استغاثة يردها الصدى.. لأسيرات فلسطين
بقلم: آمال أبو خديجة
11-7-2011
إن المرأة الفلسطينية الأسيرة، كانت وما زالت تقدم الكثير من عطائها لأجل قضيتها وحرية شعبها، فخاضت معركة السجون، لتكون أسيرة بين يدي السجان الظالم، فقدمت زهرة شبابها وعمرها، وأحلامها وأمنياتها الأنثوية، ودفعت بجسدها الضعيف والرقيق، لتصد به كيد المحتلين ومكرهم لفلسطين، أقبلت على العطاء دون أن تنتظر شيئا، إنما سعت لتطلب شكر الإله، وتبتغي مرضاته وتدخل السرور على قلوب الناس، عندما ترى وطنها تحرر من خلال تضحياتها وصبرها، فاندفعت بدوافع الإيمان القوي بعقيدتها وقضيتها العادلة، للمقاومة إلى جانب الرجل، لتقف إلى جواره في عطائها، فتركت بصمة للأمل والتضحية في كثير من مواقفها.
وكل يوم تتوالي استغاثات الأسيرات عبر الصحف ووسائل الإعلام، يتوسلن للمسؤولين وكل من يسمع النداء، لتمد لهن يد العون والنجاة، لسماع أصواتهن، ولتذكر أن هناك أجساد منهكة، لا تجد للراحة والأمن حياة، تحلم بالأمل في قلوب الناس، لتحريرهن من قبضة السجان، والذي زاد من إحكامها مؤخرا، وبدأ يتفنن في أساليبه وأدواته، لأجل أن يحقق رغبات النفس المريضة، التي لا تعرف للكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان معناً ولا سبيلا، فتصدع حناجرهن بتلك المعاناة الدائمة، التي لا يمكن أن تتحملها أي قدرات نفسية ولا جسدية، فكيف بأجساد النساء التي أنهكها السجان بظلمه.
فاستغاثة الأسيرة "عبير عودة" من مدينة طولكرم، التي نشرت في الصحف المحلية، نداءها واستغاثتها بكلمات مخنوقة، تذوقتها بغصص الألم الشديد، تتوسل بآهاتها وألمها المحاصر لذاتها، ووجودها وبقائها على قيد الحياة، تطل بصوتها من حفرة الموت الأخير، لعل أحد من المسئولين وأصحاب القرار أن يمد يده إليها، ليمسك معصمها وينتشلها، قبل أن يتساقط التراب عليها، فيخفي معالم وجودها، تناجي بصوت الحياء والأنوثة، فتعبر عن حقارة السجان وأساليبه الدنيئة، التي يلقيها على جسدها، وجسد جميع الأسيرات في داخل السجون الظالمة، تصف ألمها الجسدي الذي أرهقها، منذ أن ألقيت داخل السجن، رغم أنها كانت سليمة ومعافاة قبل اعتقالها، ويأبى السجان المنكسر المهزوم، أن يقدم لها حبة دواء للشفاء والعلاج، بل يتلذذ في رؤية جسدها المتلوي، بالألم من خلال كاميرات المراقبة، فتتعالى الضحكات الوسخة على صراخ ألمها، وتصف كيف يتعمد هؤلاء السجانين لإصابتها بالمرض النفسي والأوهام النفسية، وكيف يحاول أن يجعلها تشك بذاتها وبمرضها، فيوهمها أنها ليست مريضة ولا تعاني شيئا، إنما هي الأوهام التي تعيش في داخلها، منكرا عليها كل علامات المرض الظاهرة، على ملامح جسدها المنهك، الذي لا يقدر على الوقوف أو الحراك، نتيجة المرض والضعف، وكل ذلك لأجل أن لا يقدم لها العلاج، بل أن الطبيب الذي يدّعى أن يقدم العلاج، تصفه أنه ليس له علاقة بالطب وأهله، حيث يتعمد أن لا يشخصها، ولا يعطيها شيئا، فلا رحمة إنسانية لديه، والتي من الواجب أن يتصف بها الأطباء، وأن يتخلقوا بآداب مهنية، وحياديتهم مع المرضى.
ثم تصف حال تعذيبها، وكيف يتم ربطها وإيقافها لساعات طويلة، وكيف تربط من عنقها
لتجر كأنها ليست من البشر، وهم يرمقونها بنظراتهم الميتة، مستهزئين ساخرين، يصرخون
عليها بأصواتهم الخائنة، ووصفها بالإرهابية، وأنها تفعل المشاكل وتقلق أمنهم
ومستقبلهم، وكيف يتم حرمانها من تناول الطعام والشراب لساعات طويلة، وعندما يلقى
لها يكون بطريقة خارج عن كرامة الإنسان، فتأبى نفسها تناوله، وتشرب الماء للتحفظ
حياتها، ومع اشتداد ذلك الألم الجسدي والنفسي، انهارت قوتها، وما عاد الجسد يقدر
على المقاومة، ولعله يستسلم للمصير الأخير، وينطق الشهادة وينسحب من العالم الأرضي،
لتصعد الروح إلى عالم السماء.
فتمد تلك الأيدي النجسة للإمساك بجسدها، ليلقى على مسطح خشبي، لينظر إليها كيف
يتصاعد الألم من داخل أحشائها، تراقبها نظرات الحقد الأسود، لتعيدها لكرتها الأولى
مع العذاب، فلم تشبع نفوسهم السادية، مما أوقعته من ألم ومعاناة عليها، حتى أفقدها
وعيها، ليعيدها من جديد إلى ذلك الحصار، الذي لا ينتهي ما دامت الأنفاس في الجسد.
ومن جوارها وليس بعيد عنها، تصارع الأسيرة "أحلام التميمي" بمعركتها ضد السجان،
الذي يمارس أشد أنواع الظلم والقهر والعدوان، فقد أعلنت بقوتها وجلدها، مقاومتها
لإدارة السجن وسجانيه، لتجبرهم أن يعترفوا بكرامتها وحرمتها، وكرامة جميع الأسيرات
وحرمتهن، فبدأت معركة قاسية بأمعائها لتعلن إضرابها عن الطعام، للدفاع عن ستر
جسدها، وستر أجساد جميع الأسيرات، من قبل عدوان السجانين، بفرضهم التفتيش العاري
عليهن داخل الغرف، دون مراعاة للقيم والأخلاق والعقائد الدينية، وكل ذلك لدوافع كسر
نفوسهم، وإصابة ذواتهن بزيادة الألم، فعلى ماذا يبحث هؤلاء السجانين داخل أجساد
النساء، وماذا سيكون في داخل أجسادهن المقيدة، المحرومة من كل الحقوق الإنسانية، هل
يفتشون عن عظام تلك الأجساد، لعلها تحولت لبنادق وسكاكين لموتهم.
وترفض "أحلام التميمي" بشموخها وغيرتها على نفسها، وباقي الأسيرات ذلك الأمر
المشين، فالموت يطيب مع شرف الكرامة والستر، فتعاقب من قبل السجن بالعزل الانفرادي،
لكسرها أوامره، وتمردها على قراراته، فيكون قرارها بالإضراب عن الطعام، لتجبر
السجان على التراجع، وإرغامه على حفظ كرامتها الأنثوية، وكرامة جميع النساء
الأسيرات، لعلها تُسمع بصوتها المتمرد، من يستجيب النداء، ويأتي المغيث، ولعل صوتها
لا يعود صدى، فتسمع الآذان ولا تصم، ويستيقظ الضمير الإنساني، فيصرخ معها في وجه
السجان الظالم.
وفي ظل استغاثات وصرخات الألم المتعالية من داخل تلك الزنازين النتنة، والتي لا تكاد تحفظ لحي حياته، ومع استمرار الصبر في النفوس، ورفع الابتهال إلى السماء، ففرج الإله قريب، تبقى النظرات ترقب من يغيث، ومن يقدم بجرأته على كسر القيود، وتحرير النساء وردهن لخدرهن الجميل. فهل رقت القلوب لكلماتهن وتضحياتهن، وهل نتعايش مع ظروفهن، فهل من هبت المعتصم المغيث، ليفك قيود معاصمهن، أين النخوة العربية التي تلبى النداء، لاستغاثة امرأة كشف سترها، فنادت واه معتصماه، فهب إليها يقطع المسافات، ولا يبالي بأي قوة تصده، ولا بأي جرح يصيبه، فعزة وكرامة النساء وسترهن، من كرامة الأمة وعزتها، فلا خير في قوم ذلت نسائهم، وكشف سترهن، وهانت عليهم معاناتهن، ولم يستجيبوا لصرخاتهن.
فإلى متى ستبقى تخرج تلك الصرخات، فلا يجيب لها إلا صدى صوتها، فيعاد إلى ذاتها، ليذكرها أنك وحدك وأهلك من يعاني قهر السجن وظلماته، وأن القليل من الناس قد أهمهم ما تعانيه، وباقي الناس انشغلوا في جمع مالهم ورزقهم، وذهبوا بعيدا مع اللهو واللعب، وأن كل من دفع بنفسه للنضال والمقاومة، فليبقى يدفع ثمن نضاله وحده، لأنه هو من اختار لنفسه ذلك الأمر، ولم يدفعه بالإجبار والإكراه أحد، فهل استجاب أحد من المسئولين لتوسلاتهن واستغاثتهن، وهل استجاب الشعب كله ليخرج متمردا على الاعتداء على ستر نسائهم، فلكن الله يا أسيرات فلسطين، فما عليكن إلا أن تزدن من رفع الأكف إلى السماء، وأن تبتهلن إلى الله، فغيث السماء أسرع وأقرب، ولا يرد الطلب من قلب صدق النداء.
* كاتبة فلسطينية- رام الله. - bnitalislam@yahoo.com