أهالي الشهداء الأسرى .. آمال وترقب وقبور مفتوحة تنتظر أصحابها!

 

صحيفة الأيام -7-7-2008- كتب حسن جبر:

"لم يبلغنا أحد أن ابننا سيكون ضمن الجثامين التي ستسلمها إسرائيل في إطار صفقة التبادل مع حزب الله اللبناني"، بهذه الكلمات اختصر نافذ أحمد الملفوح معاناة أهالي الأسرى الشهداء الذين تحتجز إسرائيل جثامين العشرات منهم منذ سنوات، وترفض تسليمها لأصحابها.

قال الملفوح: نشعر بالحيرة، ونعيش على أمل أن يعود مؤمن إلى غزة ليدفن فيها مثلما كان يحلم دائماً.

وتابع: استشهد مؤمن مع رفيقه حسني بشير الهسي، خلال تنفيذهما عملية عسكرية في مستوطنة "دوغيت" العام 2004، ومنذ ذلك الوقت تحتجز إسرائيل جثمان مؤمن ورفيقه وترفض إعادتهما إلى غزة.

الحديث عن قرب الإفراج عن جثث الشهداء الأسرى ضمن صفقة حزب الله أحيا آمال عائلة الملفوح في غزة، وقال الأب بتأثر بالغ "نحن بانتظار عودة مؤمن على أحر من الجمر، لنقيم له جنازة تليق به".

وأضاف: عندما سمع أصدقاؤه بقرب الإفراج عن جثمانه واصلوا سؤالنا عن آخر الأخبار.
وكان مؤمن يدرس السنة الأولى في جامعة الأزهر حين انضم إلى المقاومة ونفذ عملية عسكرية داخل مستوطنة إسرائيلية قبل الانسحاب من غزة.

مؤمن كان يعرف أنه سيستشهد في أية لحظة كما قال والده، لهذا اختار له قبراً قبل استشهاده بأيام.

ويقول الوالد: بعد استشهاده علمت أنه اشترى قبراً لنفسه، وما زال القبر في انتظار صاحبه.

وحاولت عائلة الملفوح استعادة جثمان ابنها بعد استشهاده إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، وواصلت إسرائيل احتجاز الجثمان كما تفعل مع جثامين المئات من الشهداء الذين قضوا في مواجهات واشتباكات عسكرية مع قوات الاحتلال.

ويقول الملفوح: ذهبت إلى عدة جهات لكن أحداً لم يستطع أن يفعل شيئاً، وواصلت الانتظار.

وتابع بحزن: أشياؤه الخاصة ما زالت كما هي في المنزل، ربما تنتظر أن يعود محمولاً على الأكف.

قصة عائلة الملفوح تلخص مئات القصص لعائلات داخل فلسطين وخارجها، تعيش على أمل أن تحتضن جثامين أبنائها المدفونين في مقابر الأرقام داخل إسرائيل.

يذكر أن إسرائيل بدأت منذ سنوات طويلة الاحتفاظ بجثامين الشهداء كنوع من العقاب لعائلاتهم وحرمانها من دفنهم بشكل لائق، وحافظت إسرائيل على سرية كبيرة في هذه العمليات إلى أن انكشف هذا الأمر قبل سنوات.

ويقول مراقبون ومتابعون لهذا الشأن إن إسرائيل دفنت أعداداً كبيرة من الشهداء الفلسطينيين والعرب فيما يزيد عن أربع مقابر رئيسية، وقبل أشهر شكل نشطاء فلسطينيون لجنة للمطالبة بالإفراج عن جثامين الشهداء الأسرى من مقابر الأرقام الإسرائيلية.

ويسعى هؤلاء النشطاء إلى الضغط على إسرائيل من أجل إعادة رفات الشهداء إلى ذويهم ودفنهم في مكان لائق وضمن التعاليم الدينية التي يؤمنون بها.


غياب الجثامين من صفقات التبادل

وقال نشأت الوحيدي، منسق لجنة أهالي الشهداء الأسرى في مقابر الأرقام إن اللجنة انبثقت من الحركة الشعبية لنصرة الأسرى والحقوق الفلسطينية بهدف المطالبة بإطلاق سراح جثامين الشهداء الأسرى.

وأضاف: نطالب بإطلاق سراح الجثامين التي للأسف لم تشملها معظم صفقات تبادل الأسرى التي تتم مع إسرائيل.

واعتبر الوحيدي ما تقوم به إسرائيل من الاحتفاظ بالجثامين جريمة حرب، واتهمها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والدين أثناء مراسم دفن الشهداء.

وقال: بدأت إسرائيل مؤخراً في لف جثامين الشهداء بجلود الخنازير اعتقاداً منها أن جلد الخنزير يمنع دخول الشهيد الجنة.

ولم تتسلم لجنة أهالي الشهداء الأسرى حتى الآن أية معلومات من أية جهة تؤكد قرب الإفراج عن هذه الجثامين، وفقاً لتأكيدات الوحيدي، الذي قال إن صفقة حزب الله بشأن الأسرى والجثامين ما زالت غير واضحة، ولم يصلنا أي شيء مؤكد بشأن الأعداد والأسماء، ولا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الجثامين التي تحتجزها إسرائيل، إلا أن عددها يفوق الـ 400 شهيد، 88 منهم من غزة.


أحكام بسجن الجثامين

وأضاف في حديث لـ "الأيام" إذا أضفنا إلى عدد شهداء مقبرة الأرقام المفقودين يصل العدد إلى أكثر من ألف شهيد ومفقود.

يشار إلى أن تسمية مقابر الأرقام جاءت بسبب قيام إسرائيل بدفن الشهداء في مقابر مجهولة وإعطاء كل واحد رقماً خاصاً.

وأصدرت إسرائيل أحكاماً بالسجن بحق عدد من الجثامين، ووصلت العقوبة إلى ما يزيد على عشرين عاماً، مثل الشهيدة دلال المغربي التي تحتجز إسرائيل جثمانها منذ استشهادها في الحادي عشر من شهر آذار العام 1978.


احتجاز الأموات .. جريمة أي جريمة؟

وقال عبد الناصر فروانة، الباحث المختص بقضايا الأسرى إن سلطات الاحتلال لم تكتفِ باعتقالها واحتجازها الأحياء بل امتدت جرائمها لتعتقل وتحتجز الأموات.

وتابع: باتت سياسة احتجاز جثامين الشهداء جزءاً أساسياً من سياستها في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب، لافتاً إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمارس سياسة معاقبة الإنسان بعد موته.

وتعمدت إسرائيل منذ بداية احتلالها للأراضي الفلسطينية العام 1967 معاقبة الشهداء بعد موتهم وحرمانهم من دفنهم.

ولا يقتصر احتجاز جثامين الشهداء على منفذي العمليات أو من استشهدوا خلال اشتباكات مسلحة، بل تحتجز قوات الاحتلال أيضاً جثامين عدد من الشهداء الذين اغتالتهم وحداتها الخاصة، أو ممن توفوا في سجونها، وما زالت تحتجز عشرات الجثامين لشهداء فلسطينيين وعرب سقطوا في ظروف مختلفة، وتلك الجثث تُحتجز في ثلاجات أو في مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة ويمنع زيارتها أو الاقتراب منها أو حتى تصويرها، وهي خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع.


مقابر مزدحمة

وقال فروانة في حديث لـ "الأيام" إن المقابر تزدحم بعشرات الأضرحة، مؤكدا أنها عبارة عن مدافن بسيطة أحيطت بحجارة دون شواهد، مثبت فوقها لوحات معدنية تحمل أرقاماً بعضها تلاشى بشكل كامل، وهي غير معدة بشكل ديني وإنساني كأماكن للدفن.

وتابع: كل شهيد يحمل رقماً معيناً، ولهذا سُميت بمقابر الأرقام، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولة، يشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد، وتلك المقابر تضم أرشيفاً طويلاً وتتسع للمزيد وقابلة للتوسع.

وأكد أنه خلال السنوات الأخيرة جرى الكشف عن أربع مقابر للشهداء، معظمها داخل أراضي العام 1948.

مبررات إسرائيل لاحتجاز الجثامين

وقال فروانة إن إسرائيل لجأت للعديد من المبررات لمواصلة احتجازها للجثامين، فتارة تدعي أنها تحتجز الجثامين حتى الانتهاء من تشخيصها، وتارة تدعي أنها تحتجزها للفحص، مؤكداً أن ادعاءات إسرائيل باطلة لأن التشخيص والفحص لا يتطلبان احتجاز الجثامين لسنوات عدة.

وسبق لحزب الله أن استعاد العام 2004 جثامين تسعة وخمسين مواطناً لبنانياً، والكشف عن مصير أربعة وعشرين مفقوداً لبنانياً.

كما سبق أيضاً أن استعادت السلطة الوطنية العام 2005 رفات خمسة عشر استشهدوا خلال تنفيذهم هجمات ضد مواقع وأهداف إسرائيلية.


السجون السرية ومقابرالأرقام .. ترابط وثيق

وأكد فروانة وجود ترابط وثيق بين السجون السرية الإسرائيلية ومقابر الأرقام السرية، لافتاً إلى أن مئات الأسرى الفلسطينيين والعرب الذين اختفوا منذ سنوات واعتبروا في عداد المفقودين، إما أن يكونوا قد اختفوا في السجون السرية وإما يقضون حكماً بالسجن لسنوات في ثلاجات الموتى، وإما دفنوا في مقابر الأرقام السرية للأبد.

وطالب فروانة الجهات المختصة في السلطة الوطنية بتفعيل ملف الجثث المحتجزة داخل إسرائيل، وإعادة الجثامين المحتجزة داخل الثلاجات ومقابر الأرقام إلى أهلها لدفنها وفقاً للشريعة الإسلامية.

ودعا آسري الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت لأن يضيفوا إلى مطالبهم إعادة رفات مئات الشهداء المحتجزين لدى إسرائيل.

كما دعا فروانة إلى تحرك دولي للكشف عن مقابر الأرقام السرية التي تفتقر إلى الحد الأدنى من المقومات اللائقة دينياً وإنسانياً، خاصة وأن الكلاب المتوحشة تجول في هذه المقابر وتنهش جثث الشهداء.

المصدر / صحيفة الأيام الفلسطينية

الإثنين 7-7-2008