بعد الشهيد هايل أبو زيد ...

الأسير الجولاني بشر المقت جسد يتهالك في زنازين الاحتلال لكن الروح لا تنضب

بشر المقت الأسير السابق الشهيد هايل أبو زيد

 

28-12-2007

بشر سليمان المقت مواطن عربي سوري من الجولان، الأرض العربية السورية التي تحتلها إسرائيل منذ أربعين عاماً ونيف.

بشر أمضى حتى الآن مع عدد آخر من أبناء الجولان أكثر من اثنين وعشرين عاماً في الزنازين النازية الصهيونية، زنازين الظلم والعدوان، أما التهمة التي اعتقل بها وسيق من بيته ومن بين أهله، وحكم على أساسها بالسجن سبعة وعشرين عاماً، فهي حبه لوطنه ولأرضه، لدار أهله وبساتين التفاح التي زرعها أجداده... ولأن بشر شأنه شأن سائر الجولانيين والسوريين والعرب، بل وشأن سائر أهل الأرض قاطبة، حاول الدفاع عن وجوده، عن أرضه التي سلبها الاحتلال، عن حقه في الحرية والحياة. إلا أن ذلك أمر ممنوع في العرف الصهيوني، فتلك الحقوق الإنسانية مقتصرة على اليهود الإسرائيليين، على أولئك الفئة من الناس الذين جعلوا القتل والإجرام وارتكاب المجازر ديناً وديدناً لهم.

جسد بشر الآن، جسد بشر الممشوق والقوي الذي كان يضج بالحيوية والشباب بدأ يتهالك بفعل الظلم والقهر والتعذيب الصهيوني، وقد راح الدم في عروقه يجف، على حين ضربات قلبه الضعيف تتراجع باستمرار حتى باتت حياته مهددة بالخطر..

إن النوبات القلبية الحادة التي تعرض لها بشر مؤخراً داخل زنزانته هي مؤشر واضح على الحال الصحية الخطرة التي يعيشها بسبب الأسر والاعتقال، وأخطر ما في الأمر وأقساه أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعلم ذلك علم اليقين، بل هذا ما تريده، وقد خططت له وأعدت لتنفيذه كل الأساليب، وهي ترفض إعطاء الأسرى حقوقهم العادية، حتى تلك التي تتعلق بالعلاج والدواء، ولا حتى الاستجابة لأي وضع إنساني مهما كان حرجا، وذلك اعتمادا على سياسة الموت البطيء التي تطبقها على كل السجناء العرب في معتقلاتها المغلقة على أكثر من عشرة آلاف سجين حسب إحصاءات بداية هذا العام.

علما أن وضع الأسير بشر المتدهور بلغ أسماع المنظمات الدولية وبعض الدول الكبرى، وخاصة بعدما ناشدت وزارة الخارجية السورية الأمم المتحدة العمل للضغط على إسرائيل بشأن الأسير بشر، إذ بناء على رسالة مقدمة من مكتب شؤون الجولان في رئاسة مجلس الوزراء أجرت الوزارة اتصالات مع جهات دولية عدة من أجل المساعدة في إطلاق صراح بشر، وأرسل السيد وزير الخارجية وليد المعلم رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» وأخرى إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان السيدة «لويز أربور» تتناول وضع الأسير بشر في المعتقلات الإسرائيلية.

وأكدت الرسالة أن تعرضه مؤخراً لعدة نوبات قلبية متتالية كان نتيجة للإهمال الطبي المتعمد من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأمر الذي يزيد من احتمال تعرضه للموت في أي لحظة كما حدث مع الأسير السوري هايل أبو زيد، ولذلك فإن سورية تحمل سلطات الاحتلال الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن تدهور الحالة الصحية لجميع الأسرى وخصوصاً الأسير بشر المقت الذي تتطلب حالته الصحية عناية فائقة ومتابعة حثيثة. وناشدت الرسالة كلا من كي مون واربور بذل أقصى الجهود للضغط على إسرائيل للسماح لمندوبي الصليب الأحمر مع أطباء مختصين بالاطلاع على الحالة الصحية للأسير المقت، كما أكدت مجدداً استعدادها لتقديم العلاج اللازم له وعلى نفقتها الخاصة.

ولهذه الغاية التقى نائب وزير الخارجية فيصل المقداد سفيري روسيا والصين وسفراء عدد من الدول الأوروبية وشرح لهم الوضع الصحي الحرج للأسير المقت وطالب حكوماتهم بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لدفعها لتحمل مسؤولياتها بموجب القانون الإنساني الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان ذات الصلة.

وقبل ذلك كان مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة وجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بخصوص الوضع الصحي المتدهور للأسير المقت.

وكشف فيها أن إسرائيل تقدم معلومات كاذبة وغير دقيقة حول زيارات مندوبي الصليب الأحمر الدولي له برفقة الأطباء المختصين، موضحاً أن ظروف الاعتقال غير الإنسانية، وتعمد سلطات الاحتلال عدم تقديم العلاج الطبي للأسرى السوريين في الوقت المناسب هي التي أدت إلى وفاة الأسير السوري هايل أبو زيد عام 2005، ‏وأعرب المندوب السوري عن استعداد الحكومة السورية لتقديم العلاج اللازم للأسير السوري بشير المقت وعلى نفقتها الخاصة في أي بلد يتم نقله إليه.

هل تخرج إسرائيل من جلدها؟

التفاؤل في هذا السياق قليل إن لم يكن معدوما، إذ من غير المتوقع أن تخرج إسرائيل يوماً من جلدها الإرهابي غير الإنساني، جلدها الذي ينمو باستمرار مع نمو جرائمها بحق الإنسان والتاريخ والحرية، وتغير طبعها فتستجيب لمناشدات الضمير الإنساني وتطلق سراح الأسير بشر أو على الأقل تتوقف عن محاولة قتله، فتسمح بعلاجه بشكل عاجل، وعلى أمل أن يحدث شيء من هذا القبيل يبقى العزاء الأكبر بالنسبة لبشر في هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه أنه ليس وحيدا فعدد الأسرى والأسيرات العرب السوريين من أبناء الجولان المحتل في السجون الصهيونية، حالياً، 13 أسيراً وأسيرة أقدمهم أربعة اعتقلوا منذ آب 1985 ويصنفون ضمن أقدم 20 معتقلاً عربياً في السجون الإسرائيلية، ، وهم إضافة إلى بشر، صدقي المقت، عاصم الولي، سيطان الولي، موزعين على سجون ومراكز التوقيف ومعسكرات الاعتقال الإسرائيلية التي تزيد على العشرين، وفيها أسرى فلسطينيون وعرب آخرون منذ نحو ثلاثة عقود، وهي مدة لم يعرفها تاريخ أي معتقل أو سجن سياسي في العالم.

يقول تقرير فلسطيني للباحث عبد الناصر فروانة حول " الأسرى القدامى " ، إن هناك أسرى فلسطينيين وعرباً سجلوا أسماءهم بشكل فردي وجماعي في موسوعة غينيس في طول مدة اعتقالهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

وبين التقرير أن الأسير سعيد العتبة المعتقل منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولم يسبق لأي أسير سياسي أن أمضى مثل هذه الفترة، فحتى نلسون مانديلا لم يمض سوى 26 عاماً، وقاتل الرئيس الأميركي جون كينيدي أمضى 28 عاماً.

ومن بين الأسرى القدامى 232 أسيرا أمضوا أكثر من خمسة عشر عاماً، بينهم 73 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً وهؤلاء يطلق عليهم مصطلح عمداء الأسرى، ولم يسبق أن سجلت تجارب الشعوب، تجربة جماعية لأسرى سياسيين بهذا العدد وقد أمضوا بشكل جماعي أكثر من عشرين عاماً في الأسر.

قياسا إلى أعداد الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية لا يشكل أسرى الجولان رقماً يذكر لكن قياساً إلى أوضاعهم الإنسانية السيئة وإلى حجم التجاهل الإعلامي الكبير، وحجم التعتيم الصهيوني عليهم يمكن القول إن الأسرى العرب السوريين في سجون الاحتلال الإسرائيلي هم الأكثر ظلماً وقهراً على الإطلاق، إضافة إلى الأوضاع السيئة للأسرى والمعتقلين العرب عموماً في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، التي تشكل خرقاً فاضحاً لمواثيق جنيف ومعاهدات حقوق الإنسان، حيث الحكومة الإسرائيلية ومديرية ما يسمى مصلحة السجون مازالتا تمنعان عن الأسرى والمعتقلين حقوقهم وتمنحهم الحق الشرعي في أن يعيشوا حياة اعتقالية كريمة تلبي احتياجاتهم السياسية والصحية والغذائية والمعيشية والتربوية وذلك استناداً للقواعد التي تضمنتها اتفاقية جنيف الرابعة.

أدهم الطويل / جريدة الوطن