في الذكرى الـ19 لاستشهاد المعتَقَلين الشوا والصمودي
معتقل أنصار3 الصحراوي يشهد ظروفاً معيشية في غاية السوء
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
16-8-2007
في مثل هذا اليوم وقبل تسعة عشر عاماً استشهد المعتقلان أسعد الشوا وبسام الصمودي في معتقل النقب الصحراوي بعد أن أطلقت النار عليهما مباشرة ، خلال احتجاج المعتقلين على ظروف اعتقالهم ورفضهم لأوامر الإدارة ، ولأن الذكرى تحمل في ثناياها الكثير من المعاني والدلالات كان لا بد لنا من وقفة .
تاريخ المعتقل
ففي السابع عشر من آذار من عام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين ، افتتحت سلطات الإحتلال معتقل " كيتسعوت " الذي أسماه المناضلون الفلسطينيون أنصار 3 ، لإستيعاب الأعداد الهائلة من المواطنين الذين اعتقلتهم قوات الإحتلال في محاولة فاشلة لقمع انتفاضة الفلسطينيين الأولى التي اندلعت في التاسع من ديسمبر من العام 1987 .
و يقع ذاك المعتقل في جنوب فلسطين في صحراء النقب ، في منطقة عسكرية مغلقة ، خطرة و ملاصقة للحدود المصرية ، وهو بالأساس معسكر للجيش الإسرائيلي يجرى بداخله التدريبات العسكرية وتم انشاء المعتقل بداخله ، و يخضع لإدارة الجيش العسكرية مباشرة ، وهو عبارة عن معسكر مقام على مساحة كبيرة ومقسم الى عدة أقسام ، وفي كل قسم عدة خيام يحيطها أسلاك شائكة وسياج مرتفعة وبين كل قسم وآخر ممرات للجيش وأبراج مراقبة ويتجول الجنود بين الأقسام وهم مدججين بالسلاح ، ويتسع بأقسامه المختلفة لأكثر من عشرة آلاف معتقل ، وبمجرد أن يصل المعتقل يتسلم رقماً يتم التعامل به بدلاً من اسمه حتى لحظة تحرره ، ولا بد من الإشارة هنا بأنه قد تم إغلاقه عام 1996 لكن ذكرياته المريرة بقيت مفتوحه في ذاكرة كل نزلائه ، وقدر عدد نزلائه في الفترة ما بين( 1988- 1996 ) إلى قرابة مائة ألف معتقل ، فيما أعيد افتتاحه من جديد في نيسان عام 2002 ، و لذات الأهداف وفي محاولة فاشلة للقضاء على انتفاضة الفلسطينيين الثانية " انتفاضة الأقصى " .
وحسب معلوماتنا فان قائده الأول " ديفيد تسيمح " وهو كولونيل في سلاح الهندسة في الجيش والذي استمر في قيادته للمعتقل لأكثر من عامين ، هو من صممه وصمم من قبله معتقل أنصار 1 ، في قرية أنصار في جنوب لبنان .
بعد شهر من افتتاح كنت أحد نزلائه
كان أكثر قسوة من معتقل " أوشفيتز " الذي أقامه النازيون خلال الحرب العالمية الثانية
وفي نيسان عام 1988 ، أي بعد شهر تقريباً من افتتاحه كنت أحد نزلائه رهن الإعتقال الإداري في أقسام " كيلي شيفع " ، وكنت قد سمعت وقرأت من قبل عن سجون ومعتقلات كسجن الباستيل في فرنسا و أوشفيتز الذي يعتبر أكبر وأقسى معتقل أقامه النازيون خلال الحرب العالمية الثانية ومورس بداخله أفظع الجرائم ، ومع مرور الأيام والأسابيع شعرت أنني أعيش في إحدى معتقلات النازية ، فلا فرق ما بين ما قرأته ، وما بين الواقع المرير الذي أحياه ، فالمأكل شحيح وعفن والماء عكر ومتسخ والمنام مؤلم جداً والملابس معدومة ، والعلاج حبة الأكامول وكأس الماء ، والمعاملة حدث ولا حرج ، وقائمة الممنوعات تطول وتطول ، وعزل تام عن العالم الخارجي ، وتفتيش عاري ، وارهاب منظم تمثل بتدريب الجيش بين الخيام وتسليط البنادق على المعتقلين ، و" قمعات " بلغة المعتقلين ، أي اقتحامات لأتفه الأسباب ويحضرني هنا " قمعة " لن أنساها وكانت بهدف البحث عن " قداحة " ، وعقابات بالجملة ، و في مارس 1990 ابتكرت العقلية الإسرائيلية " الأقفاص " وهي عبارة عن أقسام يحيطها جدران الباطون من كل الإتجاهات وسقفها من الأسلاك ذو الفتحات الصغيرة و...إلخ فكل ما تتخيله وما سمعته عزيزي القارئ من إجرام وارهاب ومعاملة قاسية عما كان يمارس في معتقلات النازية ، كان يطبق معنا في معتقل أنصار 3 ، علاوة على ذلك طبيعة الجو الصحراوي ، حيث ترتفع درجة الحرارة صيفاً وتصل نهاراً إلى 48 درجة ، فتصلي أشعة الشمس الأجساد وتحرقها ببطء ، أما في فصل الشتاء فتنخفض درجة الحرارة ليلاً لتدخل البرودة العظام ، ويحضرني في هذه الأثناء تلك الفترة العصيبة ، وأقسم بالله أن المعاناة تفوق الوصف ، وتحتاج لكاتب محترف أو لشاعر مبدع ومتميز ليصف ما كان يجري آنذاك .
الفلسطيني أينما وجد لم ولن يقبل بالظلم والإضطهاد
وللإنصاف فالإنسان الفلسطيني أينما كان ، لم ولن يقبل بالظلم والإضطهاد ، وهو يعكس صورة الشعب الفلسطيني المشرقة ، الذي رفض الإحتلال وناضل ويناضل من أجل استرجاع حقوقه الوطنية والتاريخية ، والمعتقلون منه لم ولن يقبلوا بظلم وقمع إداراة مصلحة السجون ، وناضلوا وضحوا واستشهد العشرات منهم من أجل كرامتهم و حقوقهم الإنسانية الأساسية ، ولم ترهبهم آلة القمع ولا قسوة السجان ، واستطاعوا أن يجعلوا من المعاناة حافزاً للتطور والتقدم ، وانتفضوا وتعملقوا وعملوا على ترتيب أمورهم وأوضاعهم التنظيمية والثقافية والنضالية وخاضوا العشرات من معارك الأمعاء الخاوية والخطوات الإحتجاجية والنضالية واشعلوها ثورة ، وسطَّروا صفحات مضيئة ، وهم كالشموع التي أُضيئت في ليلٍ دامس .
معتقل النقب ينتفض ويقدم شهيدان
وفي السادس عشر من آب عام 1988 ، أي بعد حوالي خمسة شهور فقط على افتتاح المعتقل ، كانت أولى المواجهات الكبيرة مع إدارة المعتقل ، حينما احتج قرابة ألف وخمسمائة معتقل في قسم " ب " على ظروف اعتقالهم ، وتمردوا على السجان وعلى أوامر إدارة المعتقل القمعية ، وضج المعتقل بأقسامه المختلفة بالهتاف والنشيد والتكبير وقذف المعتقلون كل ما يقع تحت أيديهم على الجنود من حجارة وصواني بلاسيكية وأحذية ، فما كان من إدارة المعتقل المدججة بالسلاح ، إلاّ قمعهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات والرصاص الحي من أسلحة أتوماتيكية ، واستشهد في هذه الهبة المعتقلان أسعد جبرا الشوا من مواليد غزة عام 1969 ، والشهيد بسام ابراهيم الصمودي من مواليد قرية اليامون عام 1958 ، بعد إصابتهما بعدة أعيرة نارية ، كما وأصيب العشرات من المعتقلين ما بين إصابة متوسطة وبسيطة .
ووفقاً لشهود عيان فان المدعو " ديفيد تسيمح " قائد المعتقل هو من بدأ باطلاق النار حينما انتزع بندقية جندي كان يقف بجواره وأطلق النار مباشرة ومن مسافة قريبة على المعتقل اسعد الشوا ليسقط مدرجاً بدمائه ، ومن ثم أصيب الشهيد بسام برصاصة قاتلة في القلب .
وبالرغم من استشهاد ثمانين معتقلاً منذ العام 1967 وحتى ذاك التاريخ ، ( أما الآن فقد وصل عدد شهداء الحركة الأسيرة الى 190 شهيداً ) ، إلا أن استشهاد المعتقلين الشوا والصمودي هو الأبرز و يعتبر الأول من حيث كيفية الإستشهاد ، فهي المرة الأولى التي يستشهد فيها معتقلين جراء إطلاق الرصاص الحي عليهم ، وبالمناسبة تصادف هذا الحدث مع وجود مندوب الصليب الأحمر الدولي الذي كان في زيارة للمعتقل ورأى كل شيء لكنه لم يفعل شيء ، وللأسف لم تتوقف هذه السياسة ، ـ أي سياسة اطلاق الرصاص على المعتقلين ـ ولم يتم تسليط الضوء عليها بالقدر الذي تستحقه ولهذا استمرت ، واستمر إطلاق الرصاص على المعتقلين لأتفه الأسباب ، الأمر الذي أدى فيما بعد لإستشهاد أربعة معتقلين آخرين بنفس الطريقة وفي معتقلات أخرى ، ليصل عدد من استشهدوا من المعتقلين جراء إطلاق الرصاص عليهم إلى ( 6 ) معتقلين .
ثمانية شهداء في معتقل أنصار 3
أما في معتقل النقب الصحراوي ، أنصار3 ، فلقد وصل عدد الذين استشهدوا بداخله لأسباب مختلفة إلى ( 8 معتقلين ) وهم :
- أسعد جبرا الشوا من مواليد 1969 ومن سكان حي الشجاعية بمدينة غزة واستشهد بتاريخ 16/8/1988
- بسام ابراهيم الصمودي من مواليد 1958 وسكان قرية اليامون واستشهد بتاريخ 16/8/1988
- محمد صالح حسن الريفي مواليد 1933 ، من سكان مدينة غزة استشهد بتاريخ 10/8/1989م .
- حسام سليم هاني قرعان مواليد 1966 وهو من قلقيلية واستشهد بتاريخ 28/8/1990م .
- أحمد ابراهيم بركات من مواليد 1966 وسكان مخيم عين الماء القريب من نابلس واستشهد بتاريخ 5/5/1992م .
- أيمن ابراهيم برهوم من مواليد 1969 وسكان رفح واستشهد بتاريخ 27/1/1993م .
- جواد عادل عبد العزيز ابو مغصيب مواليد 1987من دير البلح بغزة واستشهد بتاريخ 28/7/2005 .
- جمال حسن عبد الله السراحين مواليد 1970 بلدة بيت أولا –شمال الخليل واستشهد بتاريخ 16/1/2007 .
المطالبة باغلاق المعتقل
واليوم وبعد تسعة عشر عاماً ، المعتقل لا زال قائماً ويشهد ظروفاً صعبة رغم ما طرأ عليه من تحسن إذا ما قورن مع بدايات افتتاحه ، نتيجة لنضالات وتضحيات المعتقلين .
وأعلن في آذار 2006 عن نقل السيطرة والمسؤولية عليه من إدارة الجيش إلى إدارة مصلحة السجون ، إلاَّ أن الحياة بداخله لا زالت مؤلمة ولم يطرأ عليها أي تغيير جوهري ، فالجيش مسيطر عليه وحراسه مدججين بالسلاح ، والطعام سيء كماً ونوعاً ، وزيارات الأهل نادرة ولا يسمح خلالها بادخال الملابس ، والمرضى يعانون من سياسة الإهمال الطبي وشحة الأدوية والمعاملة لا إنسانية وقاسية ، وفرض الغرامات المالية لأتفه الأسباب ، وأقدمت الإدارة في الآونة الأخيرة على الفصل التعسفي ما بين المعتقلين وتقطيع أوصالهم على أساس الإنتماء الفصائلي ، والعلاقة ما بين المعتقلين وإدارة المعتقل باتت شبه معدومة..إلخ ، فيبدو أن المسؤولية نقلت لإدارة مصلحة السجون ولكن السيطرة بقيت بيد الجيش ، ويوجد فيه الآن قرابة ( 2300 ) معتقل ، بينهم ( 700 ) معتقل إداري ، والأوضاع قابلة للإنفجار في أي لحظة .
وفي هذا الصدد نجدد دعوتنا للمؤسسات الدولية كافة حقوقية وإنسانية ، وخاصة الصليب الأحمر الدولي إلى إرسال مندوبيها للإطلاع عن كثب على الأوضاع المأساوية التي يعيشها المعتقلين هناك والتي تتناقض بشكل صارخ مع كافة المواثيق والأعراف والاتفاقيات الدولية ، كما وندعو كافة المؤسسات الفلسطينية التي تعنى بالأسرى وبحقوق الإنسان وبالإعلام إلى مساندة المعتلقين وتكثيف الجهود من أجل تسليط الضوء على معاناة المعتقلين هناك والضغط المتواصل من أجل إغلاقه فوراً . صور من داخل معتقل النقب
المجد للشهداء والشفاء للجرحى والحرية للأسرى