ضحايا لجرائم الإحتلال المختلفة ، ومُورس بحقهم أبشع الأساليب اللاإنسانية في إنتهاك فاضح لكل المواثيق والأعراف الدولية ، وخلال المسيرة الطويلة لذاك التاريخ الرائع للحركة الأسيرة استشهد (182 أسيراً ) وبأساليب مختلفة – حسب ما هو موثق لدينا في دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين .

ليس هذا فحسب بل أن هناك المئات استشهدوا بعد التحرر نتيجة لتلك الممارسات وآثار السجن ومنهم فايز بدوي ، وليد الغول ، عبد الوهاب المصري ، طلال الطحان ، صالح دردونة ، أحمد خضرة ،  شيبوب ، محمود أبو مذكور  ، الشهيد العربي السوري الأسير المحرر هايـل حسـين أبو زيد، ... إلخ  .

وهناك المئات من الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية يعانون من أمراض مزمنة واصابات مختلفة  بانتظار الموت المحقق نتيجة لسياسة الإهمال الطبي المتبعة من قبل إدارات مصلحة السجون وإدارات المعتقلات العسكرية .. كما أن هناك أيضاً آلاف المحررين يعانون من أمراض عديدة يعود سببها للسجن والتعذيب وآثارهما  .

وبالتالي نحن أمام جيش من الضحايا منهم من توفى وفارق الحياة خلف القضبان أو بعد الإنعتاق ، ومنهم الآلاف ينتظرون ... و بحكم علاقاتنا وعملنا ، ومن خلال متابعتنا للشهداء والمرضى من هذه الشريحة ، بات الواحد منا يشعر بأن آثار السجن تلاحقه باستمرار ويخشى  المرض اللعين ويتوقع الموت في كل لحظة ، رغم إيماننا بالله عز وجل وبالقدر وبالموت القادم لا محالة ، ولكن لكل موت سبب وقد يكون السجن والتعذيب آثارهما  هما السبب في موت الآلاف من الأسرى المحررين .

ولهذا الشعور دوافعه وأسبابه أهمها  أن العديد من الدراسات العلمية أثبتت أن الأعراض والأمراض المزمنة والمستعصية والتي ظهرت وبدأت تظهر على الأسرى المحررين لها علاقة بصورة دالة إحصائياً بخبرة السجن والتعذيب ومنهم من ظهرت عليهم الأمراض بعد سنوات من التحرر ، وما يعزز ذلك هو ما كشفته عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس لجنة العلوم البرلمانية الاسرائيلية " داليا ايزيك " قبل بضع سنوات عن وجود (1000) تجربة لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبي تجري سنوياً على الأسرى الفلسطينيين والعرب في اسرائيل ، وقد اعتادت وزارة الصحة الاسرائيلية إصدار ألف تصريح لشركات الأدوية الإسرائيلية الكبرى لإجراء تجاربها على الأسرى الفلسطينيين في إسرائيل ، كما كشفت ( أمي لفتات) رئيس شعبة الأدوية في وزارة الصحة الإسرائيلية أمام الكنيست في ذات الجلسة أن هناك زيادة سنوية قدرها 15% في حجم التصريحات التي تمنحها وزارتها لإجراء المزيد من تجارب الأدوية الخطيرة على الفلسطينيين و العرب في السجون الإسرائيلية كل عام .

وهذا يتناقض بشكل فاضح والمادة 13 من اتفاقية جنيف الباب الثاني ( يجب معاملة أسرى الحرب معاملة انسانية في جميع الأوقات ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أى فعل أو اهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدها ، ويعتبر انتهاكاً جسيماً لهذه الإتفاقية ، وعلى الأخص لا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني أو لا يكون في مصلحته ) .

 

سُقت كل ذلك في المقدمة لأقول بأن شهداء الحركة الأسيرة ليسوا فقط  ( 182 شهيداً ) ، بل أن هؤلاء جزء من قائمة طويلة وطويلة جداً من الشهداء منهم من إلتحق فعلياً ونال شرف الشهادة  ، وجزء كبير منهم شهداء مع وقف التنفيذ ينتظرون أن تضاف أسمائهم لقائمة الشرف والبطولة ، إذا ما سارعنا وأنقذنا حياتهم .

وعودة على قائمة من استشهدوا من الأسرى منذ العام 1967م وحتى أواخر مارس 2006 ( 182 أسيراً ) وحسب سبب استشهادهم سنجد أنها تعود لثلاثة أسباب رئيسية :

 التعذيب ، والإهمال الطبي ، والقتل العمد بعد الإعتقال ، وهناك بعض الحالات قتلت برصاص حراس المعتقل المدججين بالسلاح  .

 

الاستشهاد تحت التعذيب

فنتيجة التعذيب استشهد (69 أسيراً ) وأول هؤلاء الضحايا هو الشهيد يوسف الجبالي الذي استشهد بداية عام 1968م في سجن نابلس ، والشهداء يونس أبو سبيتان ، عون العرعير ، محمد الخواجا ، إبراهيم الراعي ، خضر الترزي ، مصطفى عكاوي ، عطية الزعانين وخالد الشيخ علي ، عبد الصمد حريزات .. إلخ

و " إسرائيل " هي الدولة الوحيدة في العالم، التي شرعت التعذيب قانوناً في سجونها وبات نهجاً أساسياً في معاملتها للمعتقلين عموماً ، حيث تعتبر توصيات لجنة لنداو عام 1987 والتي أقرتها الكنيست هي أول من وضع الأساس لقانون فعلي يسمح بتعذيب الأسرى وشكل حماية لرجال المخابرات .

 وبعد الضجة الإعلامية التي أثيرت حول قتل المعتقل عبد الصمد حريزات في 25/4/1995 في أروقة مركز تحقيق المسكوبية/القدس ، نتيجة الهز العنيف ، أصدرت ما يسمى بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية عدة قرارات خلال العام 1996 سمحت بموجبها لمحققي أجهزة الأمن الإسرائيلية باستخدام الضغط الجسدي المعتدل ، وإذا كان المحقق على يقين بأن المعتقل يخفي معلومات خطيرة من شأن  الكشف عنها حماية أمن الدولة والتي درجت الأجهزة الأمنية والقضائية على تسميتها بالقنبلة الموقوتة ، فمن حق المحقق أن يستخدم الضغط الجسدي المعزز وأسلوب الهز العنيف ضد المعتقلين أثناء استجوابهم شريطة أن يحصل المحقق على إذن من مسؤوليه وصولا إلى رئيس الشاباك إذا اضطر إلى استخدام العنف الشديد الأكثر من معتدل .

وبعد جهود بذلت من مؤسسات حقوقية وإنسانية أصدرت المحكمة العليا " الإسرائيلية " في التاسع من أيلول عام 1999 م قرارا منعت بموجبه استخدام الوسائل البدنية ضد المعتقلين ولكن لم تتم ترجمة هذا القرار بشكل فعلي  ولم يؤدِ الى إلغاء التعذيب أو الحد منه.

على الرغم من أن العديد من المواثيق الدولية حرمت التعذيب ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 ، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 ، وفي 10 كانون الأول / ديسمبر عام 1984 صدرت اتفاقية مناهضة التعذيب وفي 26 حزيران/ يونيه 1987  دخلت حيز التنفيذ الفعلي .

واستخدمت حكومة الإحتلال في هذا الصدد قرابة 80 شكلاً جسدياً ونفسياً مثل الشبح والهز العنيف والضرب و الحشر داخل ثلاجة  والحرق بالسجائر والحرمان من النوم والتحرش الجنسي والعزل الإنفرادي.. إلخ ولم يقتصر ممارسة التعذيب على الشبان أو على رجال المقاومة، بل مُورس ضد الأطفال والشيوخ والنساء، وحتى ضد أقارب وأصدقاء وجيران الأسرى .

و ليس كل من تَعرض للتعذيب نجا من الموت ليحدثنا عما تعرض له، كما ليس كل من نجا لديه القدرة على الحديث ، و لكن هناك الكثير مِمَن نَجوا تحدثوا وبمرارة عما تعرضوا له ، وهناك من لا زالوا متأثرين من ذلك رغم مرور سنوات طوال على تحررهم .

وأنا شخصياً عايشت أكثر من تجربة في التحقيق ، ولكن أقساها كانت أواخر عام 1989م ، حيث مكثت في أقبية التحقيق وزنازينها القذرة  قرابة مائة (100) يوم ، تعرضت خلالها لأبشع أنواع التعذيب ومكثت في الثلاجة أيام وليالي ولم أخرج منها إلا لجولات التحقيق ، ولا زالت صور المحقق وهو يستمتع بتعذيبنا ماثلة أمامي ، ولكن الصورة الأبرز هنا كانت صورة إستشهاد الأسير خالد الشيخ علي والذي استشهد في أقبية التحقيق في سجن غزة بتاريخ 12 ديسمبر عام 1989م ، وكنت في تلك اللحظة في " المسلخ " أو ما أطلقنا عليه " الباص " وهو عبارة عن ممر طويل  يشبه الباص ويصطف الأسرى على الجانبين وقوفاً وجلوساً على كراسي مخصصة للتعذيب ، وغرف التحقيق على الجانبين وإلى الوراء ،  وحينها استنفر المحققون وبدأوا يصرخون ووضعوا حاجزاً خلفنا كي لا نرى ما يحدث من أثقب الكيس ، لكننا فهمنا من أحاديثهم بالعبرية بأن شيئاً ما قد حصل لأحد الأسرى ... وقبلها بأيام معدودة وبالتحديد بتاريخ 3 ديسمبر كنت في زنزانة صغيرة قذرة لا تدخلها أشعة الشمس وتحمل الرقم 14 ، وفجأة سمعنا صوتاً وصراخاً بالعربية لأحد العملاء العاملين بالزنازين ، وهو يفتح طاقة الزنزانة رقم 12 ، وإذا بالشهيد الأسير جمال أبو شرخ ملقى بداخلها من شدة التعذيب ، فلقد عذبوه بشدة وقتلوه إنتقاماً لما قام به حيث اعتقلوه بعدما تمكن  من دهس عدد من الجنود الإسرائيليين في شارع النصر بغزة فقتل وأصاب عدداً منهم  .

فحينما أستذكر تلك الفترة بالذات أشعر بالألم والمرارة ، وينمو لدىّ شعور الإنتقام ، ليس من المحققين فحسب ، بل ممن أعطوهم الأوامر ومنحوهم الشرعية وكفلوا لهم الحماية ، وأشعر في الوقت ذاته بالخجل لأننا كأسرى محررين وحقوقيين ومؤسسات إنسانية لم نتمكن من وضع حد لهذا التعذيب وإيقافه ، كما لم نتمكن من ملاحقة مجرميه ولا من تعويض ومساندة ضحاياه .

الامراض النفسية للمحققين الاسرائيليين

وفي هذا الصدد كشفت صحيفة "هآرتس الإسرائيلية"، في تقرير لها صدر حديثاً بأن المحققين الإسرائيليين يستمتعون بتعذيب الأسرى ، وأن كل فلسطيني أصبح عدواً وأن أسباب هذه التصرفات اللاإنسانية مع الأسرى هو شعور المحقق والجندي انه لن يحاسب على أفعاله وأنه سيحظى بإسناد من رفاقه وقادته ، ولم يسبق وأن قدم أي مسؤول إسرائيلي للمحاكمة والمسائلة عن جرائم حرب ارتكبت في أقبية التحقيق والسجون لأن القانون الإسرائيلي أعطى الحماية للمحققين ولم يسمح بملاحقتهم.

وأكد التقرير أيضاً على أن حياة الأسير الفلسطيني هبطت عند المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية إلى أدنى حد ووصل الأمر أن بعض الجنود قالوا إن ما يقومون به من سياسة إذلال وعمليات قمع وحشية بحق الأسرى ما هو إلا مجرد تسلية ومتعة.

إن ما يتعرض له الأسرى من إستخدام القوة المفرطة معهم يهدد حياتهم بصورة خطيرة مما يعتبر انتهاك للمادة 42 من اتفاقية جنيف الرابعة ، وتشير الإحصائيات بأنه نادراً من يعتقل ولا يتعرض للتعذيب أو أحد أشكاله ، حيث أن جميع من يعتقلوا يتعرضون للمعاملة السيئة واللاإنسانية وإلى الشتائم وتكبيل الأيدي وعصب الأعين ، و 98 % ممن أعتقلوا تعرضوا للضرب ، و95 % تعرضوا للحرمان من النوم ،  و94 % تعرضوا للوقوف فترة طويلة ، و89 % تعرضوا للشبح ،  و60 % تعرضوا للمكوث ساعات وأيام في ما تعرف بالثلاجة .

السجون الإسرائيلية وأبو غريب

السجون والمعتقلات الإسرائيلية تشهد ظروفاً قاسية وأوضاعاً لا إنسانية  ومعاملة سيئة ، وتفتقر لأدنى شروط الحياة الآدمية ، فهي سجون قلما شهدها العالم ، وهي مُعدة كبدائل لأعواد المشانق ، وما رآها العالم من صور لما حدث في أبو غريب ، فإنه يحدث منذ سنوات وعلى مدار اللحظة في " مسالخ " الموت في السجون الإسرائيلية .

ووصفت صحيفة واشنطن بوست في تقرير مفصل لها وعلى صفحتها الأولى : أن ما يحدث في السجون الإسرائيلية للأسرى الفلسطينيين أكثر سوءاً مما حدث في " أبو غريب " ، ولفت التقرير إلى أن " إسرائيل " هي الدولة الديمقراطية الوحيدة على النسق الغربي التي تعترف بتعذيب الأسرى، كما أن أساليب التعذيب بحق الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، تحظى بتأييد الجمهور الإسرائيلي الذي لا يؤنبه ضميره ".

ويتحدث الصحافي الأمريكي " غرين فرانكل " مراسل الصحيفة للشؤون الدولية في تحقيقه، أن بث صور سجن أبو غريب لم يكن شيئاً غريباً بالنسبة للأسرى الفلسطينيين، الذين عاشوا ويعيشون ما هو أكثر سوءاً مما عاشه المعتقلون في سجن أبو غريب.

 

اسرائيل تصدر ادوات التعذيب

ولم تكتفِ " إسرائيل " بتشريعها للتعذيب ، بل تصدرت الدول المنتجة والمصدرة لأدوات التعذيب ، حيث جاء في تقرير نشرته منظمة العفو الدولية تحت عنوان " تجار الألم " أن دولة " إسرائيل "  هي أكثر الدول من حيث إنتاجها لوسائل تعذيب مختلفة واستخدامها والاتجار بها مثل القيود ، السلاسل ، الأصفاد وكراسي التكبيل ومواد كيماوية تسبب الشلل مثل غاز الأعصاب ، الغاز المسيل للدموع والسموم المخدرة ، أجهزة الصعق الكهربائي.

مقارنة سريعة ما بين الإنتفاضة الأولى والثانية

وبالمقارنة ما بين الإنتفاضة الأولى والثانية نجد أنه خلال سنوات الإنتفاضة الأولى السبعة  استشهد نتيجة التعذيب ( 23 أسير ) ،  بينما خلال سنوات إنتفاضة الأقصى استشهد ( أسيران فقط )  .

الإستشهاد بسبب الإهمال الطبي :

ونتيجة للإهمال الطبي استشهد ( 41 أسيراً ) منهم الشهيد عبد القادر أبو الفحم وهو أول شهيد للحركة الأسيرة يستشهد خلال الإضرابات عن الطعام وذلك منتصف عام 1970م في سجن عسقلان ، بالإضافة للشهداء الحاج رمضان البنا ، عمر عوض الله ، عمران أبو خلف ، اسحق مراغة ، راسم حلاوة ، علي الجعفري ، أنيس دولة ، صلاح عباس ، سليم أبو صبيح ، عجاج علاونة ،  عمر القاسم ، قنديل علوان ، حسين عبيدات ، يوسف العرعير ، محمد الدهامين ، وليد عمرو ، بشير عويس ، محمد أبو هدوان ،  راسم غنيمات ،  بشار بني عودة  ،.. إلخ وهذه سياسة ممنهجة ومتبعة في السجون والمعتقلات الإسرائيلية التي تفتقر للعيادات المناسبة  ولأطباء مختصين ، كما تفتقر العيادات الشكلية  إلى الأدوية المناسبة ، وحبة الأكمول هي العلاج لكل الأمراض وهذا يتناقض و المادة 91 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على انه " يجب أن تتوفر في كل معتقل عيادة مناسبة يشرف عليها طبيب مؤهل ويحصل فيها المعتقلون على ما يحتاجونه من رعاية وكذلك على نظام غذائي مناسب ".

وقد أشارت " أصدقاء الإنسان الدولية " وهي منظمة حقوقية دولية تتخذ من فيينا مقراً لها في تقرير لها صدر منتصف هذا العام  " أن الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية يعيشون أوضاعاً استثنائية من الناحية الصحية، قل ما يعيشها أسرى أو معتقلون في مناطق أخرى " وذكر التقرير بعض الإنتهاكات الصحية منها الإهمال الصحي المتكرر والمماطلة بتقديم العلاج للمحتاجين له، أو عدم إجراء العمليات الجراحية للأسرى، عدم تقديم العلاج الناجع للأسرى المرضى كل حسب معاناته، فالطبيب في السجون الإسرائيلية هو الطبيب الوحيد في العالم الذي يعالج جميع الأمراض بقرص حبوب يسمى الأكامول وهو يحتوي على مادة الباراسيتامول الخاصة بمعالجة الصداع ، ولا يتورع أحياناً عن العلاج بالماء كأن يقدم للأسير المريض فقط كأس من الماء، و عدم وجود أطباء اختصاصيين داخل السجن، كأطباء العيون والأسنان والأنف والأذن والحنجرة ، عدم وجود مشرفين ومعالجين نفسيين ، عدم توفير الأجهزة الطبية المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، كالأطراف الصناعية لفاقدي الأطراف، والنظارات الطبية، وكذلك أجهزة التنفس والبخاخات لمرضى الربو وإلتهابات القصبة الهوائية المزمنة ، عدم وجود غرف أو عنابر عزل للمرضى المصابين بأمراض معدية، كالتهابات الأمعاء الفيروسية الحادة المعدية، وكذلك بعض الأمراض الجلدية مثل الجرب، مما يهدد بانتشار المرض بسرعة بين الأسرى نظراً للازدحام الشديد داخل المعتقلات ، مضاعفة معاناة الأسرى المرضى من خلال نقلهم لتلقي العلاج في المستشفيات، وهم مكبلو الأيدي والأرجل، في سيارات شحن عديمة التهوية، بدلا من نقلهم في سيارات إسعاف مجهزة ومريحة، تقديم أدوية قديمة ومنتهية الصلاحيات للأسرى .

بالإضافة لسوء التغذية كماً ونوعاً وقلة العناصر الغذائية الأساسية والتي تؤدي لفقر الدم والدوخة لدى العديد من الأسرى ، وقلة المواد المحتوية على الكالسيوم مما يسبب بهشاشة العظام خاصة لمن أمضوا فترات طويلة ، وانتشار الحشرات والرواح الكريهة والمجاري أدت للتسبب في إلتهابات حادة في الأمعاء ، والحر الشديد وما يسببه للإنسان خاصة في معتقل النقب الصحراوي في ظل شحة المياه ، افتقار السجون والمعتقلات إلى الفرشات الصحية مما يسبب آلاماً في الظهر والعمود الفقري ، العقم والضعف الجنسي نتيجة الضغط على أعضاء الأسير التناسلية، وكذلك بسبب التهابات البروستاتا المزمنة بسبب الرطوبة والبرد الشديدين ، والأخطر ارتفاع ضغط الدم والإصابة بمرض السكري الناتجة عن الضغوط النفسية الكبيرة التي يتعرض لها الأسرى، ومضاعفاتها  تؤدي في بعض الحالات إلى حصول جلطات في القلب والدماغ ، كما وان الهز العنيف والضرب على الرأس يؤدى الى الجلطات الدماغية والشل النصفي مباشرة أو بعد فترة من الزمن .

دور الطبيب اللاإنساني :

بالإضافة الى كل ذلك يأتي الدور الحقير لما يسمى " الطبيب " حيث يتعامل مع الأسير المريض على انه عدو وليس إنسان ، وأحياناً كثيرة يمارس التعذيب معه ويؤلمه أو يهمله يتألم عن قصد ، وفي بعض الأحيان يتم ابتزاز المعتقل المريض ومساومته بتقديم العلاج له مقابل التعامل معهم ، وهذا يتنافى مع مهنة الطب التي تعتبر إنسانية بحتة ، وجميعنا يستذكر تصريحات وزير الصحة الإسرائيلي ، داني نافيه خلال إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام في آب 2004 حينما أعطى تعليماته لكافة المستشفيات بعدم استقبال أي أسير مضرب عن الطعام في المستشفيات الإسرائيلية .

ومنذ اللحظة الأولى للاعتقال يُعرض المعتقل على طبيب السجن الذي يحاول التأكد من الوضع الصحي للمعتقل ، وتوصياته هنا ليس بهدف علاجه ، بل لمساعدة رجل المخابرات في تحديد نقاط الضعف الصحية الموجودة عند المعتقل والتي يمكن استغلالها من قبل المحقق في الضغط عليها ، كما تحدد نوعية وطبيعة التعذيب المناسب لهذا المعتقل ، حيث يحدد الطبيب المناطق التي من الممكن أن يضرب عليها بحث تؤلم المعتقل ولا تقتله كما لا يظهر آثارها على جسم المعتقل .

هذه بعض الأمراض المنتشرة ما بين الأسرى ، وبعض الأسباب التي تؤدي لبروزها واستفحالها ، حيث أن في حال ظهور بعض الأعراض تواجه بعكس المنطق ، باللا مبالاة وعدم الإكتراث أو الاهتمام ، وعدم الرعاية الطبية من قبل إدارات السجون ، كما وأن السجون والمعتقلات تفتقر لسبل الوقاية من الأمراض والحماية من الطوارئ ، وهذا ما أدى لنشوب عدة حرائق في النقب ومجدو نتيجة تماس كهربائي ناتج بالأساس عن شبكة كهرباء تالفة وسيئة أدت إلى حدوث حرائق وإصابة العديد من المعتقلين ، ولافتقار المعتقل لأدوات الإطفاء والتدخل السريع  ، وأسوأها كانت في سجن مجدو بتاريخ 27 يناير من العام الحالي واستشهد نتيجتها الأسير راسم غنيمات ، وفي 24 يوليو حدث حريق في معتقل النقب كاد أن يؤدي إلى كارثة إنسانية لولا العناية الآلهية وتمكن أحد الأسرى في كسر قفل القسم الذي إلتهمته النيران بعدما رفضت الإدارة فتح الأبواب ،  وتمكن الأسرى من الهروب للأقسام المجاورة في ظل متابعة بدون مبالاة أواكتراث من قبل إدارة المعتقل ، وهذه الحرائق تسبب إصابات للأسرى وحالات إختناق  .

 وفي ظل الإهمال الطبي تتفاقم الأعراض ومع الوقت تصبح مزمنة ومستعصية يصعب علاجها وتؤدي الى استشهاد الأسير أو بقائه يعاني طوال فترة الإعتقال أو حتى لما بعد التحرر ، وكما أشرنا سابقاً بعض هذه الأمراض تظهر بعد التحرر مباشرة أو بسنوات .

 

مقارنة ما بين الإنتفاضة الأولى والثانية

وبالمقارنة ما بين الإنتفاضة الأولى والثانية نجد أنه خلال سنوات الإنتفاضة الأولى السبع  استشهد نتيجة الإهمال الطبي 11 أسير ، وهم  قنديل علوان ، عطا عياد ، محمد حماد ، عبد المنعم كولك ، عمر القاسم ، محمد الريفي ، رائق سليمان ، جاسر أبو ارميلة ، حسين عبيدات ، يحيى الناطور ، أحمد اسماعيل .

بينما خلال إنتفاضة الأقصى استشهد 10 أسرى هم : محمد الدهامين ، أحمد جوابرة ، وليد عمرو ، بشير عويس ، فواز البلبل ، محمد أبو هدوان ، راسم غنيمات ، عبد الفتاح رداد ، بشار بني عودة ، جواد أبو مغصيب .

ـ ثالثاً بسبب القتل والتصفية بعد الإعتقال :

ونتيجة القتل العمد والتصفية استشهد ( 72 أسيراً ) ومنهم  قاسم أحمد الجعبري من الخليل والذي تمت تصفيته بتاريخ 27/5/1969م من خلال رميه من طائرة اسرائيلية بعد إعتقاله، والشهداء أحمد أبو دية ، حريص أبو حية ، على أبو سلطان ، حسن أبو ركبة ، خاطفي الباص الإسرئيلي رقم 300 ، بلال النجار البوريني ، محمود صلاح ، أبو جندل ، أحمد خميس عطية ، عبد العفو القصاص ، فلاح مشارقة .. إلخ  .

و هذه  سياسة قديمة جديدة مورست بحق الأسرى منذ السنوات الأولى للإحتلال ، لكنها تصاعدت بشكل ملحوظ خلال انتفاضة الأقصى ( 47 شهيداً ) ، في حين استشهد نتيجة لذلك ( 17  أسير ) فقط خلال العشرين عاماً الأولى ( من عام 1967 – عام 1987 ) .

 وتنفذ هذ السياسة بأشكال عديدة  فإما تتم تصفية الأسير بعد إعتقاله مباشرة من خلال إطلاق النار عليه بشكل مباشر عند إلقاء القبض عليه ومن مسافة قريبة جداً ، أونقله إلى مكان ما وإطلاق النار عليه والإدعاء أنه هرب من السجن ، أو إطلاق النار عليه عن بُعد والإدعاء أنه حاول الهرب رغم إدراكهم أنه غير مسلح ومن السهولة إلقاء القبض عليه .

 أو التنكيل بالمعتقل المصاب والاعتداء عليه بالضرب وتعذيبه  وعدم السماح بتقديم الإسعافات الطبية للأسير الجريح  وتركه ينزف بشكل متعمد حتى الموت.

 

شهداء بسبب إطلاق الرصاص عليهم من قبل حراس المعتقل المدججين بالسلاح :

هناك بعض الحالات ( 6 معتقلين ) كان سبب إستشهادهم إطلاق نار وبشكل مباشر من قبل حراس المعتقل العسكري والمدججين بالسلاح الناري خلال مواجهات ما بين المعتقلين و إدارة المعتقل العسكرية ، أو الإدعاء أن المعتقل حاول الإقتراب من الجندي والإعتداء عليه أو محاولته الهرب فالمبررات كثيرة ، لكن من الجدير ذكره ان الأسير لا يملك أي سلاح ولا حتى اداة حادة ليشكل خطراً على حياة الجندي والشرطي .

و هؤلاء الشهداء هم أسعد جبرا الشوا من غزة وعلى ابراهيم السمودي من قرية اليامون اللذان استشهدا في معتقل النقب الصحراوي بتاريخ 16 آب 1988 ، و نضال زهدي  ديب من رام الله والذي استشهد بتاريخ 8/2/1989م في معتقل مجدو ، وعبد الله محمد  أبو محروقة من دير البلح بقطاع غزة والذي استشهد بتاريخ 12/9/1989م في معتقل  أنصار 2 بغزة ، وصبري منصور عبد الله عبد ربه من قرية الجيب والذي استشهد بتاريخ 7/7/1990م ، وموسى عبد الرحمن من قرية نوبا واستشهد بتاريخ  18/1/1992م .

 

اعدام المعتقلين بين الانتفاضتين

وبالمقارنة ما بين الإنتفاضة الأولى والثانية نجد أنه خلال سنوات الإنتفاضة الأولى استشهد نتيجة لهذه لسياسة القتل المتعمد  ( ثمانية أسرى ) ،  بينما خلال أقل من خمس سنوات من إنتفاضة الأقصى  وحسب ما لدينا من معلومات فلقد استشهد ( 47 أسيراً ) وقد يكون الرقم أكبر من ذلك   .

- توزيع الشهداء حسب الفترة الزمنية :

وإذا ما وزعنا الشهداء وفق الفترة الزمنية سنجد أن ( 73 أسيراً )  استشهدوا خلال العشرين عاماً الأولى (من العام 1967 وحتى مطلع الإنتفاضة الأولى في 9 ديسمبر 1987م )  أي بمعدل ( 3.7 شهيد في العام الواحد).

و غالبيتهم استشهدوا نتيجة التعذيب (38  شهيداً ) ( 17 شهيداً منهم تمت تصفيتهم بعد اعتقالهم ) ( 18  شهيداً نتيجة للإهمال الطبي )  .

 وخلال الإنتفاضة الأولى ( 9 ديسمبر 1987- منتصف 1994 ) استشهد ( 42 أسيراً )  بمعدل ( 6 شهداء في العام الواحد) .

 وأيضاً هنا غالبيتهم ( 23 أسير ) استشهدوا نتيجة التعذيب ، و( 8 شهداء ) تمت تصفيتهم  بعد اعتقتالهم ، فيما استشهد (11 أسير ) نتيجة للإهمال الطبي .

  وما بعد هذا التاريخ  وحتى بداية إنتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 ونتيجة للهدوء النسبي إن جاز التعبير إنخفض عدد الشهداء ليصل إلى ( ثمانية أسرى فقط ) بمعدل ( 1.2 شهيد في العام الواحد ) لكن الملفت هنا أن غالبيتهم ( 6 أسرى ) أيضاً استشهدوا نتيجة التعذيب و( أسيرين ) نتيجة الإهمال الطبي .

 ولكن خلال سنوات إنتفاضة الأقصى ( 28 سبتمبر 2000 وحتى مارس 2006  ) إرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة ليصل إلى أعلى معدل ( 59 شهيداً ) بمعدل ( 10.7 شهيد في العام الواحد) وهي أعلى نسبة ، ولكن الفارق هنا أن ( إثنين فقط ) من الأسرى الشهداء كان سبب إستشهادهم التعذيب في حين أن غالبيتهم ( 47 شهيداً ) كان سبب استشهادهم التصفية والقتل العمد بعد الإعتقال والباقي ( 10 شهداء ) جراء الإهمال الطبي .

وهذا ما يؤكد ما طرحنا سابقاً بأن سياسة القتل والتصفية بحق الأسرى تصاعدت بشكل ملحوظ خلال إنتفاضة الأقصى .

أسباب تصاعد سياسة القتل بعد الإعتقال

وبتقديري يعود أسباب ذلك إلى أن حكومة الإحتلال ومنذ إحتلالها لباقي المناطق الفلسطينية عام 1967 ومما سمح لها بالإنتشار والوجود المكثف في كل المناطق والمخيمات الفلسطينية كانت تركز على الإعتقالات الواسعة والعشوائية والضغط على المعتقلين وأقربائهم بهدف الحصول على معلومات منهم عن رجال المقاومة وأماكن تواجدهم ، وإرهابهم أيضاً مما زاد من إرتفاع عدد حالات الإعتقال خلال العشرين عاماً الأولى ( 1967-1987 بلغت ما يقارب من 400 ألف حالة اعتقال  ) أي بمعدل عشرين ألف حالة في العام الواحد .

، واستخدمت خلال تلك الفترة أساليب قاسية ومميتة في أقبية التحقيق بحق من تعتقد أنهم مسؤولين عن عمليات للمقاومة أو يحتلون مواقع قيادية في فصائل المقاومة ويملكون معلومات هامة عن رجالاتهم وأسلحتهم ويرفضون الإستجابة لضغوطات التحقيق وبالتالي يرفضون الحديث والإعتراف ... وهذا ما أدى إلى ارتفاع عدد من استشهدوا نتيجة التعذيب .

وخلال الإنتفاضة الأولى الأمر لم يختلف كثيراً بل الفارق هو أن الهبة الجماهيرية اتسعت وشملت كل مخيم ومدينة واتسعت المشاركة الشعبية مما أدى إلى ازدياد حالات الإعتقالات ( ديسمبر 1987م – منتصف 1994 م بلغت ما يقارب من 200 ألف  حالة )  أي قرابة 30 ألف حالة في العام الواحد .

وخلال الفترة الممتدة ما بين قيام السلطة الوطنية الفلسطينية منتصف عام 1994م ، وما بين إنتفاضة الأقصى 28 سبتمبر 2000 ، ونتيجة للوضع السياسي القائم وحالة الهدوء - بإستثناء بعض الأحداث والهبات هنا وهناك - فالأمر مختلف تماماً فحالات الإعتقالات إنخفضت بشكل كبير وملحوظ ( وفق التقديرات لم تتجاوز عشرة آلاف حالة ) وكذلك عدد شهداء الحركة الأسيرة أيضاً إنخفض إلى ( 8 شهداء ) .

أما خلال إنتفاضة الأقصى فالأمر مختلف نوعاً ما ، فلم تعد قوات الإحتلال تسيطر على كل المدن ولم تعد متواجدة ومنتشرة في الكثير من المناطق على الرغم من إمتلاكها القوة العسكرية وانحطاط الأخلاق والقيم ، والذي ساعدها في إجتياح المدن وشن حملات إعتقال واسعة طالت الآلاف من الشبان والأطفال والشيوخ ( 28 سبتمبر 2000 – مارس 2006 بلغت أكثر 40 ألف حالة إعتقال ) أي قرابة ثمانية آلاف حالة في العام الواحد .

وهذا الوضع لم يسمح لقوات الإحتلال بالسيطرة الكاملة على السكان الفلسطينيين  ولم يمكنها من ملاحقة واعتقال نشطاء المقاومة ، لا سيما وأن المقاومة نجحت في تطوير آدائها وألحقت خسائر بشرية فادحة بقوات الإحتلال ، وبدلاً من ان تنسحب قوات الإحتلال من المناطق الفلسطينية وتمنح الفلسطينيين استقلالهم ، صعّدت حكومة الإحتلال من أساليبها الدموية واتخذت قراراً سياسياً واضحاً وعلنياً تمثل في تطبيق سياسة الإغتيالات والتصفية بحق أبناء شعبنا بشكل عام وخاصة النشطاء وطبقت هذه السياسة بشكل علني وواسع واستشهد نتيجة لذلك المئات من الفلسطينيين .

والأسرى العزل كانوا هم الآخرين ضحية لهذه السياسة ، حيث طبقت عليهم أيضا، وهذا ما أدى إلى ارتفاع عدد الأسرى، الذي استشهدوا بسبب ذلك خلال إنتفاضة الأقصى ( 47 شهيداً  ) في حين ( 17 أسير فقط ) استشهدوا نتيجة لذلك خلال العشرين عاماً الأولى من الإحتلال ، و( 8 أسرى فقط ) خلال الإنتفاضة الأولى .

وكثيرين منهم كان دافع قتلهم هو الإنتقام منهم لما قاموا به من عمليات ، أو لدورهم المميز في المقاومة والقيادة مثل أبو جندل وعلي الجولاني أو تصفيتهم بعد التحقيق معهم ، ومما دفع قوات الإحتلال للإستمرار والتمادي في ذلك هو غياب الرادع الحقيقي وغياب الدور الدولي في وضع حد لسياسة الإغتيالات التي تُعتبر إعدام خارج نطاق القانون وجريمة حرب وانتهاكاً صارخاً لمعايير حقوق الإنسان وبشكل خاص الحق في الحياة.

ـ التوزيع الجغرافي للشهداء :

وحول التوزيع الجغرافي للشهداء فالأمر أيضاً له علاقة في تواجد قوات الإحتلال المباشر وانتشارها المكثف فمثلاً في السنوات العشرين الأولى استشهد ( 73 أسيراً ) منهم  ( 28 أسيراً ) من قطاع غزة ، و(33 أسيراً ) من الضفة و و(4 أسرى ) من القدس و( 8 أسرى ) مناطق أخرى .

 وخلال الإنتفاضة الأولى الأرقام متقاربة حيث استشهد ( 42 أسيراً ) ، و من هؤلاء ( 18 أسير ) من قطاع غزة ، و ( 20 أسير )  من الضفة و( 4 أسرى ) من القدس  .

 وخلال فترة ما بعد الإنتفاضة الأولى وبداية انتفاضة الأقصى استشهد ( اسيرين فقط ) من قطاع غزة نتيجة الإهمال الطبي ، و( 6 أسرى ) من الضفة الغربية نتيجة التعذيب ، حيث أن التواجد العسكري لجيش الإحتلال الإسرائيلي في الضفة كان أكبر ومناطق عدة كان يسيطر عليها بشكل مباشر وبالتالي الإعتقالات كانت أكثر بكثير ممن هي بقطاع غزة .

 وخلال إنتفاضة الأقصى أخذت هذه الفوارق تتسع وتزداد أكثر في عدد المعتقلين وفي عدد شهداء الحركة الأسيرة أيضاً ، وهذا نتيجة للأسباب التي طرحناها سابقاً فاستشهد خلال هذه الإنتفاضة ( 11 شهيد ) من قطاع غزة ، و( 44 شهيداً ) من الضفة الغربية و( 4 شهداء ) من القدس  .

مقارنة :

وبالإجمال منذ العام 1967 وحتى إنتفاضة الأقصى إستشهد ( 123 أسيراً ) منهم ( 48 أسيراً ) من قطاع غزة أي قرابة 39 % ، و( 59 أسيراً ) من الضفة الغربية أي قرابة 48 % و(8 أسرى ) من القدس و( و8 أسرى ) مناطق 48 ومناطق أخرى .

أما خلال إنتفاضة الأقصى ونظراً وللأسباب المذكورة آنفاً فإن عدد الشهداء الإجمالي ( 59 شهيداً ) منهم ( 11 شهيد فقط) من قطاع غزة أي قرابة 18.6 % ،  و ( 44 شهيد من الضفة ) أي قرابة 74.6 % و ( 4 شهداء ) من القدس أي ما نسبته 6.8 % .

 

- أسرى شهداء من مناطق مختلفة :

والملاحظ هنا أن القائمة اشتملت في السنوات العشرين الأولى عل ( 7 أسرى شهداء ) من مناطق  مختلفة وهم : محمد خريزات من جنوب لبنان حيث تمت تصفيته بعد اعتقال بيومين ، حسن السواركة من العريش جراء التعذيب في سجن عسقلان ، عمر شلبي من سوريا واستشهد نتيجة التعذيب في سجن عسقلان ، نصار الحويطات من الأردن واستشهد نتيجة الإهمال الطبي في مستشفى سجن الرملة ، ناصر الهيب من سوريا نتيجة التعذيب في سجن الرملة ، صلاح عباس من العراق ، ميخائيل بابا لازارو من اليونان واستشهد عام 1983 في مستشفى سجن الرملة .

في حين افتقرت لذلك منذ بداية الإنتفاضة الأولى في ديسمبر 1987 واقتصرت على الضفة وغزة والقدس .

- جميع الشهداء ذكور :

لوحظ أن قائمة الشهداء لم تشتمل على أية أسيرة ، لكنها لم تخلُ من الأطفال وكبار السن .

- الخلاصة والتوصيات :  

 تتصدر دولة الاحتلال "الاسرائيلي" قائمة الدول التي تنتهك حقوق الانسان والقوانين الدولية ، وتتجاهل كل الحقوق المدنية للمواطنين العزل ، ولم تفرق في معاملتها ما بين مقاوم مسلح أو مواطن عادي ، أو ما بين شيخ وامرأة او شاب وطفل ، وحتى الأسرى والمعتقلين العزل حرموا من أبسط حقوقهم الإنسانية وفق ما نصت عليها كل الأعراف والمواثيق الدولية ، بل يعيشون في ظروف قاسية لا تليق بالحياة الآدمية وغرف وخيام مكتظة ، ويُمارس ضدهم التعذيب المميت الممنهج والذي منح الغطاء القانوني ، كما ويُعاملون بوحشية ولا يتلقون أية رعاية طبية ولا حتى أدوات النظافة والوقاية من الأمراض ،  وإزداد استفحال أزمة حقوق الإنسان بشكل عام خلال إنتفاضة الأقصى ، وإزدادت الهجمة الشرسة أيضاً على الأسرى لسلب حقوقهم التي انتزعوها بفضل نضالاتهم عبر عقود من الزمن .

 وفي هذا السياق فإننا نناشد المجتمع الدولي بكافة مؤسساته للتدخل الفوري لوقف إنتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني الأسير ، والتدخل الفوري لإنقاذ حياة الألاف من المعتقلين الفلسطينين والعرب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية و الإفراج عنهم ، وخاصة المرضى وكبار السن وممن أمضوا فترات طويلة في الأسر كما وندعو وبشكل خاص اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتوجيه مندوبيها وطواقمها الطبية لزيارة كافة السجون والمعتقلات الإسرائيلية بصورة عاجلة للإطلاع على الأوضاع القاسية واللاإنسانية هناك، والتي تتنافى وكافة المواثيق والأعراف والإتفاقيات الدولية والضغط على حكومة الإحتلال لإجبارها على احترام المواثيق الدولية التي تكفل حقوق الأسرى والمعتقلين وخاصة اتفاقية جنيف .

- على المجتمع الدولي ودعاة السلام والديمقراطية في العالم  أن يدركوا  بأن قضية الأسرى هي قضية مركزية بالنسبة للشعب الفلسطيني ، و هم بوصلة الإستقرار في المنطقة و أكثر الناس تواقون للعيش بسلام ، ولكي يتحقق السلام ولكي يكتب لأي إتفاق النجاح  لابد من الإفراج عنهم جميعاً دون قيد أو شرط أو تمييز .

- على كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية ـ وهي كثيرة ـ أن تعمل وبشكل جدي لتوثيق حالات التعذيب ، ومن ثم متابعتها قانونية ورفع قضايا في المحاكم الدولية ضد حكومة الإحتلال بهدف مساندة وتعويض هؤلاء الضحايا بما في ذلك إعادة تأهيلهم وتعويضهم مادياً ورد الإعتبار، وهذا حق للمُعذبين تكفله لهم إتفاقية مناهضة التعذيب خاصة في مادتيها الـ 13 ، 14 ، وهذا الحق لا يسقط بالتقادم ، كما أنه جزء من العلاج للتخلص من آثار التعذيب النفسية .

- على السلطة الوطنية الفلسطينية وكافة القوى الوطنية والإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني أن تعمل بكل جدية لإعداد مراكز لتأهيل ومساندة ضحايا التعذيب من الأسرى المحررين إجتماعياً ومهنياً ونفسياً وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لهم ،  والبحث عن مصادر عربية ودولية لتمويل هذه المشاريع .

- كما ومن الواجب الوطني أن تمنح السلطة الوطنية الفلسطينية وعبر وزارة الصحة جميع الأسرى المحررين أو على الأقل من أمضوا عدة سنوات  إعفاء كامل لعمل فحوصات كاملة وشاملة  وبصورة دورية مرة كل عام للتأكد من خلوهم من الأمراض وإذا ما ظهرت بعض الأمراض فمن الواجب توفير العلاج الضروري لها  ، ليس هذا فحسب بل من الواجب منح كل أسير محرر تعرض لمرض يحول دون قدرته على ممارسة أي عمل ما .. منحه راتب يوفر له ولعائلته لقمة العيش بحدودها الأساسية .

- تخليداً وتقديراً لشهداء الحركة الوطنية الأسيرة على كافة المؤسسات الحكومية و غير الحكومية التعاون لعمل نصب تذكاري ضخم لشهداء الحركة الأسيرة في أحد المواقع الهامة في فلسطين ، كما ومن الواجب إعداد كتاب شامل يتضمن سيرة حياة كل واحد منهم وصورته بعد حصرهم وتوثيق من هم غير موثيقين  ، وهذا أقل ما يمكن عمله لهم في الوقت الراهن .

المجد للشهداء والنصر حتماً للثورة ، والشفاء للجرحى والحرية للأسرى

ومنا العهد والوفاء

* أسير محرر وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين