|
مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان
AL-DAMEER ASSOCIATION FOR HUMAN RIGHTS
ملف خاص حول
خصخصة السجون الإسرائيلية وأثر ها على المعتقلين الفلسطينيين لدي سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي
بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني 17 ابريل 2009
بالتعاون مع
أ. عبد الناصر فروانة
الباحث المختص بشؤون الأسرى
شارك في الإعداد أ. سامر موسى
محامي مؤسسة الضمير
سلسلة ملفات خاصة رقم (01)
مقدمة :-
مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان تحرص منذ زمن طويل على إصدار عدد ليس بالقليل من المنشورات والمطبوعات والبيانات التي تظهر المعاناة المتصاعدة للمعتقلين المدنيين الفلسطينيين لدي سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، هؤلاء المعتقلين أو من باتوا يُعرفوا في الأدبيات الفلسطينية باسم الأسرى تستمر قوات الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب الجرائم بحقهم.
تستمر دولة الاحتلال الإسرائيلي باعتقال ما يقارب (9000) معتقل فلسطيني وعربي يقبعون في أكثر من 20 سجناً ومعتقلاً ومركز تحقيق وتوقيف إسرائيلي يعيشون ظروفاً غير إنسانية وسيئة للغاية ، ويتعرضون لشتى أنواع العقوبات، ويذكر أن من بين هؤلاء المعتقلين قرابة (60 ) أسيرة ، وأكثر من مائتي طفل لم تتجاوز أعمارهم الثامنة عشر عاماً ، بل ومنهم من هم دون الخامسة عشر عاماً .
في هذا الصدد، وخلافا لقواعد اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ارتكبت دولة الاحتلال انتهاكات توصف على أنها جسيمة بحق المعتقلين الفلسطينيين من خلال استمرارها في شن حملات اعتقال يومياً تطال العشرات من المدنيين بمن فيهم أطفال ونساء ، واستمرار محاكمها العسكرية بإصدار أحكام إدارية وتمديد بعض هذه الأحكام، وغير ذلك من الانتهاكات التي من شأنها مضاعفة المعاناة لهؤلاء المعتقلين والتي لا مكان لسردها في هذا التقرير الذي سنسلط فيه الضوء على ملف خاص بعيداً عن العمومية في تناول قضايا المعتقلين .
لهذا تسعي مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان بالتعاون مع الأسير المحرر والباحث المختص بشؤون الأسرى، الأستاذ/ عبد الناصر فروانة، على إصدار ونشر سلسلة جديدة من الملفات الخاصة حول القضايا الإنسانية والقانونية للأسرى والمعتقلين ، من منطلق الأهمية التي يجب أن تحظي بها قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون دولة الاحتلال ، يتناول كل ملف منها قضية بعينها تبرز وتسلط الضوء على انتهاك محدد ومعاناة متجددة للمعتقلين .
ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن فكرة إعداد ونشر سلسلة من الملفات الخاصة حول القضايا الإنسانية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيلية، سوف يتم تناولها بطريقة قانونية وتحليليه قدر الإمكان ، وتهدف إلى محاولة الكشف عن حقيقة الظروف المأساوية التي يحياها الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الحربي الإسرائيلي، بشكل أكثر تفصيلاً ، وأيضاً عن الانتهاكات الجسيمة التي تواصل دولة قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ممثلة بوكلائها العسكريين والمدنيين ارتكابها بحق المدنيين المعتقلين ومقارنتها بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة .
ويتزامن موعد إصدار هذا الملف الخاص الأول مع اقتراب إحياء الشعب الفلسطيني لمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف 17 ابريل من كل عام، هذا اليوم الذي خصص للوفاء والتضامن مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الحربي الإسرائيلي.
كما يتزامن نشر هذا الملف مع توجه سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي نحو التطبيق الكامل لقانون خصخصة السجون الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في العام 2004، من خلال سلسلة من الممارسات بدأت تطبيقها تدريجياً وبشكل تصاعدي منذ سنوات في إطار حربها الاقتصادية والسياسية غير المعلنة على الأسرى وذويهم، حيث تؤكد المعلومات المتاحة لنا عن نية حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي افتتاح سجن جديد تديره شركة خاصة وذلك في مطلع نيسان/ ابريل 2009، بالقرب من بئر السبع، وبغض النظر عن طبيعة نزلائه المحتملين ، فانه جزء من تجربة جديدة تقضي بخصخصة السجون في " إسرائيل " بشكل كلي، ومن هنا جاءت فكرة تناول هذا الملف لتسليط الضوء على الآثار المترتبة جراء ذلك ، والمتوقعة فيما لو طبقت دولة الاحتلال هذا القانون على المعتقلات والسجون الممتلئة بالمعتقلين المدنيين الفلسطينيين والعرب، في ظل حقيقة التطبيق الإسرائيلي التدريجي للممارسات والتي تندرج تحت ما يمكن تسميته بالحرب الاقتصادية والسياسية على الأسرى وذويهم ، ولا ندعي هنا بأننا امتلكنا كل المعلومات ذات العلاقة بهذا الموضوع ، لكننا نجزم بأن ملفنا هذا هو الأقرب للدقة والأكثر شمولية وقد يكون الأول من نوعه بهذا القدر .
أولاً : إقرار قانون خصخصة السجون الإسرائيلية والبدء في تنفيذه :-
لقد بدأ النقاش حول فكرة " خصخصة السجون" في الأوساط السياسية منذ بداية التسعينات دون إقرار قانون خاص، وفي شهر آذار 2004 أقر الكنيست الإسرائيلي الـسادس عشر قانوناً، يجيز بناء وإدارة سجون خاصة، وذلك بتصحيح للأمر رقم 28 الخاص بالسجون 2004-5764، حيث تم إضافة البند ج2 إلى أنظمة السجون المعمول بها في دولة الاحتلال، وبموجبه سيتم تحويل كافة السجون من القطاع العام إلى القطاع الخاص، على الرغم من أن المحكمة العليا الإسرائيلية تنظر بالتماسات ضد خصخصة السجون منذ أربع سنوات دون أن تحسم أمرها، مما ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لتطبيقه من قبل مصلحة إدارة السجون من خلال منظومة واسعة من الإجراءات الفعلية.
وقد نُشرت المناقصة الأولى لخصخصة السجن الأول في دولة الاحتلال عام 2005، هذه المناقصة التي رست على شركة "افريكا يسرائيل م.ض"، التابعة للملياردير الإسرائيلي ليف ليفاييف، وأنجزت المناقصة بالكامل بعدما حصلت سابقاً على الضوء الأخضر من الحكومة، وقد أبلغت الشركة الموكلة المحكمة العليا بجاهزيتها باستقبال سجناء فيه ومن المتوقع أن يشهد نيسان/ ابريل 2009 افتتاح السجن المذكور في منطقة بالقرب من بئر السبع ويشمل ( 800 سرير ) كجزء من تجربة جديدة لخصخصة السجون في دولة الاحتلال .
خصخصة السجون، سياسة معمول بيها في العديد من الدول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا ونيوزلندا وغيرها ، ومؤخراً فنزويلا تدرس خصخصة السجون ،ولكنها تختص بسجناء الحق العام " الجنائيين "، ومع ذلك عادت نيوزيلندا لتأميم السجون الخاصة بعد أن تدهورت حقوق السجناء فيها، وأمريكا تعاني من إشكالات عدة، وانجلترا تفاخرت بنجاحها إلى أن برهن بحث أجرته الـ (BBC) وأثبت العكس مجبراً الحكومة على إجراء عمليات تفتيش ومتابعة .
وإدارة الأمن الداخلي الإسرائيلي تدعي إنها تبنت النموذج البريطاني لخصخصة السجون ،معتبرة أن الخصخصة كلياً أو جزئياً أنما تشكل علاجاً لمشكلة الاكتظاظ وغيره من المشكلات القائمة في السجون وبذات الوقت تجني أرباحاً.
ونحن هنا لسنا بصدد الدخول في تفاصيل " خصخصة السجون " وآلية العمل بها ، بقدر ما نود توضيح أن الدولة المحتلة الحاجزة لمعتقلين ملزمة بتوفير كل مستلزماتهم الأساسية ، في حين حكومة الاحتلال الإسرائيلي تتعامل معم كسجناء حق عام " جنائيين " ولا تطبق عليهم اتفاقيات جنيف وتحرمهم من أبسط حقوقهم ولا تقدم لهم سوى القليل من الخدمات ، في إطار " خصخصة " غير معلنة ، ولكنها مترجمة عبر جملة إجراءات .
وعلى ضوء ذلك وبغض النظر افتتح هذا السجن أم لا ، صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية على قانون الخصخصة أم أجلت البت فيه ، فهذا شيء لن يغير في الأوضاع السيئة في السجون شيئاً نحو الإيجابية ، بل على العكس افتتاح السجن المذكور وإقرار القانون ، قد لا ينطبق من الناحية قانونية على السجون التي يُحتجز فيها المعتقلين الفلسطينيين باعتبارهم أسرى من مناطق محتلة ، ولكن بالتأكيد من شأن ذلك أن يفاقم معاناتهم وسيقود إلى تقليص الخدمات المقدمة لهم والتي هي أصلاً شحيحة .
حيث أن إدارة السجون عمدت منذ سنوات على اتخاذ خطوات عملية تقضي بتحويل السجون لأسواق تجارية ربحية يُجبر فيها المشترين ( الأسرى والمعتقلين ) على شراء ما يُعرض عليهم وبأسعار باهظة الثمن توازي الأسعار المعروضة في أرقى المحال التجارية من أفخم المناطق السياحية بالعالم، بعدما أصبحت الشركات الخاصة هي المسيطرة على مقصف السجن أو ما يُعرف " بالكانتينا " وتجني منها أرباح باهظة جداً .
يذكر أن قوانين السجون الإسرائيلية واللوائح الداخلية الخاصة بذلك ، تتضمن حقوق وواجبات الأسرى غير معمول بها على الإطلاق ، وتشتمل على نصوص جميلة وحقوق كثيرة لا يمنح الأسرى أي منها، وفي الوقت الذي رحب فيه الأسرى بالسماح لهم بالشراء من " الكانتينا " مقصف السجن، منتصف الثمانينات معتبرين ذلك انجازاً ، كان لابد من تحويل الأرباح للأسرى وفقاً لما تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
ولكن يبدو أن الأمر لم يقتصر على سلب الأرباح، بل امتد لإجبار الأسرى على الاعتماد الكلي على " الكانتينا " في كل شيء، ليتحول هذا الإنجاز تدريجياً إلى عبء اقتصادي يثقل كاهل الأسرى وذويهم ، وبعدما كانت " الكانتينا " نعمة ، أصبحت نقمة بكل ما يعنيه ذلك من معاني ، بعدما انتهجتها سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي كسياسة عقابية تارة ، وتارة أخرى كجزء من سياسة الحرب الاقتصادية على الأسرى وذويهم وإرهاقهم مادياً ، وطبقت ذلك تدريجياً منذ سنوات طويلة ، وبشكل تصاعدي باتجاه التطبيق الكامل للقانون أو بمعنى أدق باتجاه ان يصبح المعتقل الفلسطيني مقيم في السجن كمن هو مقيم في مكان خاص يعتاش على نفقته الخاصة .
ان تحويل السجون من مسؤولية القطاع الحكومي العام ، إلى مسؤولية القطاع الخاص ، يعني تنصل الحكومة من التزاماتها تجاه الأسرى بشكل كامل لاسيما مسؤولياتها القانونية والإنسانية والأخلاقية تجاههم، بل والاستفادة من مئات آلاف الدولارات التي تدخل للأسرى والمعتقلين عبر ذويهم أو من خلال وزارة الأسرى والمحررين، وجمعيات أخرى .
ثانياً:ممارسات إسرائيلية سابقة تسير تصاعدياً وتتجه نحو التضييق أكثر على الأسرى وفق ما يُسمى " خصخصة السجون " :-
ان المتابع لفصول السياسة الإسرائيلية المتبعة منذ فترة في التعامل مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، يتأكد بأنها تهدف إلى تجريدهم من صفاتهم الوطنية والنضالية والسياسية وجميع حقوقهم المؤكدة في اتفاقية جنيف الرابعة،وتحويلهم إلى " سجناء جنائيين " لا حقوق أساسية لهم ولا تنطبق عليهم الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، أو تحويلهم إلى نزلاء مطاعم وفنادق وأماكن عامة يعيشون على نفقاتهم الخاصة، ما يشكل عبئاً اقتصادياً عليهم وعلى أسرهم وشعبهم ، ويدعونا للقلق الشديد على أوضاع الأسرى لما لهذه السياسة من آثار جمة نحاول استعراضها وفقاً لبنود أدناه والتي تؤكد بأن الممارسات الرامية لتنفيذ سياسة الخصخصة ، هي ممارسات متبعة منذ سنوات طويلة ويمكن تلخيصها بـ :
1. تقليص كافة الخدمات المقدمة من قبل الإدارة للأسرى منذ سنوات وشحتها أحياناً، وانعدامها أحياناً أخرى، مما يعني تهرب إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية من مسؤولياتها تجاه الأسرى وعدم توفيرها أدنى احتياجاتهم وحقوقهم الإنسانية وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة من مأكل ومشرب ومسكن وعلاج ..الخ ، وبات الأسير الفلسطيني أو العربي يعتاش على نفقته الخاصة ويشتري احتياجاته الأساسية من مقصف السجن " الكانتينا " كالأدوية والعلاج والسجائر والملابس والأغطية الشتوية ، وحتى أدوات التنظيف من صابون وشامبو وغيره.
2. الطعام والأكل وبالرغم من سوء حالته كماً ونوعاً، إلا انه لم يعد يصل الأسرى والمعتقلين جاهزاً، حيث ان العاملين في المطابخ هم من " الجنائيين " وغالباً ما يضعون الأوساخ بالطعام، ويضطر الأسرى لإلقائه وعدم الاستفادة منه، مما دفعهم للطب من إدارة السجن لاستلام حصصهم القليلة من الخضروات ومستلزمات الطهي، والقيام بطهيها بأنفسهم داخل الغرف، وفي الغالب لا تسد الوجبة جوعهم فيضطرون لشراء أغذية إضافية من " الكانتينا " .
3. يتسلم الأسرى المشروبات الساخنة كالقهوة والشاي دون الاستفادة منها لرداءتها ، وبالتالي يضطرون لشراء بديل عنها من " الكانتينا " على نفقتهم الخاصة .
4. فرض قيود وإجراءات معقدة حول كيفية إدخال الأموال للأسرى وتحديد المبلغ المالي لكل أسير، حيث أنه في حالة موافقة إدارة السجون بالسماح بتحويل الأموال لهذا الأسير أو ذاك، فإنها تشترط أن لا يزيد المبلغ شهرياً عن ( 1300 شيكل ) ويرفق مع المبلغ صورة لهوية الأب أو الأم أو الأخت، وهذا يعني بأنه إذا كان الأسير يفتقد لهؤلاء فانه يحرم من تلقي الأموال .
5. إغلاق حسابات " الكانتينا " لبعض الأسرى وحرمانهم من تلقي الأموال من الخارج، ومصادرة وسرقة أموال أسرى آخرين بهدف حصارهم وتضييق الخناق عليهم، حيث يشير أهالي الأسرى بأن لديهم وثائق تؤكد بأنهم حولوا مبالغ كبيرة لأبنائهم، إلا أن هذه المبالغ لم تصل لأبنائهم الأسرى وصودرت من قبل الإدارة، مما دفعهم للتوجه لمؤسسات حقوق الإنسان بغزة لرفع قضية على سلطة السجون الإسرائيلية .
6. الحرمان من زيارات الأهل لآلاف الأسرى بشكل جماعي كما هو حاصل مع أسرى قطاع غزة منذ حزيران 2007، أو بشكل فردي لأسرى الضفة تحت ما يسمى " المنع الأمني " أو عقاب الأسير من الزيارات، وما يترتب على ذلك من حرمان الأسرى من تلقي الملابس مما سيضطرهم لشرائها من " الكانتينا " ، علماً بأن " الكانتينا " تفتقر للملابس الشتوية والأغطية مما يفاقم معاناتهم في فصل الشتاء، فيما الملابس الصيفية والداخلية والأحذية باهظة الثمن .
7. ارتفاع أسعار الحاجيات الأساسية في " الكانتينا " بشكل باهظ جداً، تضاعف أسعارها بالخارج عدة مرات وتضاهي أحياناً أرقى الأماكن السياحية في العالم .
8. فرض الغرامات المالية على الأسرى بشكل فردي أو جماعي لأسباب مختلفة واهية واقتطاعها من رصيدهم الخاص، وتصل قيمة الغرامة المفروضة على الأسير من ( أربعمائة شيكل ) إلى ( ثلاثة آلاف شيكل ) ، فيما أحياناً تفرض على عموم الأسرى في الغرفة الواحد ، حسب طبيعة العقاب، سواء فردي ويخص الأسير بمفرده ، أو جماعي ذو علاقة بالأسرى بالغرفة ، وإذا كان جماعي فيفرض على الجميع نفس المبلغ وبالتالي تصل قيمة الغرامة أحياناً على غرفة مكونة من عشرة أسرى إلى ثلاثمائة ألف شيكل أي ما يعادل ( سبعون ألف دولار ) .
9. بعد الإضراب الشامل الذي خاضه الأسرى عام 1992 ، استطاعوا انتزاع حق التعليم الجامعي، ولكن إدارة السجون لم تسمح لهم سوى بالانتساب بالجامعة العبرية فقط وعبر المراسلة ، وعلى نفقتهم الخاصة ، مما يضطرهم لدفع تكاليف مالية باهضة ، وحسب إحصائيات وزارة الأسرى والمحررين فان قرابة ( 250 أسير ) منتسبون للجامعة وتغطي الوزارة مصاريفهم والتي تُقدر سنوياً بـالحد الأدنى ( أربعة آلاف شيكل لكل طالب ) أي ما يُعادل ( ألف دولار أمريكي) فيما يعني أن التكلفة الإجمالية سنوياً للأسرى طلبة الجامعات بالحد الأدنى ( 250 ألف دولار أمريكي)، والخطورة هنا أن إدارة السجون وفي أحياناً كثيرة تُحرم الطالب الأسير من مواصلة تعليمه وحرمانه من استكمال عامه الجامعي الأخير أو حتى الفصل الأخير وعدم حصوله على شهادة التخرج ، مما يعني إهدار لمبالغ كبيرة من الأموال استفادت حكومة الاحتلال منها دون أن يستفيد منها الطالب الأسير ، بالضبط كما يفعلون مع الطلبة الفلسطينيين في منعهم من السفر وفرض قيود عليهم بهدف الضغط والمساومة أو مجرد العقاب والانتقام .
10. إدارة " الكانتينا " والإشراف عليها من قبل شركة خاصة وسعيها لزيادة الأرباح على حساب الأسرى.
11. المياه الساخنة كانت متوفرة طوال اليوم، فيما الآن تحدد بساعات معينة وتتفاوت من سجن لآخر.
12. إدارة " سجن ريمون " أبلغت الأسرى قبل أسابيع قليلة من تاريخ إصدار هذه الملف بأنها قد حددت كمية الكهرباء والمياه المقدمة لهم ، وإنها ستقتطع ثمن الكمية المستهلكة الإضافية، من الرصيد المالي الخاص بهم ، ومن الممكن أن ينسحب هذا على باقي السجون في ظل الدعوات الإسرائيلية السابقة لتحديد كمية المياه المتاحة للأسرى،ويذكر بأن هناك دعوات إسرائيلية لتقليص كميات المياه الباردة والساخنة التي يجب توفيرها للأسرى ، وكان آخرها اقتراح وزير حماية البيئة ونائب رئيس الشاباك السابق " جدعون عيزار " في جلسة الحكومة منتصف نوفمبر الماضي والذي اقترح تقييد حرية الأسرى في الاستحمام وقال " أنهم لا يفعلون شيئا خلال النهار سوى الاستحمام وتبذير المياه لذلك يجب الطلب من وزارة الأمن الداخلي المسئولة عن السجون تحديد كميات المياه المخصصة للاستحمام في السجون ".
13. العيادات في السجون تفتقر لأطباء مختصين وللأدوية اللازمة ، كجزء من سياسة الإهمال الطبي واللامبالاة تجاه حياة الأسرى ، ما يفاقم من معاناتهم حيث أدى إلى بروز أمراض جديدة بين الأسرى واستفحال أمراض خطيرة أخرى ، مما دفع الأسرى إلى الإلحاح على إدارة السجون بالسماح لهم بإدخال أطباء من الخارج ، وفي بعض الأحيان توافق الإدارة على ألا يكون على نفقتها ، بل ان يكون على نفقة الأسير او مؤسسة وبشرط أن يكون طبيب إسرائيلي ، وبعد أن يكشف على الأسير المريض يكتب وصفة الدواء اللازم ( الروشيتة ) ويقدمها للإدارة وهي تشتريها بطريقتها ويفرض على الأسير ثمنها، وهذا يعتبر مخالفة قانونية لاتفاقية جنيف لاسيما المادة 30 من الفصل الثالث التي تقضي بضرورة أن يتوفر في كل معسكر عيادة مناسبة يحصل فيها أسرى الحرب على ما قد يحتاجون إليه من رعاية، وكذلك على النظام الغذائي المناسب ).
14. منذ سنوات طويلة ترفض عيادات السجون علاج مرضى الأسنان من الأسرى من حيث التركيب أو وضع جسور أو حشوة عصب، وتفرض عليهم علاج ذلك على نفقتهم الخاصة، مما يكلفهم أموال طائلة، ومنهم من لا يتمكن من توفيرها وتبقى الآلام لديهم،والأدهى أن الأمور ازدادت سوءاً، حيث أبلغت إدارة " سجن ريمون " قبل أسابيع الأسرى هناك بأن خدمات أطباء الأسنان لديها لم تعد مجانية.
15. أن شراء أجهزة التلفاز منذ السماح باقتنائها منتصف الثمانينات، ومن ثم الأجهزة الكهربائية تكون على نفقة الأسرى.
ما ذكر أعلاه غيض من فيض لممارسات تؤكد بأن إدارة السجون تسرق أموال الأسرى وتسلب حقوقهم الأساسية، وتتجه ليس من اليوم ، بل ومن سنوات طويلة نحو الخصخصة وإرهاق الأسرى وذويهم مالياً كجزء من الحرب عليهم، وتحويلهم إلى عالة اقتصادية عليهم.
ثالثاً: توقعات بتدهور أوضاع الأسرى داخل سجون الاحتلال أكثر في الفترة المقبلة :-
كثيرة هي المخاطر التي نشأت جراء تلك الإجراءات وستتفاقم في الفترة المقبلة في ظل التصاعد في ممارستها ، والتي تُلقى بآثارها اللاإنسانية على الأسير الفلسطيني وذويه من ناحية، وعلى كافة المدنيين الفلسطينيين من ناحية أخرى، فيما يلي سنوضح أهم هذه المخاطر، مدعمه بشهادات بعض الأسرى وذويهم :-
1- "خصخصة السجون " أو التعامل مع السجون والأسرى وفقاً لذلك أو الكف عن تقديم الخدمات للأسرى ، بل وجني الأرباح ، أنما سيقود إلى استمرار الاعتقالات وتصاعدها :- ان الوضع الخطير القائم في السجون حالياً حتى وان كان دون قانون مصادق عليه ،سيقود القطاع الخاص المستفيد مالياً من " الخصخصة " لاحقا لدعوة الجهات السياسية والأمنية في دولة الاحتلال إلى الاستمرار في حملات الاعتقال بحق المدنيين الفلسطينيين ، وزيادة أعداد المعتقلين للاستفادة المالية أكثر، وحتما سوف تستجيب حكومة الاحتلال لهذه الدعوة لأنها هي الأخرى مستفيدة من الأرباح لصالح خزينة الحكومة، وستصبح السجون واحة للتنافس فيما بين الشركات الإسرائيلية الرأسمالية الخاصة، والضحية هم بالتأكيد المدنيين والمعتقلين وذويهم.
2- تجريد الأسرى من حقوقهم :- استمرار السياسة الإسرائيلية الحالية في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين والعرب ، ستقود إلى حرمانهم من جميع حقوقهم المؤكدة في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، وتجريدهم من صفاتهم الوطنية والنضالية والسياسية،وتحويلهم إلى " سجناء جنائيين " لا حقوق لهم ، أو إلى نزلاء مطاعم وفنادق وأماكن عامة وعلى نفقاتهم الخاصة، حيث لا يستبعد إقدام سلطات الاحتلال خلال السنوات القادمة على تشييد سجون جديدة تديرها شركات خاصة وبمواصفات حديثة وتصنيفات متعددة ، ما بين سجن نجمة واحدة أو نجمتين أو خمسة نجوم، وأن تستخدمها سلطات الاحتلال تحت ما يُسمى " امتياز " لبعض الأسرى والمعتقلين ، لتعزيز الانقسام وشق وحدة الحركة الأسيرة والتمييز فيما بينهم وفق اعتباراتها ومعاييرها الخاصة، بالضبط كما تستخدم اليوم أقسام وغرف وزنازين العزل كعقاب لبعض الأسرى والانتقام منهم أو للضغط على أسرى آخرين بهدف مساومتهم وابتزازهم وانتزاع مواقف منهم ومن تنظيماتهم ، مما يطلب العمل على تعزيز وحدة الأسرى وتمتينها في مواجهة إجراءات إدارة السجون الهادفة إلى شق وحدة الحركة الأسيرة وزعزعة استقرارها وإضعاف مواقفها.
3- توقعات بتراجع الخدمات المقدمة للأسرى في الفترة المقبلة:- ان تمادي سلطات الاحتلال الإسرائيلي في تعاملها مع السجون على أساس " الخصخصة " بشكل جزئي أو كلي، أو تحميل الأسير وذويه عبء نفقاته الشخصية، واعتبار السجون على أنها مصالح تجارية وأسواق استهلاكية تدر أرباح مالية باهظة، يعني تقليل النفقات وتراجع الخدمات التي من المفترض أن تقدم للأسرى من قبل إدارة السجون، وبالمقابل تنافس رأسمالي فيما بين شركات القطاع الخاص، الأمر الذي سيقود إلى توقعات بتدهور خطير سيطرأ على أوضاع الأسرى في الفترة المقبلة التي هي أصلاً متدهورة وسيئة، مما يستدعي ضرورة العمل الجاد لوضع حد لهذه السياسة المؤلمة، لما لها من تأثيرات اقتصادية خطيرة وتشكل عبئاً إضافيا على الأسرى حيث لم يعد الراتب الشهري الذي يتقاضاه الأسير من السلطة الوطنية الفلسطينية كافياً لسد احتياجاته لوحده ، وفي وقت تعجز فيه الأهالي عن مساعدتهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يحياها الفلسطينيين عموماً.
4- شهادات :-
ý شهادة مقدمة من الأسير المحرر/ رامي أحمد أبو معمر ( 30 عاماً )، أسير فلسطيني من سكان خان يونس جنوب قطاع غزة، وأطلق سراحه حديثاً من سجن نفحة الصحراوي في فبراير الماضي بعد أن أمضى ثماني سنوات في السجن، وحينما إلتقيناه وسألناه عن ما يتعلق بهذا الموضوع أجاب قائلاً : " باختصار شديد كل شيء أصبح على حساب الأسرى ولم يتبقَ سوى الكهرباء والمياه وقد يُجبر الأسرى على دفع ثمنها قريباً " وتابع " المياه الساخنة كانت متوفرة طوال ساعات اليوم في سجن نفحة وفي الآونة الأخيرة تقلصت إلى 16 ساعة، حيث تقطع في الثامنة مساءً وحتى الرابعة فجراً، وأضاف لم يعد الأسرى القدامى أو الجدد يتسلموا أغطية وبطانيات أو ملابس أو أحذية بمختلف أصنافها من الإدارة، ولا يوجد ملابس شتوية وأغطية في " الكانتينا " فيما الحذاء الرياضي المتوفر يصل ثمنه ( 800 شيكل )، أما أدوات التنظيف فلم يتم توفيرها بالكامل، وفي أحسن الأحوال تبلغنا الإدارة بالميزانية التي حددتها لأدوات التنظيف والأسرى يختارون ما يريدون شرائه، والتي هي دائماً لا تكفي لشراء أبسط المواد اللازمة للنظافة، وحين سؤالنا له عن الغرامات أفادنا بأن الإدارة تفرض الغرامات لأتفه الأسباب وساق مثالاً على ذلك بالقول انه في احد الأيام نشبت أحداث بيننا وبين الإدارة وفي أحدى الغرف تمكن الأسرى من إدخال سجان إلى الغرفة والسيطرة عليه وإغلاق الباب دون أن يتعرضوا له بالضرب، وعلى أثرها فرضوا غرامة مالية على كل أسير في الغرفة بمقدار (3000 شيكل إسرائيلي)، واستحضر مثالاً آخر حينما داهمت شرطة السجن لتفتيش أحدى الغرف وعثروا بداخلها على حفرة مخبأ بداخلها هواتف نقالة، ففرض غرامة مالية على كل أسير في الغرفة بمبلغ ( 2500 شيكل إسرائيلي)، وأكد أبو معمر بأن لديه إيصالات كثيرة تثبت ذلك ، حيث أن الإدارة تعطيهم إيصال بعد دفع قيمة الغرامة .
ý شهادة أخرى من زوجة الأسير عبد الهادي غنيم :-
أفادت زوجة الأسير عبد الهادي غنيم، المعتقل منذ العام 1989 ويقضي حكماً بالسجن المؤبد 16 مرة بالإضافة إلى 480 عاماً، بأن زوجها " عوقب " في العام 1997، بدفع غرامة مقدارها ( 2500 شيكل إسرائيلي ) بحجة صيانة قضبان شباك الغرفة التي حاول زوجها إحداث فتحة فيه ومحاولته الهرب منه،وفيما يتعلق بالقضايا الأخرى فإنها أعربت عن قلقها الشديد على أوضاع زوجها وصحته في ظل انقطاع الزيارات منذ فترة ليست بالقصيرة تفوق العامين، وعدم تمكنها من إدخال ملابس له، حيث لم تتمكن سوى من تحويل المبلغ الشهري المسموح به ومقداره ( 1300 شيكل إسرائيلي ).
يتضح من كل ما سبق بأن سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بعد أن فشلت خلال العقود الماضية من إفراغ الأسرى من محتواهم النضالي والثوري وعزلهم عن شعبهم، وتحويل السجون إلى مقابر لدفن كرامتهم وإرادتهم فيها، والنيل من عزيمتهم والتأثير على مواقفهم النضالية والسياسية من خلال منظومة كبيرة من الانتهاكات والإجراءات، فإنها ومنذ فترة ليست بالقصيرة وفي محاولة فاشلة لتحقيق ذات الأهداف، تشن ضدهم حرباً اقتصادية بلا هوادة كجزء من الحرب الاقتصادية التي تشنها على الشعب الفلسطيني عامة، ضاربة بعرض الحائط كل الأعراف والمواثيق الدولية .
ان إقدام " الحكومة الإسرائيلية " على افتتاح سجن جديد تديره شركة خاصة وذلك في شهر نيسان/ ابريل 2009، بالقرب من بئر السبع، وبغض النظر عن طبيعة نزلائه المحتملين، فان هذا الأمر موجه ضد المعتقلين الفلسطينيين ، في ظل حقيقة الممارسات الإسرائيلية التي سُقناها آنفاً بحقهم ، باعتبارها انتهاكاً واضحاً لقواعد اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وهذا سوف نعمل على توضيحه فيما يلي من هذا الملف.
رابعاً:قانون "خصخصة السجون " انتهاك للقانون الدولي :-
لقد اهتم القانون الدولي بتنظيم جملة من الحقوق للإنسان في زمني الحرب والاحتلال، بما يضمن له حقوقه وحمايته من شرور الحروب وما قد يرافقها من حالة احتلال حربي ،لهذا فقد دخلت مجموعة من القوانين والمبادئ العامة ضمير القانون العرفي الدولي والتي يمكن أن تكون أساسا لحماية المعتقلين المدنيين والسياسيين ، كما أبرمت فيما بعد العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان والتي تناولت موضوع حماية المعتقلين بطريقة غير مباشرة (بصورة ضمنية)، وأبرمت من جانب أخر اتفاقيات القانون الدولي الإنساني التي تحمى الإنسان بصفة عامة من آثار الحرب وقد أفردت أجزاء منها إلى حماية المعتقلين بصورة مباشرة وصريحة حيث نصت على جملة من الحقوق للمعتقلين والأسرى، كونهم أناس بالدرجة الأولي لابد أن تحترم كرامتهم وإنسانيهم،وسوف نتناولها جميعا كما يلي:
1- المبادئ العامة :
إن التزام الأسرة الدولية بحماية المعتقلين المدنيين والسياسيين ليس التزاماً جديدا في العلاقات الدولية وإنما وجدت العديد من المبادئ التي يمكن الاستناد إليها لتأسيس واجب حماية المعتقلين والأسرى، منها ما يلي :
· إعلان سان بترسبورغ الذي وقع في 29 نوفمبر 1868 الذي يتضمن مبدأ تقيد حق إطراف النزاع باختيار أساليب ووسائل القتال ، هذا المبدأ وان كان لم يشير من قريب أو بعيد إلى حماية المعتقلين والأسرى، غير أنه يمكن الاستناد إلية لتأسيس مسؤولية دولة الاحتلال عن الانتهاكات التي تلحق بحقوق الأسرى والمعتقلين، حيث نص إعلان سان بترسبورغ بوضوح على انه " يجب أن يكون من شأن تقدم المدنية التخفيف بقدر الإمكان من كوارث الحرب،ويجب أن يكون الغرض الشرعي الوحيد الذي تستهدفه الدول أثناء الحرب هو إضعاف قوات العدو العسكرية،ويكفي لهذا الغرض عزل أكبر عدد ممكن من الرجال عن القتال"،فالمطلع على جملة الانتهاكات الإسرائيلية بصفتها دولة احتلال لحقوق الأسرى والمعتقلين يتضح له أنها تسعى إلى قتل هؤلاء المعتقلين.
· ومن جهة أخرى،يمكن الإشارة إلى مبدأ التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين وعلى الأخص المدنين هذا المبدأ الذي يعتبر العمود الفقري للقانون الدولي الإنساني، والذي من شأن إعماله بكل تطبيقاته ضمان حماية عامة للمعتقلين المدنيين الفلسطينيين في سجون ومعتقلات دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهنا يمكن أن نشير بان حماية المعتقلين المدنيين من الضروريات التي يستلزمها مبدأ التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين.
· مبدأ حظر أعمال الانتقام والعقوبات الجماعية، فان منع وحرمان الأسير أو المعتقل من حقه في توفير المأكل والملبس والمشرب والعلاج المناسب يحلل على انه عقوبة جماعية مرفوضة قانوناً، إضافة إلى مبدأ ضرورة التقليل من ويلات ومعاناة بني البشر حال المنازعات المسلحة.
تلك هي جملة المبادئ العامة التي دخل جزء معتبر منها في ضمير القانون العرفي الدولي، والتي يمكن من خلالها القول بأنة باحترام دولة الاحتلال الحربي لهذه المبادئ سيؤدى بالضرورة وبالتبعية إلى حماية حقوق الأسرى والمعتقلين في المعتقلات الإسرائيلية،كما أنة يمكن الاستناد أليها حتى مع وجود الإعلانات والاتفاقيات الدولية التي تحمى المعتقلين بطريقة غير مباشرة أو غير مباشرة لتأسيس مسؤولية دولة الاحتلال الحربي عن انتهاك هذه القواعد العرفية.
2- الإعلانات والاتفاقيات الدولية التي تحمى المعتقلين بطريقة غير مباشرة:
تساهم العديد من الإعلانات والاتفاقيات الدولية بطريقة غير مباشرة في حماية الأسرى والمعتقلين زمن الاحتلال الحربي، خاصة تلك التي تضمن قواعد حماية عامة للإنسان بصفته الإنسانية، وهنا يمكن الإشارة إلى ما يلي من إعلانات واتفاقيات دولية:
· الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 : والذي تنص المادة الثالثة منه على أنه " لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه"، وتنص المادة الخامسة منه على أنة " لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة " ،فلا ريب بان منع المعتقل من حقوقه يعتبر من باب المعاملة القاسية والحاطة بالكرامة.
· العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المؤرخ في 16/ديسمير1966: والذي تنص المادة العاشرة منه" يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني.."
· القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه 663 جيم (د-24) المؤرخ في 31 يوليو 1957 : فقد نصت الفقرة (20) على أنة توفر الإدارة لكل سجين، في الساعات المعتادة، وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للحفاظ على صحته وقواه، جيدة النوعية وحسنة الإعداد والتقديم، توفر لكل سجين إمكانية الحصول على ماء صالح للشرب كلما احتاج إليه.
· المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء والتي اعتمدت ونشرت علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 45/111 المؤرخ في 14 ديسمبر 1990: حيث تقضي بما يلي " يعامل كل السجناء بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر".
بلا شك أن لهذه الإعلانات والاتفاقيات الدولية قيمة كبيرة لأنها تمنح كل إنسان يحرم من حريته حماية نوعية في مواجه السلطة الحاجزة له، فضلا على أنها تمنع سلطة الدولة الحاجزة من استعمال أساليب تضر بإنسانية السجين أو المعتقل، لذا يركن إلى هذه الإعلانات في تقرير المسؤولية عن انتهاك أوجه الحماية للمعتقلين.
3- الاتفاقيات الدولية التي تحمي المعتقلين والأسرى على وجه التحديد:
استكمالا لجهود الأسرة الدولية من اجل تطوير القانون الدولي الإنساني وتقنينه، ومنذ إبرام مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي اهتمت بجوانب حماية المعتقلين والأسرى في المعتقلات والسجون لم يعد موضوع حماية المعتقلين والأسرى خارج الإطار التنظيم القانوني الدولي، هذه الاتفاقيات التي سنعمل على بيانها متطرقين إلى بعض قواعدها التي تعنى بشأن الحق في زيارة الأسرى والمعتقلين في المعتقلات والسجون دولة الاحتلال، وذلك كما يلي :
· اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية لاهاي 18 أكتوبر 1907والمحلقة باتفاقية لاهاي بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في حالة الحرب البرية : حيث نص الفصل الثاني منها وتحت عنوان " أسرى الحرب " وعبر المادة (4 ) بأنة " يقع أسرى الحرب تحت سلطة حكومة العدو، لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات التي أسرتهم، يجب معاملة الأسرى معاملة إنسانية، يحتفظ أسرى الحرب بكل أمتعتهم الشخصية ما عدا الأسلحة والخيول والمستندات الحربية ". ونستشف من هذه المادة قاعدة أساسية مفادها أن الأسير أو المعتقل يكون تحت رعاية ومسؤولية الدولة المحتلة ممثلة بوكلائها المدنيين أو العسكريين والذين تعتبروا موظفين لديها، فهم يطبقون سياسيتها، ورغم ذلك فان القانون الدولي يترتب مسؤولية جنائية على هؤلاء فهم مدعون لعدم الإذعان لتطبيق أي سياسة تخالف نصوص القانون الدولي الإنساني، ولا يجوز لهؤلاء الوكلاء التذرع بأنهم كانوا يطبقوا سياسة الدولة فهم أيضا عند إخلالهم بقواعد العمل الإنساني سوف يطولهم الحساب الجنائي وترتب عليهم المسؤولية الجنائية للفرد.
· اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب المؤرخة في 12 أغسطس 1949: حيث تنص المــادة (12) على أنة " يقع أسرى الحرب تحت سلطة الدولة المعادية، لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات العسكرية التي أسرتهم، وبخلاف المسئوليات الفردية التي قد توجد، تكون الدولة الحاجزة مسئولة عن المعاملة التي يلقاها الأسرى".
· البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية:- والذي جاء مكملا لاتفاقيات جنيف الأربعة حيث نصت الفقرة الأولى من المادة (75) منة على أنة " يعامل معاملة إنسانية في كافة الأحوال الأشخاص الذين في قبضة أحد أطراف النزاع ولا يتمتعون بمعاملة أفضل بموجب الاتفاقيات أو هذا اللحق "البرتوكول" وذلك في نطاق تأثرهم بأحد الأوضاع المشار إليها في المادة الأولي من هذا اللحق "البرتوكول"، ويتمتع هؤلاء الأشخاص - كحد أدني - بالحماية التي تكفلها لهم هذه المادة دون أي تمييز مجحف يقوم علي أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء أو الانتماء القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر أو علي أساس أية معايير مماثلة".
· اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12أغسطس 1949 :- هذه الاتفاقية التي اهتمت بموضوع المعتقلين المدنيين لدى دولة الاحتلال،وقد أفردت القسم الرابع المعنون ب "قواعد معاملة المعتقلين" ليتناول كافة المسائل التي تتعلق بأمور الاعتقال المدنيين، حيث أنه حسب القانون الدولي فمهما كان نوع العلاقة القائمة بين المعتقلين والدولة الحاجزة ، فهي أولاً وأخيراً مسئولة عن حياتهم وعن توفير احتياجاتهم الأساسية من مأكل ومسكن وعلاج وغيره لكن الواقع مخالف تماماً، وان سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحرم الأسرى من أبسط حقوقهم، وتسعى لإذلالهم وتجويعهم وعزلهم عن العالم الخارجي ، وقتلهم ببطء جسدياً ونفسياً ومعنوياً، حيث أن دولة الاحتلال بمحاولتها تطبيق قانون خصخصة السجون فإنها تنتهك ما يلي من قواعد أساسية في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 :-
ü نص المادة ( 28 ) من الفصل الثاني من اتفاقية جنيف الرابعة تتيح إقامة مقاصف في السجون ومعسكرات الاعتقال ولكن أن تعود الأرباح للأسرى وليس للدولة الحاجزة ، حيث تقضي بـ " تقام مقاصف " كنتينات " في جميع المعسكرات، يستطيع أن يحصل فيها الأسرى علي المواد الغذائية، والصابون، والتبغ، وأدوات الاستعمال اليومي العادية، ويجب ألا تزيد أسعارها علي أسعار السوق المحلية، وتستخدم الأرباح التي تحققها مقاصف المعسكرات لصالح الأسرى، وينشأ صندوق خاص لهذا الغرض، ويكون لممثل الأسرى حق الاشتراك في إدارة المقصف وهذا الصندوق".
ü نص المادة (30) من الاتفاقية الرابعة التي تقضي " بضرورة أن يتوفر في كل معسكر عيادة مناسبة يحصل فيها أسرى الحرب على ما قد يحتاجون إليه من رعاية، وكذلك على النظام الغذائي المناسب ).
ü نص المادة (91) من الاتفاقية الرابعة التي تقضي " توفر في كل معتقل عيادة مناسبة، يشرف عليها طبيب مؤهل ...تكون معالجة المعتقلين وكذلك تركيب أي أجهزة ضرورية للمحافظة على صحتهم في حالة جيدة، وبخاصة تركيبات الأسنان وغيرها من التركيبات، والنظارات الطبية، مجانية ".
ü نص المادة (89) من الاتفاقية الرابعة التي تقضي فقرتها الثالثة " يزود المعتقلين بكميات كافية من ماء الشرب، ويرخص لهم باستعمال التبغ ".
ü نص المادة (26) من الفصل الثاني من اتفاقية جنيف الرابعة " تكون جرايات الطعام الأساسية اليومية كافية من حيث كميتها ونوعيتها وتنوعها لتكفل المحافظة على صحة أسرى الحرب في حالة جيدة ولا تعرضهم لنقص الوزن أو اضطرابات العوز الغذائي ويراعى كذلك النظام الغذائي الذي أعتاد عليه الأسرى ".
ü وقد حدد الفصل الثامن العلاقات المعتقل مع الخارج ، فجاء النص واضح على الحق في استقبال المعتقل لزائريه و لقاء أهلة وأقاربه وذلك عبر المادة(116) حيث نصت على " يسمح لكل شخص معتقل باستقبال زائريه، وعلى الأخص أقاربه، على فترات منتظمة، وبقدر ما يمكن من التواتر،ويسمح للمعتقلين بزيارة عائلاتهم في الحالات العاجلة، بقدر الاستطاعة، وبخاصة في حالة وفاة أحد الأقارب أو مرضه بمرض خطير"، وبحق تعتبر هذه المادة الأساس القانوني الذي يركن ليها صراحة لمطالبة دولة الاحتلال بمنح المعتقل حقه في استقبال أهل وذويه ومن يشاء ، كما تعتبر المادة الأساسية في ترتيب المسؤولية على دولة الاحتلال حينما تتمنع من تنفيذ الالتزامات القانونية والإنسانية التي جاءت بها لصالح المعتقلين في سجونها.
خاتمة : نتائج وتوصيات :-
أيا كانت مدى الحماية القانونية والإنسانية التي كفلت للمدنيين في الأقاليم المحتلة والمعتقلين على وجه الخصوص، فأنها تبقى بدون قيمة ما لم تعزز بنظام قانوني رقابي دولي فعال يضمن تطبيقها، خاصة مع تغليب مقتضيات دولة الاحتلال الضرورة الحربية والأمنية على الاعتبارات الإنسانية ظل ومازال السمة الواضحة لعلاقة دولة الاحتلال بمواطني الإقليم المحتل، مما يؤكد أن هذه القواعد لا تحظى بالاحترام الفعلي غالبا من قبل قوات دولة الاحتلال خاصة مع محاولتها إضافة شرعية قانونية على بعض الممارسات والسياسات اللإنسانية التي تستهدف النيل من كرامة المعتقلين، وخير دليل على ذلك محاولة تجربة تطبيق قانون خصخصة السجون الإسرائيلية، هذا القانون وتداعياته كانت محلا للدراسة في هذا الملف الذي في ختامه نستنتج ونوصي بما يلي :-
1. دولة الاحتلال ممثلة بمصلحة إدارة السجون الإسرائيلية ملزمة وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة بتوفير كميات كافية من الغذاء والطعام بما يحمي حياة الأسرى، وملزمة أيضاً بتوفير الملابس والملابس الداخلية والأحذية الملائمة لمناخ المنطقة التي يحتجز فيها الأسرى ، ومجمل احتياجاتهم الأساسية ، بالإضافة إلى العلاج وأدوات التنظيف وغيرها .
2. قانون خصخصة السجون المزمع البدء بتنفيذ أولى تجاربه العملية مطلع هذا الشهر هو قانون مخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويعبر عن محاولة دولة الاحتلال التنصل من التزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه الأسرى والمعتقلين.
3. ضرورة توحيد الجهود القانونية بمساندة جماهيرية للضغط على إدارة السجون من أجل إلزامها بتوفير احتياجات الأسرى الأساسية وفقاً لما تنص عليه المواثيق الدولية في كافة المناحي الحياتية والصحية والمعيشية .
4. مطالبة وزارة الأسرى والمحررين بإعادة النظر باتفاقية الشراكة الموقعة ما بين الوزارة والشركة الممولة والمشرفة على " الكانتينا " في السجون في كل ما يتعلق ببنودها لاسيما فيما يتعلق بأسعار البضائع المباعة للأسرى ونوعيتها وأصنافها وطبيعة الأرباح ..الخ ، كما ومن الضرورة إدراج أسرى القدس والـ48 للاستفادة منها وعدم القبول باستمرار استبعادهم كما هو حاصل الآن مما فاقم من معاناتهم.
5. تطالب الضمير وزارة المالية بإعادة النظر بجدول وقيمة الرواتب الخاصة بالأسرى والعمل الجدي من أجل زيادتها، وتشكيل لجنة لدراسة هذا الموضوع من كل جوانبه، آخذين بعين الاعتبار الحيثيات أنفة الذكر، واحتياجات ذوي الأسرى وأبنائهم أيضاً مع مراعاة الارتفاع المستمر لجدول غلاء المعيشة .
6. مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان تدعو المجتمع الدولي، خاصة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، للتدخل الفوري والجدي لضمان الإفراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين، وتوفير الحماية القانونية لهم من خلال العمل على إلغاء قانون خصخصة السجون الإسرائيلية، ورفض كافة المسوغات والذرائع القانونية والقضائية الإسرائيلية التي تحاول إيجاد مبرر قانوني لتنفيذ هذا القانون.
7. مؤسسة الضمير تطالب المجتمع الدولي التدخل الفوري من اجل حماية المعتقلين من المدنيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والعمل من أجل رفع المعاناة الإضافية التي تقع عليهم جراء سياسة دولة الاحتلال، و بهذا الصدد تدعو المؤسسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تكثيف نشاطاتها في مجال حماية المعتقلين الفلسطينيين في سجون دولة الاحتلال وعلى الأخص مساعده ذوى المعتقلين زيارة أبنائهم, والوقوف في وجه سياسة التجويع التي تطال الأسرى بمنع وصول أموال المقاصف للمعتقلين، والعمل على إطلاق سراح الأطفال والنساء ونواب في المجلس التشريعي ، و التصدي لسياسة الإهمال الطبي، كما تدعو الضمير المجتمع الدولي بكافة مؤسساته إلى التحرك الفاعل لحماية المعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وضمان حقوقهم وفقاً للقوانين والمواثيق الدولية وفي مقدمتها حقهم في المأوى المناسب والمأكل والمسكن والملبس والعلاج .
مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان – غزة