فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

 

   

 

 

حواديت -  بانتظار ابنها الشهيد

بقلم / د.أسامة الفرا

29-12-2009

بدأت تعيد على مسامعنا حوارها الأخير مع ابنها، تستوقفها بعض كلماته لتجبرها على الغوص في التحليل ولغة الاستنباط، لم تكن تتوقع أن يكون ذلك هو حوارها الأخير معه، ولم تكتشف حينها من بين مفرداته ما يوحي بأنه ذاهب لأمر جلل، كان همه أن يطمئن لرضاها عليه وأن يحصنها من الحزن مازجاً في حديثه بين الضحك والجد، خفق قلبها لدى سماعها بعملية الوهم المتبدد التي أفضت لأسر الجندي الاسرائيلي "غلعاد شاليط"، ولم يمهلها طويلاً من جاء يخبرها باستشهاد ابنها "محمد" في العملية، لتتكشف لها بعد ذلك التفاصل التي حاول ابنها أن يبقيها بعيداً عنها، كانت على ثقة بانتماء أبنائها الصادق للوطن وترابه وهي التي شربتهم ذلك بالعمل لا بالقول منذ خطواتهم الأولى على هذه الأرض، ولكنها لم تكن تعلم أن ابنها "محمد" انخرط في صفوف جيش الاسلام وأنه يعد العدة منذ فترة للمشاركة في عملية كبيرة.


كانت الفاضلة أحلام فروانه " أم علي" تقص علينا حكايتها الأخيرة مع ابنها لتتوقف بين الفينة والأخرى عند ابتسامة اعجاب بابنها الذي استطاع أن يخفي عنها "بهزله" الكثير من نواياه، كنت قد تعرفت على "أم علي" من خلال نشاطها المجتمعي المتميز، كانت قد أسست جمعية خيرية في مدينة خان يونس سمتها أميرة "تيمناً بابنتها الصغيرة"، دعيت من الصديق أبو بكر حجازي "الأسير الأول" لافتتاحها برفقة الشهيد اللواء "أبو حميد"، كانت أم علي قد استقطعت جزءاً من منزلها مقراً للجمعية، بدأت بعدد قليل من ماكنات "التريكو"، ورغم المكان الضيق والامكانات المتواضعة الا أن أم علي كانت تتحدث بتفاؤل منقطع النظير وبثقة بالمستقبل لا يتسلل اليها الشك .

منذ اليوم الأول لانخراطها في العمل المجتمعي الخيري كان من الواضح أنها تسخر الكثير من وقتها وجهدها ليس بحثاً عن النجاح الشخصي بقدر ما فيه من تخفيف لمعاناة شريحة واسعة من المجتمع، استهدفت المرأة عبر دورات تدريبية متنوعة لتصقل فيها الطاقة الانتاجية القادرة بها على مواجهة التحديات التي فرضها عليها الزمن، بعد أشهر قليلة توسعت الجمعية وتعددت أغراضها، وقدر لي أن أزور مقراً آخر للجمعية تم تشييده في منطقة مهمشة تفتقر لكثير من الخدمات على حدود المستوطنات الاسرائيلية، موقع المقر يحمل الكثير من التحدي ونشاطاته تستقيها من حركة الأطفال في الروضة ومجموعة من النسوة في ركن منه يقمن باعداد وجبة طعام يومية توزع مجاناً على الآلاف من أطفال الرياض في محافظة خان يونس، طاقة العمل التي تحلت بها أم علي هي التي دفعتها للخروج من نطاق أسرتها الضيقة لأسرة المجتمع الأوسع، وصدق تعاملها يقف خلف استقطاب شريحة واسعة من المجتمع للانخراط في أنشطة الجمعية، وفي الوقت ذاته استحوذت من خلاله على ثقة المؤسسات المانحة.


ما دعاني للاستطالة في هذا الحديث ذلك الخبر، الذي تناقلته وسائل الاعلام على لسان الأخ عبد الناصر فروانة الباحث المختص بشؤون الأسرى، حول مطالبة عائلة فروانة الفصائل الآسرة لشاليط باستعادة جثمان شهيدها "محمد" المحتجز لدى سلطات الاحتلال الاسرائيلي في اطار صفقة التبادل، المطالبة تأتي مترافقة مع تكثيف الجهود لاتمام صفقة تبادل الأسرى، وكان الاحتلال قد اشترط تسليم جثمان الشهيد لذويه باستعادة الجندي شاليط، وحيث ان ثقتنا بالتزام الاحتلال بتعهداته تعادل صفراً كبيراً، وان كنا نتطلع لانهاء الصفقة والافراج عن جزء من أسرانا، الا أن الافراج عن الشهيد يجب أن يأتي متقدماً عمن سواه خاصة وأنه من كتب بدمه بدايات الحكاية، فهل كان مطلوبا من عائلة فروانة أن تذكر الفصائل الأسرة لشاليط بجثمان شهيدها محمد ؟.