صراع بين النور و الظلام

تقرير عن بعض مناحي الحياة داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية

 

* إعداد / حسـن بكر قنيطـة

غزة فلسطين

فلسطين خلف القضبان

الباب الأول

  إرادة الحق تصر على البقاء :

لا مجال للاختلاف حول حقيقة أهداف الحركة الصهيونية من وراء غزو فلسطين و أهمها السيطرة على الأرض الفلسطينية و القضاء على الإنسان الفلسطيني . و لعلى الحركة الصهيونية ممثلة بالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استطاعت أن تسجل نجاحا ملحوظا في إطار الهدف الأول و لكنها عجزت عن تحقيق الهدف الآخر و هو القضاء على الإنسان و النيل من فلسطينية الفلسطيني الذي ظل متمسكا بأرضه موجها أنظاره اتجاه الوطن قبله كل الأحرار من أبناء الأمة العربية و الإسلامية و ظل يشكل الإنسان الفلسطيني أسطورة و مثالا يحتذى به و نموذجا رائعا بمدى رابطة  الإنسان بوطنه و أرضه الأمر الذي أزعج قيادة الحركة الصهيونية فعمدت لأساليب عدة و متعددة للنيل من الإنسان الفلسطيني و أهمها :

أقدامها على افتتاح العديد من السجون و معسكرات الاعتقال و زج الآلآف من الفلسطينيين داخل باستيلات الاعتقال الصهيونية التي قامت بإجرامها و عنفوانها سجون أخرى حتى سجلت الحكومة الإسرائيلية سبقا إجراميا و همجيا لم يسبقها أحد و هذا السبق تأتى عبر الشروط القاسية و الشديدة التي شيدت بها سجون و معسكرات الاعتقال من الناحية الجغرافية و شروط الحياة اليومية و ابرز دليل على عمق المعاناة للأسرى الفلسطينيين و قساة سجون الاحتلال الإسرائيلي انه اكثر من ثلاث مائة أسير استشهدوا في أبنية التحقيق و زنازين الحبس الانفرادي و الجماعي و اكثر من مائة و خمسون أسير آخر استشهد متأثرا بأمراض أصيب بها جراء الاعتقال بعد الإفراج عنه  أما عن السجون و المعتقلات التي أعدت بمثابة مقابر للأحياء و مسالخ لسلخ فكر النضال و الثورة من وجدان الثائر الفلسطيني و لعلى ابرز مواقع القتل لاسير الثورة الفلسطينية كان سجن نفحة الصحراوي هذا السجن الوحيد من سجون إسرائيل الذي شيد خصيصا للأسير الفلسطيني العنيد المتمسك بحقه في وطنه و بأسلوب المقاومة للحفاظ على هذا الحق العريق .

 سجن نفحة يقع في أقصى صحراء النقب و في منطقة صحراوية منخفضة بحيث يتهيأ للناظر من بعيد انه يقع تحت الأرض و بين أربع جبال صحراوية و لم يتم اختيار الموقع صدفة بل نتيجة تفكير خطير و تأكيد على ضرورة كسر إرادة الأسير الفلسطيني و شهدت عملية تشييد سجن نفحة اكثر من مرحلة الأولى كانت عام 1980م و كان يتسع لثمانين أسيرا موزعين على اكثر من زنزانة ، غرفة ، تتسع كل زنزانة لثمانية أسرى عديمة التهوية بحيث لا يوجد نوافذ أو طاقات للتهوية و دخول الشمس باستثناء طاقة صغيرة في سقف الغرفة التي لا يعلو طولها عن 240سم ، و صغر المسافة ما بين الأرض و السطح جاء للتضييق أثر على الأسير و جعل حياته لا تطاق كون السقف لا يعلو عن راس الأسير اكثر من متر واحد الأمر الذي يجعل الحر شديدا خاصة في ظل الجو الصحراوي إضافة لدهان الأقسام أ +ب بلون قاتم يحد من الرؤية إضافة لساحة لا تزيد عن 90متر لا تصلح للتنزه و لا للرياضة لاكثر من 10 أسرى .

 و كانت شروط الاعتقال في نفحة منذ بدايته شديدة و قاسية على الأسرى مما فرض عليهم ضرورة مجابهة هذه الهجمة المسعورة حيث بدأوا أتولى خطوات الدفاع عن كرامتهم و مجموع نضالاتهم باتخاذ قرار الرد بالمثل في حال تعرض احدهم للاعتداء الجسدي و فعلا كان ذلك عام 80 م في اولى لحظات افتتاح السجن بعد الاعتداء على احد رموز الاسرى و كما تم الإعلان مباشرة عن خوض معركة الأمعاء الخاوية الاستراتيجية التي استمرت ما يقارب 33 يوما و استشهد خلالها الشهيدان راسم حلاوة و علي الجعفري و لحق بهم أبو جمال مراغة هذه المعركة التي كانت بمثابة شرارة البناء الجديد و بجدار المحرمات الوطنية للحركة الأسيرة التي لا يجوز مساسها تحت أي ظرف كان و من جهة ذويهم من جهة أخرى فان اقرب منطقة سكنية للأسرى على سجن نفحة تبعد اكثر من 100 كيلومتر و تحتاج لسفر 4ساعات في حال كان السفر دون مشاكل أما في ظل الوضع الحالي ومنذ سنة 94م السفر يحتاج لاكثر من 18ساعة حيث عائلات الأسرى تذهب للزيارة 5 صباحا و تعود 11 ليلا و أحيانا اكثر . المعاناة متشابكة و متقاسمة و شديدة و هدفها واضح و لكن النتيجة واضحة إصرار فلسطيني اكثر على التمسك بحقه و مشروعية مقاومته للاحتلال و على اثر  ازدياد وتيرة المقاومة و اشتداد ضربات الفدائيين تم افتتاح قسمين أخريين في سجن نفحة ج + د . باتساع 160 أسيرا موزعين 16 زنزانة و ذلك عام 88م و كما تم توسيع سجن نفحة عام 96م بناء ثلاث أقسام إضافية على بعد 200 متر من السجن القديم يتسع 360 أسيرا مجهزا بالتكتيكات الحديثة و مصمم بشكل مأساوي اكثر من حيت الاكتظاظ و سوء التهوية حيث لكل غرفة تتسع لعشرة أسرى في حين أنها مصممة لثمانية أسرى و بها شباك مساحة متر مغطى بسبست و ذلك لمنع التهوية و الرؤية تحت حجج و ذرائع أمنية و كما كل قسم يعتبر سجن منفصل عن الآخر حيث كل قسم له ساحته التي لا تزيد عن مائة متر و الأسرى لا يمكنهم مشاهدة بعضهم البعض إلا إذا سمحت لهم الإدارة بذلك أما عن حقيقة المعاملة اليومية لادارة سجن نفحة فهي سيئة للغاية و العقابات بشكل همجي تقع على الأسرى بهدف كسر معنوية الأسير فأقل خرق لبرنامج إدارة السجن اليومي القاسي و الغير محتمل يكلف  شهر منع زيارة أهالي أو أسبوع زنزانة أو حرمان من زيارات الغرف و الأقسام أو عدم الخروج لمرافق العمل بشكل نهائي طوال فترة الاعتقال كما يمتاز نفحة بشدة هوس طاقم الإدارة بالنواحي الأمنية حيث كل حركة صغير تعتبر مساس بالأمن حتى الطعام كالسماح بإدخال الزيتون و الفلفل الأحمر و أمور أخرى أو رفع الاسبست عن الشبابيك لتحسين التهوية يعتبر مساسا بالامن و المرض المفاجئ بساعات الليل مس بالأمن و من شدة هوس إدارة السجن بالناحية الأمنية أن مسؤول الأمن تارة طلب من أحد الأسرى إلا يحلق ذقنه إلا بإذن و أراد عقابه لانه حلق شعر رأسه مفاجئ ليتفادى القشرة .

باختصار وضع سجن نفحة وإجراءات طاقم الإدارة هي الإجراءات الأشد والتي تعكس حقيقة معاناة الآسر الفلسطيني في سجون الاحتلال أما عن عدد الأسري الإجمالي داخل السجن فهو يصل إلى 640 اسيرا موزعين على اغلب الفصائل الوطنية و الإسلامية و اكبر تنظيمين هما فتح و حماس و هناك عدة أجسام اعتقالية و تنظيمية هدفها تنظيم الحياة اليومية . ما بين الأسرى داخل التنظيم الواحد من جهة و بين التنظيمات بعضها ببعض و ما بين إدارة السجن و المجموع الوطني للأسرى و المنسقة تحت مظلة اللجنة النضالية العامة ممثلين عبر متدربين كل حسب عدد مفاصلي .

موقع آخر من اشد مواقع الأسر قساوة كذلك هو سجن عسقلان  المجدل  هذا المعتقل  من السجون القديمة منذ عهد الانتداب البريطاني لفلسطين و عند احتلال الأرض الفلسطينية عام 67م شكل عسقلان اكبر موقع لاستيعاب الأسرى الفلسطينيين إضافة الى سجن بئر السبع … حيث اتسع عسقلان لحوالي 350 أسير ا موزعين على خمسة اقسام أ+ب +ج+د+ح و كل قسم يتسع ل 72 أسيرا باستثناء قسم ح الذي يتسع ل 85 أسيرا  و يتوسط الأقسام ساحة كبيرة بها شجرتان نخل اعتبرتا كرمز لسجن عسقلان و تعبيرا عن صمود الأسير حيث هناك من الأسرى من اعتقل في بداية غرزهما و الان وصل طول كل شجرة اكثر من 10 متر و هو يراها صباحا و مساءا و عسقلان في عرف الإدارة السجون يسمى سجن "شكما" و في عرف الأسرى اطلق عليه قلعة " الشهيد عبد القادر أبو الفحم " أول شهيد للحركة الأسيرة سقط خلال معارك الجوع و الألم في عام 69م حيث كان الشهيد المخطط لاولى بذور الدفاع عن كرامة الاسير الذي ما انفكت مصلحة السجون عن امتهانها و المس بها و عن طريق الألم و الجوع و الدفاع عن كرامة الإنسان الأسير سقط الشهيد البطل عمر شلبي على يد المجرم مدير سجن عسقلان "جستر فليد " و شهداء آخرون في عسقلان المجد في البدايات الأولى لسجن عسقلان و مرحلة تثبيت الذات النضالية لاسرى الثورة الفلسطينية في سجون العدو هذه المرحلة التي استمرت سنوات خاض خلالها الأسرى العديد من المعارك و سقط العديد من الشهداء عمر القاسم و حسين عبيدات أثناء معركة الكرامة عام 92 م التي استمرت 20 يوما دفاعا عن كرامة الأسير و هويته النضالية …

و لا شك بان عسقلان ما قبل عام 85م و حدوث عملية تبادل الأسرى يختلف بعد عملية التبادل من حيث العدد للأسرى و من حيث حجم و قوة الكادر الوطني و التنظيمي و محاولة استغلال مصلحة السجون لهذا الفراغ الذي حدث اثر الإفراج عن عدد كببير من الأسرى ذوو الخبرة و التجربة و كان من  معالم الاستغلال أقدام إدارة السجون على فرض عملية الوقوف على العدد اليومي أمام ضابط السجن ثلاث مرات يوميا بعد استخدام القوة و الاعتداء بكل وحشية على الأسرى العزل من كل سلاح إلا سلاح الإرادة و الإيمان و كان ذلك 11/9/85 م و لكن بفضل الكادر الوطني العصي على الكسر تمكن الجسد الاعتقالي من النهوض مرة أخرى و البدء من جديد بلملمة أطرافه و الانطلاق نحو البناء مرة أخرى حتى حصل الهجوم الشرس عام 87م من قبل مصلحة السجون في عهد "دافيد عيمون " الذي حصل على هزيمة ساحقة انسحب على أثرها من مصلحة السجون و ذلك بفضل الأداء النضالي للأسرى في تنظيم خطوات احتجاجية عديدة توجت بإضراب عام 87م الذي استمر 20 يوما و نجاح اكبر عمليتين هروب للأسرى في سجن غزة المركزي لستة من الأسرى و ثلاثة أسرى آخرين في سجن نفحة هذا النجاح الذي حققه الأسرى كان له التأثير السلبي و السيء على مصلحة السجون التي حاولت تهدئه الوضع بعد رحيل "ميمون " و قدوم مدير جديد لمصلحة السجون الذي اتبع سياسة التخفيف عن حالة الضغط التي يعيشها الأسرى و اخذ يجلس مع ممثلي الأسرى و يتحاور معهم و اعترف رسميا بممثلي الأسرى و كانت هذه أولى خطوات النجاح الكبير ذا المغزى العظيم لنضالات الأسرى المتعاقبة . كما أن عسقلان خاض معركة اثر معركة حيث في عام 92 و 95  و 98 كان له الباع الطويل في ترتيب هذه المعارك و يذكر أن عسقلان تم افتتاح أقسام جديدة به عام 87م منها ما يعرف بقسم 11 و يتسع هذا القسم لاكثر من 140اسيرا في زنازين حيث الحياة بها الاكتظاظ و البرودة و كذلك قسم 12 و يتسع ل 85  أسيرا .

و يعتبر سجن عسقلان من أهم قلاع الأسر التى  شهدت ملاحم نضالية كبيرة للأسرى و ذات تاريخ عريق  و إجمالا معاملة الأسرى معاملة في البدايات كانت شديدة و صعبة و لكن بفعل نضال الأسرى كانت اقل شدة من معاملة سجني نفحة و شطة و السبع كما أن الأسرى يعيشون حالة من النظام و الترتيب الرائع داخليا و مع إدارة السجون حيت لغة الخطاب واحدة و جماعية الأمر الذي يخلق نتائج إيجابية على صعيد الأسرى و يوفر شروط حياة افضل حيت لا يمكن أيجاد ثغرة لادارة السجون النفاذ من خلالها . الحديث عن كافة السجون بالإجمال تكون متشابهة من ناحية البرنامج اليومي للأسرى أو شكل المعاملة من قبل إدارة السجون لكن يبقى الاختلاف في جوهر السلوك و طبيعة طاقم إدارة كل سجن و شكل الاداه التطبيقية في تعليمات إدارة السجون .

فمثلا إدارة سجن نفحة اكثر لعقلية التطرف الصهيوني كون اغلب طاقمها من اليهود ذات الأصل الشرقي منهم قليلي الوعي شديدي العصبية سريعي رد الفعل إضافة لرغبة كل ضابط بالترقية على حساب التشدد و التنغيص على الأسرى و إعاقة أمورهم اليومية و الشخصية .كما نشعر بأهمية أمر لا بد منه و هو الحديث عن الأسيرات الفلسطينيات حيث يقبعن منذ البداية في سجن "نفى ترتسا " في سجن الرملة و في غرف منفصلة عن السجينات الجنائيات و ذلك بعد نضال طويل و شاق ضد اختلاطهن مع الجنائيات الاسرائيليات ذات السلوك الشاذ و المليئ بالمخدرات و قد ناضلن الأخوات نضالا عنيفا حتى تم فرض الانفصال عنهن و لكن لا زلن السجينات اليهوديات يشكلن إزعاجا لأخواتنا المناضلات من ناحية الفوضى و الصراخ و الانحطاط السلوكي من قبلهن أي الإسرائيليات إضافة إلى أن شروط حياة الأسيرات اشق و اصعب من الأسرى و ذلك يعود لسبب قلة عدد الأسيرات حيث دوما لم يكن عددهن يزيد عن 50 أسيرة الأمر الذي يمكن إدارة السجون من محاولة الانفراد بهن بخلاف عن الأسرى الذي كان دوما عددهم 300 مائة و اكثر هذا جانب كما أن حقيقة افتقار الأخوات للكادر في اغلب الاحيان و غياب الخبرة كما للأسرى يجعل المعانة مضاعفة عن الأسرى .

إضافة للجانب الاجتماعي الآخر و حساسة مجتمعنا العربي الفلسطيني من فكرة وقوع إحدى فتياتنا بالأسر لدى الإسرائيليين و قد عانت الأسيرات منذ البداية الأولى لاول أسيرة الأخت "فاطمة البرناوي "معاناة كثيرة و لا زلن يعانين الامرين لكن الحق أن الأسيرات الفلسطينيات يعشن حياة اكثر تنظيماو انضباطا و لديهن قدرة على توحيد مواقفهن بشكل مذهل يستحق كل تقدير و ابرز تلك المواقف تمسكهن بالموقف الاعتقالي المشرف آبان الإفراج السياسي عنهن الذي أتى نتيجته اتفاق الخليل بين السلطة الفلسطينية و حكومة بيرس الانتقالية حيث حاولت حكومة بيرس حينئذ الإفراج عن جزء من الأسيرات و لكن رفضهن الإفراج الجزئي و تمسكهن بالإفراج الجماعي و تحملهن مسئولية هذا القرار مدة اعتقال اكثر من عامين حتى رضخت حكومة اليمين المتطرف نتنياهو عام 98م الإفراج عنهن جميعا رغم أن بينهن خمسة أسيرات محكومات مدى الحياة على قتل جنود اسرائيليين مثل لمياء معروف و الأخت عطاف عليان و عبير الوحيدي ذات الفعاليات النشطة و العنيفة التى أزعجن بمجموعاتهن قوات الاحتلال هذا الموقف و أخري مشرفة عززت من مكانتهن و عكست حقيقة أوضاعهن و مدى قوة أوضاعهن الداخلية التي أسفرت عن هذا الموقف الذي نال الإعجاب .

 

الباب الثاني

إصـــرار على الإنتصار

الحياة داخل المعتقلات الإسرائيلية :

على الرغم من سياسة البطش الشرسة واللاإنسانية بحق الأسرى الفلسطينيين وكل من يتم إعتقاله عاشت الحركة الأسيرة أعلى حالات الرقي في الإدارة والتنظيم ، حيث عملت القيادات الشابة منذ نهاية الستينات وحتى اللحظة على بناء الواقع الإعتقالي ليتسنى لهم العيش بكرامة ومروراً بالحفاظ على وجودهم وكيانهم وبناء كادرهم. لم يكن الأمر سهلاً ، بل كانت الطريق معبدة بالأشواك ويحيط بها وبهم عدو ماكر مخادع له مخططاته الخاصة به في إفراغ ما يمكن إفراغه من كل محتوى نضالي وأخلاقي لمجموع الحركة الأسيرة وكم كانت المؤامرات والمخططات لتدمير الشخصية الفلسطينية داخل الأسر لذا كان لابد اضافة للمواجهة من احداث عملية تأطير للفصائل الفلسطينية ضمن أطر إعتقالية تسهل حركة التخاطب والتوحد والمواجهة مع العدو على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الخارجي.         

الصعيد الداخلي :

تم إعتماد نظام داخلي لكل فصيل على حدة حسب قناعاته واطروحاته السياسية والتنظيمية وإجراء تقسيمات إدارية داخلية حسب النظام الداخلي والذي كان يتضمن أسلوب الحساب والعقابوفتح باب التقدم في العمل التنظيمي والإعتقالي داخل المعتقل الأمر الذي سهل على قيادات هذه الحركة خلق المناخ والعقلية الواعية لحالة الإلتزام العامة بالمفاهيم الديموقراطية وإجراء الإنتخابات الدورية  وفرز القيادات المنافسة والبديلة من خلال إنتخابات نزيهة ومنظمة الأمر الذي ساهم بإضطراد متزايد في خلق حالة من الوعي شملت كافة الأصعدة ، وكانت الفصائل هذه تتجمع كلها ( عبر مندوبيها ) في جسم اللجنة الوطنية العامة.

ان تجربة الحركة الأسيرة فريدة من نوعها.. وذلك يعود للظروف الذاتية والموضوعية الخاصة التي عاشتها هذه الحركة.. حيث استطاعت خلال سنوات الاحتلال.. من رسم تجربة رائعة ومتميزة.. وللاسير الذي استطاع بإرادته صنع أكاديمية النضال ولتخريج كادر المستقبل القادر على مواصلة المسيرة

استطاعت الحركة الأسيرة من خلال تجاربها المستمرة من تشكيل مؤسساتها الإعتقالية الوطنية والتى تعتبر الأطر القيادية للمعتقلات ، وتعتبر الكيان السياسي والإجتماعي الذي لا يزال ينعم به نسبياً كافة المعتقلين في مختلف قلاع الأسر . وعناصر هذا الكيان هي المؤسسات الإعتقالية المختلفة في :

1-اللجنة الوطنية العامة (ل.و.ع ):

وتعتبر أعلى سلطة تنفيذية إعتقالية وتتكون من كافة الفصائل الموجودة في المعتقل وهذه المؤسسة تمثل موقعاً وفهماً جماعياً ، حيث تتابع القضايا الإعتقالية وتشرف على الإحتفالات والمناسبات الوطنية وعلى الاتصال بمواقع الأسر الأخرى ، وعلى إصدار البيانات الجماهيرية . ومن أهم مهامها البث في الإضرابات والخطوات النضالية الإعتقالية الأخرى .

2-الصندوق المالي :

وهو عبارة عن لجنة مكلفة من قبل ل.و.ع ( اللجنة الوطنية العامة )

ولقد كان التركيز لقيادات الفصائل في المعتقلات على ترسيخ الوعي لكل وافد على الحركة الأسيرة ولقد كان من أهم تركيزاتهم ترسيخ الوعي الاعتقالي و السياسي و الامني لقطاع الأسرى .

3-اللجنة الثقافية العامة (ل.ث.ع ) :

ومهمتها الإشراف على كافة النشاطات الثقافية الإعتقالية من مجلة إعتقالية وندوات ونشرات وتراجم تحتوي على مواضيع سياسية و ثقافية و ادارية و امنية و مسابقات ترفيهية مثل مجلة صوت الثورة في عسقلان و نفحة الشهداء في نفحة .

4-لجنة الحوار مع الإدارة ( ل.ح ) :

وتكلف من قبل اللجنة الوطنية العامة ومهمتها طرح قضايا الأسرى مع مدير السجن أو مأمور مصلحة السجون أو كل جهة مسئولة من قبل مديرية السجون .

5-ممثل المعتقل (م.م ) :

وهو الناطق الرسمي باسم مجموع الأسرى وينفذ برنامج وقرارات اللجنة الوطنية العامة. وجرت العادة بان يكون م.م من الفصيل الأكبر في المعتقل .

6-اللجنة الرياضية :

وهم تنظم النشاطات الرياضية في المعتقل ومن غاياتها التقريب الإجتماعي وبناء العلاقات الأخوية بين الكل الإعتقالي .

الوعي الأمني داخل المعتقلات :

 مر الوعي الأمني داخل قلاع الأسر في عملية معقدة غنية بالعبر والدروس أكسبت الحركة الأسيرة تجربة ناضجة مهدت السبيل أمامهم لإقتحام شتى دروب العمل الإعتقالي بوعي متميز خطي بالحركة الأسيرة خطوات متقدمة نحو الأمام على درب فرض حضورها الوطني والثوري والتنظيمي والقضاء على شتى مظاهر الضعف وبترها من جذورها وصياغة تقاليد نضالية بكم هائل من المعانيات والعذابات الأمر الذي بلور الوعي الأمني على أسس عملية وعلمية فاعلة كانت محصلة منطقية لأسباب عديدة نذكر منها :

1-طبيعة الممارسات الإستخبارية اليومية وما تركته من أثار تدميرية عكست نفسها بصورة سلبية على أوضاع المعتقلين وشروط حياتهم المعيشية الأمر الذي أيقظ المناضلين ودفعهم لتركيز بإلحاح بالغ نحو تشكيل جهاز أمني يتابع بدوره عملاء العدو ويكشف النقاب عن فحوى المخططات التعسفية التى تقضى بقتل الأسير الفلسطيني / قتلاً تعسفياً مادياً ومعنوياً وصدها بصورة إرتدادية لنحور أشخاصها .

2-إن الممارسات الأمنية اليومية للأسير أعنت التجربة الأمنية الإعتقالية وردفتها بعوامل القوة والحصانة والديموية والإستمرارية وإمتلاك الأدوات الفاعلة على إيواء المهام الكفاحية بمهارة متفوقة .

3-عمليات التقييم المتواصلة صقلت الأساليب النضالية الأمنية صقلاً علمياً هادفاً أحدث تغييراً جوهرياً في منهاج العمل الأمني ، وزاد من قوة تأثيرتها التغيرية بإتجاه الصقل والبناء وخلق المناخات الملائمة لعمليات بنائية شمولية لكافة مجالات العمل الإعتقالي والتنظيمي .

4-الأخطاء الأمنية التى وقعت بها الأجهزة الأمنية  فرضت بدورها عوامل تحديث جديدة عكست أثارها على الواقع الإعتقالي بمجمله .

5-العمل على توحيد الفهم الأمني لدى كافة أبناء شعبنا بشكل عام ولمناضلينا البواسل بشكل خاص في شتى خنادق النضال والثورة وتشريبهم خلاصة التجربة الأمنية الواعية .

إن حقيقة تعلم هذه الأشياء من خلال التجربة الخاصة للحركة الأسيرة طور أكثر فأكثر من قدرة المواجهة والعمل على الصعيد الداخلي والخارجي لمواجهة العدوإذا كان تقبل التجربة على صعيد الوطن المحتل أو خلال مواجهة الحركة الأسيرة لإدارة المعتقل ومديرية السجون

إدارة المعتقل :

وهي مؤسسة احتلالية تخضع للنظام البيروقراطي وتعمل ضمن مديرية مصلحة السجون العامة كجزء فرعي يخضع لإشرافها المباشر وهدفها ضد الحركة الأسيرة هو قتل البرامج والمشاريع التى يصنع حيثياتها المناضل الفلسطيني لتنظيم أموره اليومية والرقي بمستوى تفكيره الإجتماعي والسياسي والأمني ، وهذه المؤسسة جزء يتجزأ من مديرية السجون العامة وآلتي هي إحدى المؤسسات الرئيسية التابعة لوزارة الأمن الداخلي وحلقة الوصل بينهما هو مأمور المديرية والذي ينسق مه الهيئات العليا الخطط التصفوية لمجموع الحركة الأسيرة وإنجازاتهاالأمر الذي يعكس حالة الطوارئ المستمرة بين الطرفين ( الحركة الأسيرة وإدارة المعتقل ) الأمر الذي يدفع بالحركة الأسيرة إلى صياغة خطوات جديدة للمواجهة وهكذا ولن تنتهي حالة المواجهة المستمرة إلا بإغلاق المعتقلات الصهيونية .

الوضع العام :

إن عدد الأسرى القابعين خلف الأسوار غير ثابت العدد وهذا الرقم متغير بإستمرار. فمنذ اتفاقية أوسلو وحتى ما قبل انتفاضة الاقصى .. تناقص عدد الأسرى باضطراد ولكن ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى لحظتنا هذه زاد عدد الأسرى بأضعاف ما كانوا عليه قبل الانتفاضة اعتقل جميعهم ما بين 27 شباط و 25 آبار الماضيين.. ويتراوح عددهم بأكثر من 7500 أسير فلسطيني- اغلبهم من المدنيين.. وموزعين على 12 معتقل..

ثم اعاده افتتاح معسكر أنصار في صحراء النقب.. ومعسكر عوفر في رام الله ومعسكر حواره في نابلس.. إضافة إلى معتقل نفحة.. وعسقلان.. وبئر السبع.. والرملة.. واشمورت.. الخ من المعتقلات منذ 27 شباط و 25 ايار اكثر من 1000 قرار اعتقال ادراي ما بين 3 شهور الى 6 شهور قابلة للتمديد دون توجيه اتهام ودون محكمة ومنذ اكثر من عامين يحرم على أسرى النقب زيادة أهلهم لهم.. وفشلت جهود الصليب الأحمر في تمكين ذوي الأسرى من زيارتهم.

وضع النقب / يقع معسكر أنصار (3) في جنوب غرب فلسطين.. ويبعد عشرة كيلو مترات من الحدود المصرية.. وما يميزه هو خيامه الكثيرة.. حيث لايستطيع أي شخص أن يرى سواها وتحيط بها الأسلاك الشائكة منم كل جانب.. وقد أعادت إسرائيل افتتاحه في العاشر من شهر أبريل 2002 م.

مؤخرا تمكن محامي 27 أسير من زيارتهم .. واطلعوا على مايلي :-

-   طبيب واحد معالج لجميع الأقسام .. وعلاجه يقتصر على إعطاءهم المهدئات مثل الاكمول فقط.. وطبيب الأسنان لايقوم إلا بعملية خلع الأسنان فقط دون إعطاء دواء لمعالجة الالتهابات.

-    هناك مرضى كثيرون ومصابون.. ولايتم تحويلهم للمستشفيات.. وإذا تم تحويل البعض منهم.. فانه لايستوخى مدة العلاج الضرورية

-    المطبخ يفتقر الى ادوات الطبخ الأساسية.. ولاتتوفر المواد لتعقيم الأدوات.. وليس هناك تحسن في كمية ونوعية الغذاء.. بالإضافة إلى وجود قوارض في المطبخ .

-    أما الماء البارد في هذا الجو الصحراوي الخانق.. فالادراة لاتزودهم إلا بالثلج وبكميات قليلة.. ولاتسمح الإدارة بتقديم القهوة إلا مرة واحدة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع .

-   الشروط الصحية غير متوفرة لدورات المياه.. وادارة السجن تعاقب كل من يحاول تلطيف شدة الشمس برش الماء في الساحة أو على الخيام بمعاقبة القسم بقطع الماء عنه.. بالإضافة لانتشار الزواحف السامة والحشرات الضارة دون أي معالجة من قبل إدارة المعتقل..

-    هذا بالإضافة أيضا إلى النقص الحاد في الملابس.. ومماطلة إدارة المعتقل في تامين الكهرباء لهم.. وفي كل مرة يتم الطلب فيها من قبل الأسرى بتامين احتياجاتهم.. تفرض عليهم عقوبات جماعية من خلال حرمانهم من الأمور البسيطة التي يزودون بها..

سجن بئر السبع:

وهو عبارة عن عدة أقسام متفرقة.. بحيث يشكل كل قسم بحد ذاته سجن منفرد.. له طاقم إدارته الخاص به.. فهناك قسم 4 والذي يشكل غرفة كبيرة الحجم إضافة لعدة غرف صغيرة.. وهو بمثابة محطة انتقال منه لباقي المعتقلات وان كان يشكل أحيانا قسما ثابتا للعزل.. وقسم 8 (ايشيل) وهو قسم دائم.. يحتوي على ممر طويل.. تتراشق على جانبيه غرف صغيرة للغاية (اشبه بالزنزانة) بالكاد تتسع لشخصين.. وساحة نزهته هو أيضا صغيرة.. وقد اعد هذا القسم عزلا للعناصر النشطة منم الحركة الأسيرة.. وهو بمثابة عقاب في نهاية الأمر.. يحيط به من كل الجوانب أقسام للجنائيين اليهود والعرب.. والحراسة عليه مشددة وبنيانه متين.. بحيث يمنع مجرد التفكير في الهرب.. يتسع هذا القسم ل80 اسيرا وقد استطاع الكل النضالي هناك من إعادة بناء الهياكل التنظيمية ليصبح بذلك من أحد المعاقل المهمة للحركة الاسيرة

والسبع تاريخياً عاش مرحلتين مهمتين في تسطير أروع صفحات النضال.. والمرحلة الأولى كانت ما قبل افتتاح سجن جنيد في نابلس.. حيث يضم سجن بئر السبع ما يقارب 1000 أسير فلسطيني.. حيث كان في هذه المرحلة قائد المعاقل الحركة الأسيرة.. وكانت له صولات وجولات مع إدارة العدو أما المرحلة الثانية: فقد كانت بعد عملية تبادل الأسرى عام 1985 م.. ثم إغلاق العديد من الأقسام فيه أو جعلها للجنائيين.. وتوزيع السجناء السياسيين على باقي قلاع الأسر ، ثم أعادوا افتتاح أجزاء منه.. نظرا لحاله الازدحام في السجون الإسرائيلية.. وهناك أقسام أعيد بناءها.. لتشكل سجنا لعزل النشطاء من الحركة الأسيرة.

و ابرزها قسم العزل الانفرادي رقم 9 هذا القسم الذي يتسع لاكثر من 50 اسيرا موزعين على 25 زنزانة صغيرة " اكس " يبلغ طوله مترين و نصف و عرضه 100 متر و به دورة مياه و شروط الحياة به من اقسى شروط الاعتقال من حيث التهوية و العزل التام و الحرمان من كافة الامتيازات التي تعطى للاسير و الجدير بالذكر ان هذا القسم مختلط ما بين جنائيين يهود و سياسيين فلسطينيين و الحياة باختصار بهذا القسم اصعب ما يكون و لا يخرج الاسير من الزنزانة سوى ساعة يوميا و هناك عدد من الاسرى من مكث بهذا الموقع اكثر من 3 اعوام اضف لذلك قسم 10 ايضا الذي لا يقل سوءا عن قسم 9 و يعتبر هذين القسمين من اصعب و اقسى اقسام العزل في سجون الاحتلال .

 

  * الكاتب أسير فلسطيني سابق ومقيم في غزة ، وكان قد أمضى في السجون الإسرائيلية 15 عاماً وتحرر عام 2000 م ويعمل مدير عام بوزارة الأسرى والمحررين  .