|
تقرير :
الهشلمون وسياسة الإبعاد .. الى أين ؟
*بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة
فلسطين - 3 حزيران 2008
بغض النظر عن طبيعة وحيثيات القرار المتمثل بابعاد الأسيرة نورا الهشلمون الى الأردن ، ان كان قرار رسمي يقضي بابعادها رسمياً ، أم انه اقتراح عُرض عليها من قِبل قاضي المحكمة الإسرائيلية العليا منذ فترة وأعيد عرضه مجدداً بتاريخ 26-5-2008 ، ويخيرها ما بين الإبعاد الى الأردن مع أولادها لمدة ثلاث سنوات ، أو ابقائها في الأسر رهن الإعتقال الإداري الى ما لا نهاية أو حينما تزول اسباب الإعتقال من وجهة نظرهم .
فانه يمكن القول بأن مضمون كلا الحالتين هو واحد ، من حيث أن سياسة إبعاد المواطنين والأسرى والأسيرات ونفيهم قسرياً الى أماكن بعيدة عن مكان سكناهم ، لا زالت سياسة قائمة تُُستخدم من قبل الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي كشكل من أشكال العقاب الفردي والجماعي ، و يمكن أن تنفذ في أي لحظة ، وتحظى بغطاء قانوني .
وبكل الأحوال نحن أمام افتراضين ، إما أن يتطور العرض ويغدو قراراً ، قابل للتنفيذ بالقوة وبالتالي يتم ابعاد الأسيرة نورا الهشلمون فعلياً الى الأردن ، وهي بذلك لم تكن الأسيرة الأولى التي تُبعد .
والإفتراض الثاني هو إلغاء فكرة ابعاد الهشلمون ، وابقائها في الأسر ، وهذا لا يعني عدم اتخاذ قرار بابعادها أو ابعاد غيرها لاحقاً .
بمعنى أدق ان أُبعدت الهشلمون بتقديري لن تكون المواطنة الأخيرة التي يتم ابعادها ، وان لم تُبعد ، فهذا لا يعني بالمطلق أننا حققنا نصراً جوهرياً وأن سياسة الإبعاد قد ألغيت ، فسبق وأن تراجعت سلطات الإحتلال عن تنفيذ قرارات بابعاد بعض الأسرى ، وليس عن مجرد اقتراحات وعروض ، ولكن سياسة ابعاد الأسرى والأسيرات والمواطنين العُزل بقيت قائمة و لا زالت تُمارس ، بل وتصاعدت ، وسط سكوت مريب في احيان كثيرة للمحافل الدولية ذات الصلة بالموضوع .
مما يعني اننا بحاجة ماسة للتوقف وتقييم أفعالنا وممارساتنا ، طوال العقود الماضية ، وما اتخذناه من اجراءات رداً على حالات سابقة مشابهة تم ابعادها ، ووضع استراتيجية واضحة تكفل على الأقل في المرحلة الأولى اثارة المحافل الدولية تجاه هذه السياسة ومن ثم العمل على إلغائها وضمان عدم تطبيقها مع أي من الأسرى والأسيرات .
سياسة الإبعاد قديمة جديدة ..!!
سياسة الإبعاد قديمة جديدة بدأت مع بدايات الإحتلال دون أن تواجه باجراءات جدية ، وبتقديري اذا لم نتحرك بما يوازي خطورة تلك السياسة ، فانني أجزم بأن الأمر لم ولن يتوقف عند ابعاد الهشلمون او غيرها ، واذا انتهينا من الهشلمون اليوم ، سنجد غداً أكثر من هشلموني .
نعم سياسة الإبعاد والتهجير والترحيل الجماعي والفردي ، سياسة خطيرة اعتمدت عليها سلطات الإحتلال منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية ضد الشعب الفلسطيني ، وأبعدت بموجبها الآلاف من النشطاء من كافة التنظيمات الفلسطينية خارج الوطن ، كوسيلة من وسائل العقاب للنشطاء وأقربائهم وذويهم وحتى ذوي الإستشهاديين بعد موتهم ، وهي تعتبر من أقسى العقوبات غير المشروعة وغير القانونية ، ولم تقتصر بالمناسبة على حقبة معينة ، لكنها سارت بشكل متعرج ، وتصاعدت خلال الإنتفاضة الأولى بشكل فردي وجماعي ، ولكنها تراجعت بشكل كبير بعد قدوم السلطة الوطنية في آيار 1994 ، وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000 ، لكنها سرعان ما عادت وارتفعت بشكل ملحوظ خلال انتفاضة الأقصى ، لا سيما سياسة الإبعاد من الضفة الى غزة والتي تصاعدت بشكل مضطرد .
الإبعاد خلال انتفاضة الأقصى ..
فبتاريخ 10-5-2002 أبعدت سلطات الإحتلال ( 39 ) مواطناً فلسطينياً احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم وفقاً لإتفاقية فلسطينية – اسرائيلية من أجل إنهاء حصار قوات الإحتلال للكنيسة لمدة 39 يوماً ، دون الكشف عن تفاصيل تلك الإتفاقية ، و(13 ) منهم تم إبعادهم الى خارج البلاد عن طريق مطار بن غوريون وتم نقلهم الى قبرص ومن ثم وزعوا على عدة دول اوروبية ، و( 26 ) مواطناً منهم نقلوا بحافلات الى قطاع غزة ، ولم تتح آنذاك لأي من المبعدين الفرصة بالإتصال أو الإلتقاء بذويه ، كما أن فترة الإبعاد لم تكن محددة مما أتاح لحكومة الإحتلال المماطلة والتلاعب والإبتزاز ، مما مكنها أيضاً من حرمانهم من العودة لغاية اليوم بالرغم من مرور أكثر من ست سنوات على ابعادهم .
و شكَّل ابعاد محاصري كنيسة المهد بداية لمرحلة جديدة ، مؤلمة وقاسية ، شهدت لاحقاً إبعاد عشرات الأسرى الفلسطينيين ممن يسكنون الضفة الغربية ، قسرياً ، إلى قطاع غزة ، كعقاب فردي وجماعي .
ففي يوليو/ تموز 2002، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن اعتزامها إبعاد أقارب الأشخاص الذين يُعرف أو يُشتبه في أنهم قاموا بتنظيم هجمات ضد إسرائيليين أو اشتركوا في تنفيذها.
وفي 1 أغسطس/ آب، وقَّع قائد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية تعديلاً للأمر العسكري رقم 378 (للعام 1970 والمتعلق بالأنظمة الأمنية) يحيز إبعاد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة.
وبعد أقل من شهر على هذا التعديل أبعد المواطن أديب ثوابتة من بيت فجار قضاء الخليل الى القطاع ، وفي ديسمبر من نفس العام أبعد المواطن كفاح وشقيقته انتصار العجوري من مخيم عسكر بنابلس الى قطاع غزة أيضاً ، وكان الفلسطينيان انتصار وكفاح رهن الاعتقال منذ 4 يونيو/ حزيران و 18 يوليو/ حزيران على التوالي، من دون توجيه أي تهم إليهما، كما لم تُتخذ أي إجراءات قضائية لتقديمهما إلى المحاكمة .
وتوالت حالات الإبعاد بشكل فردي وجماعي من الضفة الغربية الى قطاع غزة وبشكل ملحوظ ، كما استمرت حالات ابعاد اسرى واسيرات الى خارج فلسطين وتحديداً الى الأردن تحت حجج عديدة ، وفي حالات كثيرة تم ابعادهم بعد انتهاء فترة اعتقالهم الإداري أو انقضاء فترة محكومياتهم .
وبعضهم عاد الى أهله ومكان اقامته بعد انقضاء فترة ابعادهم ، ، فيما لا يزال العشرات من المبعدين في قطاع غزة وخارج فلسطين بانتظار السماح لهم بالعودة الى أماكن سكناهم الأصلية وبيوتهم وأسرهم ، بينهم مبعدي كنيسة المهد الذين لم يَعُد أي منهم الى بيت لحم .
وكافة قرارات الإبعاد كانت تحظى بقرارات من أعلى هيئة قضائية وهي المحكمة الإسرائيلية العليا ، مما يعني إضفاء الشرعية القضائية والقانونية على جرائم حكومة الإحتلال ، ومما يعكس أيضا مدى تواطئ القضاء الإسرائيلي مع الجهات الأمنية وعدم استقلاليته ، ليصبح قضاء شكليا مزيفاً وشريكاً في هذه الجرائم .
الإبعاد والقانون الدولي ..
وفقاً للتفسير الدولي فان الإبعاد القسري يعني نقل الشخص رغماً عنه داخل أو عبر الحدود الوطنية ، ويشكل بذلك ممارسة قسرية غير قانونية للأشخاص المحميين ، ويمثل انتهاكاً خطيراً وخرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة ، والمادة ( 147 ) منها ، تعتبره جريمة حرب ( يحظر النقل الجبري أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة الى أراضي دولة الإحتلال أو الى أراضي أي دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه ) .
وكذلك المادة ( 49 ) من ذات الإتفاقية ( عمليات الإبعاد الفردية أو الجماعية، بالإضافة إلى عمليات تسفير الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة التي تحتلها أو إلى أراضي أي بلد آخر، سواء محتلاً أم لا، تعتبر محظورة بصرف النظر عن دوافعها ) .
أما قانون روما الأساسي " للمحكمة الجنائية الدولية " فاعتبر الإبعاد أيضاً جرائم حرب ، وعرف الإبعاد القسري على أنه تهجير قسري للأشخاص المعنيين عن طريق الطرد، أو غيره من أفعال الإكراه، واعتبر إبعاد جزء من سكان الأراضي المحتلة أو جميعهم، سواء داخل أراضيهم أو خارجها ، على أيدي قوة الاحتلال، بأنه جريمة حرب .
كما وان المادة السابعة (د) من قانون روما أيضاً نصت على أن " الإبعاد القسري للسكان يشكل كذلك جريمة ضد الإنسانية في حالة تنفيذه على نطاق واسع أو بطريقة منظمة كجزء من سياسة حكومية " .
وبالإضافة الى ذلك كانت المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واضحة في نصها ( لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً ).
بمعنى الإبعاد هو ممارسة محظورة وغير قانونية وفقاً للقانون الدولي ولا يجوز اللجوء لممارسته ، و تعتبر ممارسته أياً كانت الظروف والدوافع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تستوجب الملاحقة والمحاكمة الدولية .
ولكن في أحياناً كثيرة يمارس الإبعاد بموافقة الطرفين فهل هذا يعني منحه الغطاء القانوني ؟
بالتأكيد لا .. فالإبعاد ان نفذ بالإتفاق بين طرفين على إبعاد أحدهما ، حتى وان كان لفترة محدودة الزمن ، فان هذا لا يعني منحه الشرعية على الإطلاق ، فالإبعاد أي كانت طريقته وشكله ، فهو غير شرعي وغير قانوني ، وإن الموافقة على ما يخالف إتفاقية جنيف هو أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني وفقاً للمادة الثامنة ( لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئياً أو كلياً عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الإتفاقية ) .
وهذا يقودن الى اعتبار كل عمليات الإبعاد السابقة التي جرت بموافقة بعض الأسرى او مبعدي كنيسة المهد هي ممارسات لا شرعية ولا قانونية .
قضية الهشلمون ..يجب ان تفتح ملفي الإبعاد والإعتقال الإداري
أخشى من أن تتحول قضية الأسيرة نورا الهشلمون ، من قضية كنا نطالب بحلها جذرياً من خلال وقف تجديد الإعتقال الإداري بحقها واطلاق سراحها فوراً وعودتها الى بيتها وأطفالها ، الى قضية يمكن التغاطي عن استمرار اعتقالها الإداري والتجديد لها للمرة التاسعة ، مقابل إلغاء اقتراح ابعادها الى الأردن وعدم تحويله الى قرار بالإبعاد ..!
يذكر أن الأسرة نورا محمد شكري الهشلمون من مواليد 1971 ، ومن سكان مدينة الخليل ، معتقلة منذ 14-9-2006 رهن الإعتقال الإداري وجدد لها للمرة الثامنة والتي تنتهي مدتها بتاريخ 11-6-2008 ، وهي أم لستة أبناء( فداء و تحرير و حنين ومحمد وجهاد وسرايا ) وتقبع حالياً في سجن النساء " هشارون" ، وزوجها محمد الهشلمون هو الآخر رهن الإعتقل الإداري في سجن ريمون منذ عامين تقريباً .
الخلاصة :
الإبعاد سياسة قديمة جديدة تمارسها وتنتهجها سلطات الإحتلال بشكل ممنهج وبغطاء قانوني ، وهي بذلك تنتهك كافة الإتفاقيات والمواثيق الدولية التي اعتبرت الإبعاد القسري ممارسة غير مشروعة ، وجريمة ضد الإنسانية ، بل جريمة حرب تستدعي ملاحقتها في المحاكم الدولية ، ولكن استمرار " اسرائيل " في انتهاكاتها وفي تنفيذ قرارات الإبعاد القسري بحق المدنيين يعكس استهتارها بحقوق المدنيين أولاً وبالمجتمع الدولي بمؤسسات المختلفة والتي لم تحرك ساكنا طوال العقود الماضية ثانياً ، وعدم مبالاتها بالمحاكم الدولية التي لم تتجرأ بملاحقة مجرمي الحرب من الإسرائيليين ثالثاً ، ورابعاً ضعف بل غياب المؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والعربية وعدم قيامها بأية اجراءات ملموسة مؤثرة يمكن ان تشكل رادع لسلطات الإحتلال وتضع حداً لممارساتها .
وأمام هذا الواقع المرير يقفز للذهن سؤال كبير ما العمل .. ؟
باختصار شديد اعتقد ان قضية الأسيرة نورا الهشلمون المهددة باستمرار احتجازها ادارياً أو ابعادها مع أبنائها الى الأردن يجب أن تفتح ملفي الإبعاد والإعتقال الإداري معاً ، وعلى كافة المؤسسات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان في فلسطين ذات الإمتدادات والعلاقات الدولية ، وهي كثيرة ، ان تتحرك وتستغل نفوذها وعلاقاتها ، بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات المعنية بقضايا الأسرى ، بهدف تفعيل المحافل الدولية ذات الصلة بالموضوع ، للضغط على حكومة الإحتلال لوقف ممارستها لسياسة الإبعاد وعودة المبعدين الى ديارهم وأسرهم .
*بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة
3 حزيران 2008
* أسير سابق وباحث مختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين
نورا الهشلمون تروي قصة معاناتها مع الاعتقال الإداري من خلف القضبان
أدناه التقرير كما نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية " وفا "
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى: إسرائيل تواصل سياسة الإبعاد كشكل من أشكال العقاب الجماعي
http://arabic.wafa.ps/arabic/942951011056.html
رام الله 3-6-2008 وفا– قال الباحث المختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين، عبد الناصر فروانة إن سياسة إبعاد المواطنين والأسرى والأسيرات ونفيهم قسراً إلى أماكن بعيدة عن مكان سكناهم، ما زالت سياسة قائمة تستخدمها إسرائيل كشكل من أشكال العقاب الفردي والجماعي، ويمكن أن تنفذ في أي لحظة، وتحظى بغطاء قانوني.
جاء ذلك في تقرير شامل، أعده فروانة وتناول فيه قضية الأسيرة نورا الهشلمون المهددة باستمرار احتجازها إداريا أو إبعادها مع أبنائها إلى الأردن، سلط خلاله الضوء على سياسة الإبعاد والموقف الدولي منها.
وأوضح فروانة أن سياسة الإبعاد قديمة جديدة بدأت مع بدايات الاحتلال دون أن تواجه بإجراءات جدية، مشيرا إلى أن عدم التحرك بما يوازي خطورة تلك السياسة، فإن الأمر لم ولن يتوقف عند إبعاد الهشلمون أو غيرها.
وقال إن سياسة الإبعاد والتهجير والترحيل الجماعي والفردي سياسة خطيرة اعتمدت عليها سلطات الاحتلال منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية ضد الشعب الفلسطيني، وأبعدت بموجبها الآلاف من النشطاء من كافة التنظيمات الفلسطينية خارج الوطن، كوسيلة من وسائل العقاب للنشطاء وأقربائهم وذويهم وحتى ذوي الاستشهاديين بعد موتهم، وهي تعتبر من أقسى العقوبات غير المشروعة وغير القانونية، ولم تقتصر على حقبة معينة ، لكنها سارت بشكل متعرج، وتصاعدت خلال انتفاضة 1987 بشكل فردي وجماعي، ولكنها تراجعت بشكل كبير بعد قيام السلطة الوطنية عام 1994، وحتى اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول/ سبتمبر 2000 ، لكنها سرعان ما عادت وارتفعت بشكل ملحوظ خلال انتفاضة الأقصى، لا سيما سياسة الإبعاد من الضفة الى غزة والتي تصاعدت بشكل مضطرد .
وأوضح فروانة في تقريره أن سلطات الاحتلال أبعدت بتاريخ 10-5-2002 تسعة وثلاثين مواطنا فلسطينيا احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم، وفقاً لاتفاقية فلسطينية – إسرائيلية من أجل إنهاء حصار قوات الاحتلال للكنيسة لمدة 39 يوما، دون الكشف عن تفاصيل تلك الاتفاقية، و13 منهم تم إبعادهم إلى خارج البلاد عن طريق مطار 'بن غوريون' وتم نقلهم إلى قبرص ومن ثم وزعوا على عدة دول أوروبية، و26 مواطنا منهم نقلوا بحافلات إلى قطاع غزة، ولم تتح آنذاك لأي من المبعدين الفرصة بالاتصال أو الالتقاء بذويه، كما أن فترة الإبعاد لم تكن محددة ما أتاح لحكومة الاحتلال المماطلة والتلاعب والابتزاز، ومكنها أيضاً من حرمانهم من العودة لغاية اليوم رغم مرور أكثر من ست سنوات على إبعادهم .
وقال: شكَّل إبعاد محاصري كنيسة المهد بداية لمرحلة جديدة، مؤلمة وقاسية، شهدت لاحقا إبعاد عشرات الأسرى الفلسطينيين ممن يسكنون الضفة الغربية إلى قطاع غزة ، كعقاب فردي وجماعي.
ففي تموز/ يوليو 2002، أعلنت السلطات الإسرائيلية اعتزامها إبعاد أقارب الأشخاص الذين يعرف أو يشتبه في أنهم قاموا بتنظيم هجمات ضد إسرائيليين أو اشتركوا في تنفيذها.
وفي 1 آب/ أغسطس وقَّع قائد القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية تعديلاً للأمر العسكري رقم 378 (للعام 1970 والمتعلق بالأنظمة الأمنية) يجيز إبعاد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى قطاع غزة.
وبعد أقل من شهر على هذا التعديل أبعد المواطن أديب ثوابتة من بيت فجار إلى القطاع ، وفي كانون أول/ ديسمبر من نفس العام أبعد المواطن كفاح وشقيقته انتصار العجوري من مخيم عسكر بنابلس إلى قطاع غزة أيضاً، وكان الفلسطينيان انتصار وكفاح رهن الاعتقال منذ 4 يونيو/ حزيران و 18 يوليو/ حزيران على التوالي، دون توجيه أي تهم إليهما، كما لم تُتخذ أي إجراءات قضائية لتقديمهما إلى المحاكمة.
وأضاف: توالت حالات الإبعاد بشكل فردي وجماعي من الضفة الغربية إلى قطاع غزة وبشكل ملحوظ، كما استمرت حالات إبعاد أسرى وأسيرات إلى خارج فلسطين وتحديداً إلى الأردن تحت حجج عديدة، وفي حالات كثيرة تم إبعادهم بعد انتهاء فترة اعتقالهم الإداري أو انقضاء فترة محكومياتهم. وبعضهم عاد إلى أهله ومكان إقامته بعد انقضاء فترة إبعاده، فيما لا يزال العشرات من المبعدين في قطاع غزة وخارج فلسطين بانتظار السماح لهم بالعودة إلى أماكن سكنهم الأصلية وبيوتهم وأسرهم، بينهم مبعدو كنيسة المهد الذين لم يَعُد أي منهم إلى بيت لحم .
وأشار إلى أن كافة قرارات الإبعاد كانت تحظى بقرارات من أعلى هيئة قضائية وهي المحكمة الإسرائيلية العليا، ما يعني إضفاء الشرعية القضائية والقانونية على جرائم الاحتلال، ويعكس أيضا مدى تواطؤ القضاء الإسرائيلي مع الجهات الأمنية وعدم استقلاليته، ليصبح قضاء شكليا مزيفاً وشريكاً في هذه الجرائم.
وفقا للتفسير الدولي فإن الإبعاد القسري يعني نقل الشخص رغما عنه داخل أو عبر الحدود الوطنية، ويشكل بذلك ممارسة قسرية غير قانونية للأشخاص المحميين، ويمثل انتهاكا خطيرا وخرقا فاضحا لاتفاقية جنيف الرابعة، والمادة 147 منها ، تعتبره جريمة حرب ( يحظر النقل الجبري أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أياً كانت دواعيه).
وكذلك المادة 49 من ذات الاتفاقية (عمليات الإبعاد الفردية أو الجماعية، بالإضافة إلى عمليات تسفير الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة التي تحتلها أو إلى أراضي أي بلد آخر، سواء محتلاً أم لا، تعتبر محظورة بصرف النظر عن دوافعها).
أما قانون روما الأساسي ' للمحكمة الجنائية الدولية ' فاعتبر الإبعاد أيضاً جريمة حرب، وعرف الإبعاد القسري بأنه تهجير قسري للأشخاص المعنيين عن طريق الطرد، أو غيره من أفعال الإكراه، واعتبر إبعاد جزء من سكان الأراضي المحتلة أو جميعهم، سواء داخل أراضيهم أو خارجها، على أيدي قوة الاحتلال، بأنه جريمة حرب.
كما أن المادة السابعة (د) من قانون روما أيضاً نصت على أن 'الإبعاد القسري للسكان يشكل كذلك جريمة ضد الإنسانية في حالة تنفيذه على نطاق واسع أو بطريقة منظمة كجزء من سياسة حكومية'.
وبالإضافة إلى ذلك كانت المادة التاسعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واضحة في نصها (لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً). بمعنى أن الإبعاد هو ممارسة محظورة وغير قانونية وفقاً للقانون الدولي ولا يجوز اللجوء لممارسته، و تعتبر ممارسته أياً كانت الظروف والدوافع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تستوجب الملاحقة والمحاكمة الدولية .
وأشار الباحث فروانة إلى أن الإبعاد إن نفذ بالاتفاق بين طرفين على إبعاد أحدهما، حتى وإن كان لفترة محدودة الزمن، فإن هذا لا يعني منحه الشرعية على الإطلاق، فالإبعاد أي كانت طريقته وشكله، هو غير شرعي وغير قانوني، وإن الموافقة على ما يخالف اتفاقية جنيف أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي الإنساني وفقاً للمادة الثامنة (لا يجوز للأشخاص المحميين التنازل في أي حال من الأحوال جزئيا أو كليا عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية).
وأعرب فروانة عن خشيته من أن تتحول قضية الأسيرة الهشلمون من قضية نطالب بحلها جذريا من خلال وقف تجديد الاعتقال الإداري بحقها وإطلاق سراحها فورا وعودتها إلى بيتها وأطفالها، إلى قضية يمكن التغاضي عن استمرار اعتقالها الإداري والتجديد لها للمرة التاسعة، مقابل إلغاء اقتراح إبعادها إلى الأردن وعدم تحويله إلى قرار بالإبعاد.
يذكر أن الأسرة نورا محمد شكري الهشلمون من مواليد 1971 ، ومن سكان مدينة الخليل ، معتقلة منذ 14-9-2006 رهن الاعتقال الإداري وجدد لها للمرة الثامنة والتي تنتهي مدته بتاريخ 11-6-2008، وهي أم لستة أبناء، وتقبع حالياً في سجن النساء 'هشارون'، وزوجها محمد الهشلمون هو الآخر رهن الاعتقال الإداري في سجن ريمون منذ عامين تقريبا.
وأكد فروانة أن الإبعاد سياسة قديمة جديدة تمارسها وتنتهجها سلطات الاحتلال بشكل ممنهج وبغطاء قانوني، وهي بذلك تنتهك كافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي اعتبرت الإبعاد القسري ممارسة غير مشروعة وجريمة ضد الإنسانية، بل جريمة حرب تستدعي ملاحقتها في المحاكم الدولية، ولكن استمرار إسرائيل في انتهاكاتها وفي تنفيذ قرارات الإبعاد القسري بحق المدنيين يعكس استهتارها بحقوق المدنيين أولاً وبالمجتمع الدولي بمؤسسات المختلفة والتي لم تحرك ساكنا طوال العقود الماضية ثانياً، وعدم مبالاتها بالمحاكم الدولية التي لم تلاحق مجرمي الحرب من الإسرائيليين ثالثاً، ورابعاً ضعف بل غياب المؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والعربية وعدم قيامها بأية إجراءات ملموسة مؤثرة يمكن أن تشكل رادع لسلطات الاحتلال وتضع حداً لممارساتها.
وقال: إن قضية الأسيرة الهشلمون المهددة باستمرار احتجازها إداريا أو إبعادها مع أبنائها إلى الأردن يجب أن تفتح ملفي الإبعاد والاعتقال الإداري معاً، وعلى كافة المؤسسات الحقوقية ومنظمات حقوق الإنسان في فلسطين ذات الامتدادات والعلاقات الدولية أن تتحرك وتستغل نفوذها وعلاقاتها، بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات المعنية بقضايا الأسرى، بهدف تفعيل المحافل الدولية ذات الصلة بالموضوع، للضغط على حكومة الاحتلال لوقف ممارستها لسياسة الإبعاد وعودة المبعدين إلى ديارهم وأسرهم .