|
أبناء يؤجلون الزواج بانتظار تحرر آبائهم ضمن صفقة التبادل
|
|
وسام محمد الحسني | الأسير محمد الحسني |
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
11-2-2009
الساعة : 18:30
محمد عبد الهادي محمد الحسني .. أسير فلسطيني يقبع في سجون الإحتلال منذ الرابع من آذار / مارس عام 1986 ، ويقضي حكماً بالسجن ثلاثين عاماً ، ويقف شامخاً على قائمة عمداء الأسرى ، ويحتل مكانة متقدمة عليها ويحمل الرقم " 34 " من حيث الأقدمية ، بل ويعتبر أحد أبرز وأقدم معتقلي قطاع غزة ، كما ويعتبر أحد قيادات حركة الجهاد الإسلامي في السجون والحركة الأسيرة عامة ، وتزوج أوائل الثمانينات من امرأة فاضلة ، أنجب منها ( هيام وكلثوم ) ، وولد واحد اسمه ( وسام ) ، واختارت البقاء بجانبه في أحلك الظروف وأقساها وفضلت الجهاد في تربية أطفالهما ، متسلحة بالإيمان والصبر والصمود ،.
" محمد الحسني " 49 عاماً ، مرّ خلال مسيرة اعتقاله الطويلة بالعديد من المواقف المؤلمة والمشاهد المؤثرة وخاض بشكل فردي أو مع اخوانه تجارب عدة ، في التحقيق وفي معارك الأمعاء الخاوية ، وتنقل قسراً خلال سنوات الإعتقال للعيش في سجون عدة كنفحة وعسقلان وريمون وبئر السبع وهداريم وغيرها ، وكثيراً ما رقد على أسرة ما يُسمى مستشفى سجن الرملة لأيام طويلة في ظل سياسة الإهمال الطبي حيث يعاني من عدة أمراض ، وعانى كغيره من الحرمان من زيارات الإهل لشهور طويلة ، بل ولسنوات عديدة ، فكبر الصغار وتزوج الأبناء ورحل الكبار ... ولازال " محمد " يقبع خلف الأسوار .
بل والأقسى والأكثر مراراة ومعاناة بأنه يقبع في زنازين العزل الإنفرادية في سجن هداريم ومن قبلها " ايشل " منذ سبع سنوات متواصلة .
وكنت قد قلت مراراً وتكراراً وفي مقالات وتقارير عدة بأن لكل أسير من الأسرى ، لاسيما من القدامى منهم ، قصصه الطويلة وحكاياته المؤلمة ورواياته المريرة ، والتي تحتاج لأمهر الكتاب والمؤرخين لتدوينها أو على الأقل لصحفيين محترفين أو شعراء مميزين ... قصص تعكس حجم معاناتهم ومعاناة ذويهم ، قصص بتقديري لا يمكن أن تترجم بكلمات هنا أوهناك ، مهما كان الكاتب مبدعاً ، ولكن من الضروري الكتابة بعيداً عن الشكل الإخباري في تناول قصص مشابهة .
وأعجبني اليوم تقريراً قرأته على الجزيرة نت أعده الأخ والزميل ضياء الكحلوت تحت عنوان " زواج وسام ينتظر صفقة تبادل الأسرى " .. وصراحة وانا اتنقل بين سطوره وكلماته تذكرت تجربتي الشخصية ومسيرة حياتي ومسيرة سنوات اعتقال أبي الطويلة ، فكان التشابه كبيراً .. آمل أن تكون الخاتمة متشابهة أيضاً .. حيث والدي كان قد تحرر ضمن صفقة التبادل الكبيرة عام 1985 ، واليوم آمل أن يتحرر والد " وسام " ضمن صفقة التبادل عام 2009 .
وما انتهيت من قراءته حتى سارعت بالإتصال بالصديق " وسام " نجل الأسير محمد الحسني لأشد على أياديه وأحيي فيه هذا الإصرار الرائع ، والوفاء اللامحدود لوالده ، ولأغذي فيه أمل متجذر ، أمل باقِ بداخله لم ولن يُنتزع .. نأمل بأن يتحقق قريباً ويتحول الى واقع ملموس ، أمل بعودة أبيه واحتضانه والعيش بجانبه كباقي أطفال العالم .. أمل بأن يشاركه والده حفل زفافه ... والمؤلم بأن هذا الأمل قد لايتحقق قريباً " اذا سارت الرياح بما لاتشتهي السفن " ..
بدأت القصة .. وحكاية الفراق والإعتقال منذ قرابة ربع قرن ، لتمتد فصولها الى يومنا هذا ، ولا نعرف متى وكيف ستُكتب خاتمتها ... أما نجله " وسام " وأسرته الصغيرة ودائرته الإجتماعية الكبيرة ، يأملون بأن تستطع فصائل المقاومة الفلسطينية أن تصيغ نهايتها بشكل يضع حداً لمعاناتهم ، وأن تُسطر خاتمة سعيدة بعودة ميمونة وسالمة له باذن الله ضمن صفقة تبادل الأسرى المتوقعة مع الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " ، والتي كثُر الحديث حولها في الأسابيع الأخيرة ، ونحن وشعبه نتمنى بالفعل أن تكفل الصفقة اطلاق سراحه وسراح كافة الأسرى القدامى ، وقلنا بالأمس القريب ، بأن أي صفقة لا تشمل الإفراج عن كافة الأسرى القدامى فهي صفقة غير مقبولة .
ولد " وسام " بتاريخ 23 يوليو / تموز عام 1985 ، وبعد سبعة شهور تقريباً اعتقل والده في الرابع من آذار / مارس عام 1986 ، وفي العام 2002 زُفت ( هيام ) الي بيت زوجها دون حضور والدها ، وفقط اكتفى بالحديث بضعة كلمات عبر الهواتف النقالة المهربة ، فكانت كلماته مؤثرة أبكت كل من سمعها ، بل وأجهش الجميع بالبكاء ، ولكنها كانت أكثر حظاً من شقيقتها ( كلثوم ) التي زُفت هي الأخرى عام 2004 وانتقلت لبيت زوجها دون مشاركة والدها ولو بكلمة واحدة عبر الهاتف .
وفي العام 1995 توفى والده " الحاج أبو زكي " دون أن يُسمح له بالمشاركة في تشييع جثمانه الى مثواه الأخير أو تقبيله قبلة الوداع الأخير .
أما " وسام " 24 عاماً ، والذي الذي لم يرَ والده منذ عشر سنوات ،فحاله مختلف تماماً ويعتقد بأن الأمر بالنسبة له مختلف تماماً عن شقيقاته ، ويرفض الإستجابة لدعوات عائلته ووالده للزواج ويُصر على الإنتظار حتى يتم اطلاق سراح والده ضمن صفقة التبادل المتوقعة أو بعد أن تنتهي محكوميته بعد سبع سنوات .
فزواج " وسام " مرهون بنجاح الصفقة ... فهل يا ترى سيُكتب للصفقة النجاح قريباً .. وأن يعم الفرح بيت عائلة الحسني ؟ .. نأمل من الله أن يتحقق ذلك ، فعائلة الأسير " الحسني " وعائلات الأسرى عموماً تترقب بشغف وأمل صفقة التبادل وتنتظر انجازها على أحر من الجمر .
* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "
http://www.palestinebehindbars.org/