في الذكرى الأولى لاستشهاد الأسير السابق

الشهيد أيمن فروانة كما عرفته...

بقلم الأستاذ ممتاز مرتجى

12 أكتوبر

هو الشهيد أيمن محمد صالح فروانة صاحب القلب الطيب والابتسامة الواسعة والعقل المستنير...اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون من شهداء شهر رمضان المبارك , وان يكون من الذين تستقبلهم الجنة والحور العين حيث ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال " تتزين الجنة من العام للعام , فإذا كان رمضان تقول الجنة اللهم اجعل لي من عبادك الصائمين سكانا , وتقول الحور العين اللهم اجعل لي من عبادك الصائمين أزواجا "... فهنيئا لك يا أيمن...يا أبا محمد...فلقد فزت بهذا الاصطفاء...وفزت بهذه المكرمة لتكون في الجنة بإذن الله مع الحور العين.

الشهيد أيمن فروانة هو جار وصديق عزيز وهو من سكان حي الشجاعية ومن مواليد عام 1966, وقد بدأ حياته في المساجد في رحاب الدين وعلى موائد القرآن...تربى على يديه العديد من الأطفال فحفظوا آيات الكتاب وأتقنوا تفسيرها...كان الشهيد أيمن رجلا عصاميا متفانيا في خدمة دينه ووطنه...فلم يكن يضيع ثانية واحدة من حياته دون عمل أو إنتاج...لم يعرف التقاعس أو الركون ولا للحظة واحدة...كان يوفق بشكل عجيب بين عمله لرعاية أسرته وبين حياته العلمية... ولم يحل ذلك من إكمال دراسته الجامعية حيث حصل على درجة البكالوريوس في الجغرافيا...ولم يقف طموحه عند هذا الحد...بل أكمل دراسته العليا وحصل على درجة الماجستير في أصول التربية...

وبعدها أصبح محاضرا بنظام الساعة ...ثم لم يقف عند هذا الحد أيضا بل سافر إلى جمهورية مصر العربية والتحق بمعهد البحوث الدراسات العليا وسجل لإكمال دراسة الدكتوراة في العلوم التربوية إلا أن المنية عاجلته نتيجة للقصف الغادر الجبان على بيته في حي الشجاعية بعد صلاة عشاء يوم الخميس 20رمضان 1427الموافق 12اكتوبر 2007حيث استشهد في هذا القصف اثنين من المارة هما الشهيد أسامة الحرازين وابنته إيمان...وقد كان الشهيد أسامة عائدا هو وابنته بعد أن اشترى لها دواءا من إحدى الصيدليات ليكونا مع موعد مع القدر" فإذا جاء اجلهم فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون "...وقد كان هذا القصف الذي استشهد فيه أيمن يستهدف كما قالت وسائل الإعلام أخاه اشرف ..وقد أصيب أيضا في هذا القصف العديد من أسرته ومن المارة.

كان الشهيد أيمن من دعاة الوحدة الوطنية وهو الذي ابتدأ حياته السياسية والدينية كعضو في حركة حماس وكان له تاريخ نضالي مشرف في انتفاضة عام 1987حيث اعتقل لعدة سنوات وكان يومها طالبا في قسم الجغرافيا في الجامعة الإسلامية...كان الشهيد أيمن فروانة رجلا سمحا تشعر مع بالارتياح في الحديث والمعاملة...كان محبا لكل الناس...كما كان له رؤية سياسية مرنة ...فلم يعرف التعصب أو الحزبية بل كان يرى بان الوحدة الوطنية والإسلامية هي صمام الأمان الذي يقي شعبنا شرور الحزبية والخلافات والحرب الأهلية...وعندما كانت التنظيمات المعارضة لأوسلو ولسلطة الحكم الذاتي حيث لم يكن هناك سياسة محددة ترسم ملامح العلاقة مع هذا الواقع الجديد...حيث جاءت متأخرة فكرة إنشاء حزب الخلاص الإسلامي وكذلك لجوء حركة الجهاد الإسلامي لأخذ تصريح للعمل العلني باسم الجماعة الإسلامية / اتحاد الشباب الإسلامي الفلسطيني... وكان ذلك طبعا للخروج من حالة التوتر التي حدثت بين المعارضة والسلطة لا سيما بعد الاعتقالات التي تمت من قبل السلطة لأعضاء من حماس والجهاد الإسلامي وكنت أنا واحدا من هؤلاء الذين تم اعتقالهم...وأيا كان الأمر فقد كان لابد من إيجاد صيغة ما توجد هذه اللقاءات... فأصبح بعد ذلك لقاءات لرأب الصدع وحل المشكلات التي قد تنشا بين الفصائل من خلال لجنة المتابعة الوطنية والإسلامية...وأصبحت المعارضة لا تجد حرجا من الجلوس مع كوادر من السلطة وعلى رأسها الأخ الرئيس أبو عمار رحمه الله ثم تواصلت هذه اللقاءات مع الأخ الرئيس أبو مازن....

في أثناء تلك الفترة كان الشهيد أيمن احد المؤسسين لحزب الاتحاد الوطني الإسلامي بقيادة الشاعر والروائي خضر محجز الذي عين يومها كمدير عام في وزارة الثقافة...أما أيمن فلقد عمل في جهاز المخابرات العامة وحصل فيما بعد على رتبة نقيب...ولقد كانت الفكرة التي انطلق منها الحزب كما صرح مؤسسوه والذين التحقوا فيما بعد لهذا الحزب تنطلق من الوحدة الوطنية والإسلامية...فحاول هذا الحزب أن يوجد أجواءا من الهدوء والتداخل والتفاعل بين ما هو وطني وما هو إسلامي...وقد تعارف الجميع على أن كلمة وطني تطلق على الفصائل الغير إسلامية – أى التي لا تنطلق في رؤيتها من منطلق ديني وهذا لا يعنى أنها تنظيمات وحركات غير مسلمة...حيث يوجد ثمة فرق بين مصطلح إسلامي وبين كلمة مسلم...فالمجتمع الفلسطيني معظمه مسلم ولكن ليس كله حركات إسلامية.

هذه هي الفكرة التي ناضل الشهيد أيمن من اجلها...الوحدة الوطنية والإسلامية والتي باتت مطلبا للشعب الفلسطيني في خضم هذه المواجهات المؤسفة التي راح ضحيتها العديد من أبناء شعبنا الباسل الذي رفض دوما مثل هذه الصراعات التي لا تخدم قضية شعبنا بل لا تأت إلا بمزيد من التنافر والبؤس...وهذا هو دم الشهيد أيمن يصرخ في الجميع...دعوا التناحر...دعوا التنافر...دعوا الشقاق...دعوا الفتنة وتوحدوا ووجهوا سلاحكم لعدوكم الحقيقي فان كل قطرة دم تسيل على يد فلسطيني أيا كان لونه أو فصيله هي خسارة لنا جميعا.

وأخيرا لا نملك إلا أن نقو رحمك الله يا شهيدنا... أيها الرجل الطيب والشجاع...يا صاحب الكلمة الطيبة والعقل المستنير ... فهنيئا لك الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والهم الله اهلك وذويك الصبر يا أبا محمد يا رجلا عز فيه الرجال!