" العربية نت " حاورت بعضهم عبر " فيسبوك "

شبكات التواصل الاجتماعي ملاذ الأسرى الفلسطينيين للتواصل مع عالمهم الخارجي

 

رام الله -13-6-2011-  عبدالحفيظ جعوان- ليس من السهل التصديق أن أسيراً فلسطينياً لم تره عيناك منذ 11 عاماً, يتحدث إليك عبر نافذة 'فيسبوك', وأنه يعرف أخبارك وما استجد على حياتك, لكن هذا ما حصل مع الأسير 'ا س' الذي يقضي حكماً بالسجن 15 عاماً في السجون الإسرائيلية, بسبب نشاطه خلال انتفاضة الأقصى الفلسطينية.

لقد نجحت شبكات التواصل الاجتماعي مثل 'فيسبوك وتويتر' وغيرهما في اختراق الجدران والأسلاك الشائكة التي تفصل الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية عن محيطهم الاجتماعي, وفي المقابل تمكّن الأسرى من الاستفادة من هذه القدرة للشبكات الاجتماعية ليتواصلوا مع مجتمعهم الذي لطالما عزلوا عنه.

 

يقول الأسير 'ا س' الذي حاورته 'العربية.نت', من خلال 'فيسبوك': أستطيع الإحساس بالتغيرات في الحياة وما يجري في الخارج, وكيف تتطور الأمور. أراقب أقربائي الذين كانوا أطفالاً عندما تم اعتقالي, وكيف يكبرون ويفكرون, أراقب الحائط الخاص بصفحاتهم, وكيف تتفاعل مشاعرهم مع الحياة ومستجداتها، كما أعرف ما يجري في الحي الذي كنت أعيش فيه وأحوال أولاد جيراننا, ولديّ شبكة أصدقاء واسعة على 'فيسبوك' نتفاعل معاً, يشكون لي همهم وأشكو لهم همي. والأهم من ذلك أن 'فيسبوك' ساعدني على التعرف إلى فتاة أنوي الارتباط بها بعد انقضاء فترة سجني, ونحن نتبادل الصور والمشاعر على 'فيسبوك'.

 

أما سياسياً, فـ'فيسبوك' يساعدني على التواصل مع المواقع الإخبارية ومع الكثير من السياسيين والمسؤولين الفلسطينيين, أنا أقرأ ما يكتبون وتحليلاتهم السياسية, وفي الكثير من الأحيان أضع تساؤلاتي ويجيبون عنها.

 

بدائل اجتماعية ونفسية

 

وقد بيّنت البحوث الاجتماعية والنفسية أن أهم المشاكل التي تواجه الأسير الفلسطيني, حال تحرره من المعتقلات, هي القدرة على التفاعل مجدداً مع المتغيرات المختلفة, سواء الاجتماعية او الاقتصادية وحتى التكنولوجية, ولهذا الغرض افتتحت العديد من مراكز إعادة التأهيل, التي تعنى بالأسرى وحاجاتهم بعد التحرر, لاسيما حاجتهم للتأقلم مجدداً مع الواقع خارج السجون الإسرائيلية, ويبدو أن فيسبوك سيصبح من أهم العوامل المساعدة التي تبقي الأسير الفلسطيني مواكباً لما يجري في العالم من متغيرات.

ويقول 'ا س': كان هناك حادثتان جعلتني أصر على مواكبة المتغيرات في العالم, خصوصاً مواكبة التكنولوجيا وعالم السيارات, وذلك رغم وجودي في السجن,

فعندما دخلت السجن قبل 11 عاماً, قابلت أبوالسكر وقد كان من أقدم الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية, وكان قد مضى على وجوده في المعتقلات الإسرائيلية 29 عاماً, وقد سألني أبوالسكر عن حقيقة أن هناك سيارات تقفل وحدها, وإن كانت مسألة ارتفاع وانخفاض زجاجها على الكهرباء طرفة ام حقيقة.

 

أما أحمد عوض والذي يتواجد في المعتقلات الإسرائيلية منذ عام 1993, وبينما كان يتفحص جهاز هاتف خلوياً, رنّ الهاتف وهو في وضعية الاهتزاز, الأمر الذي أفزع الرجل, ما دفعه لإلقاء الهاتف بعيداً عنه.

لقد قرر 'ا س' في ذلك اليوم أنه لن يكون بعيداً عن ما يجري خارج حدود المعتقل, وأنه سوف يتحدى إرادة السجان في عزله وتجهيله, لذلك بحث عن عديد الوسائل التي قد تساعده على هذا الأمر, ومنها شبكات التواصل الاجتماعي.

 

وتتيح إدارة السجون الإسرائيلية هواتف عمومية في بعض المعتقلات يمكن للأسير استعمالها في أوقات محددة, وضمن أنظمة وقوانين خاصة, أما الهواتف الذكية الجوالة التي تحمل شرائح 3G التي يستعملها الأسرى في الولوج للشبكة العنكبوتية فهي ممنوعة, ويعاقب عليها القانون الإسرائيلي إن وجدت لدى أي أسير, لكن ذلك لم يمنع الأسرى من اقتناء الهواتف الخلوية, حيث يجري استعمالها بعيداً عن أعين السجان, ويتم بعدها إخفاؤها بطرق سرية لا يمكن الإفصاح عنها.

 

ويقول الأسير 'ا س' لدينا اتفاقية ضمنية مع إدارة السجن, هي تعلم أن لدينا أجهزة هاتف نقالة ذكية, وتعلم أننا نخفيها في عنابرنا, لكنها لا تكترث, طالما أننا لا نستخدمها في أمور تعتبرها الإدارة أمنية أو عسكرية, نستطيع تصوير أنفسنا صور شخصية بكاميرا الهاتف, وإرسال الصور مباشرة إلى أحبائنا و أقربائنا, أو حتى نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي, ولكن هناك بعض الأمور التي نتحاشى تصويرها أو التركيز عليها, خشية من أن تثير إدارة السجن ضدنا, وبالتالي تقوم الإدارة بحملات مفاجئة وتصادر ما نمتلكه من أجهزة هاتف خلوية. وهو الأمر الذي يبقينا حذرين في مسألة الكشف عن أسمائنا عند الحديث مع وسائل الإعلام باستخدام هواتفنا الشخصية, فإدارة السجن ستعتبر الأمر تحدياً مباشراً لها وستعمل على استهدافنا مباشرة ومصادرة أجهزتنا.

 

رشاوى للضباط

مسألة تهريب أجهزة الهاتف النقال إلى داخل المعتقلات الإسرائيلية ليست بالأمر الهين, فالسلطات الإسرائيلية تقوم بإجراءات فحص مشددة أثناء الزيارات لذلك اضطر الأسرى لدفع رشاوى كبيرة لبعض الضباط الإسرائيليين كي يتغاضوا عن تمرير هاتف نقال إلى السجن, وهو الأمر الذي رفع سعر الجهاز الواحد إلى قرابة 20 ألف دولار في بعض الأحيان, أما الشريحة فكان يصل ثمنها إلى 500 دولار.

 

ويقول الأسير 'م ص' والذي يمتلك جهاز هاتف نقالاً من نوع NOKIA E66, لقد جرى استغلال الأسرى بشكل كبير سابقاً, المبالغ التي كانت تدفع في سبيل هاتف نقال خيالية جداً, حيث حاول البعض استغلال حاجة الأسرى للتواصل الدائم مع الأهل خارج السجن, لذا افتتحوا داخل السجن ما أصبح يعرف بشركات التأجير, وفي أحيان كثيرة كان بعض الضباط من إدارة السجن يستفيدون مالياً من هذا الأمر. وقد اضطررت لصرف الغالي والنفس من أجل امتلاك هذا الهاتف, الذي يساعدني على التواصل الدائم مع العالم الخارجي.

وتكافح الحركة الأسيرة الآن من أجل وقف هذه الظاهرة, وقد نجحت في خفض سعر الشرائح الخاصة بالهاتف النقال إلى مستويات معقولة, أما بالنسبة لسعر الجهاز النقال فقد ظل مرتفعاً, بسبب الرشاوى التي تدفع لإدخاله, حيث مازال سعره يقترب من 10 آلاف دولار.

 

أما الصفحة الخاصة بالأسير 'ج ع' على فيسبوك فهي مليئة بصور مختلفة من جامعة بيرزيت ومدينة رام الله, وقريته الصغيرة وشواهد أخرى معروفة, حيث يقوم أصدقاء الأسير في الكثير من الأحيان بالتقاط صور مختلفة، إما لأماكن أو لأشخاص, ووضعها على صفحته على فيسبوك, أو إرسالها إلى بريده الالكتروني الخاص, ليتمكن من مشاهدتها, ومعايشة الواقع ومتغيراته وتحديث ذاكرته.

 

انتشار تقنية 3G بين السجناء

 

 

وتعمل شبكات الهاتف الخلوي الإسرائيلية التي يستعملها الأسرى الفلسطينيون بتقنية الـ3G، وهو الأمر الذي مكّن الأسرى ليس فقط من الولوج إلى شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي, بل أيضاً مكنهم من محاكاة الواقع والتفاعل معه مادياً وروحياً.

 

ويقول الأسير 'م ص': مات والدي ولم أتمكن من حضور جنازته أو توديعه, وقد اتصلت بأحد الأصدقاء وطلبت منه أن يتوجه مع الجنازة إلى المقبرة, واتصلت به مستعملاً الـvideo phone، وهكذا شاركت في الجنازة والتأبين وشاهدت قبر والدي وقرأت الفاتحة على روحه في عين المكان, كما أنني أتحدث مراراً مع أختي المحرومة من زيارتي بسبب الرفض الأمني, مستخدماً التقنية ذاتهاً , وهو ما يغني ولو نسبياً عن رؤيتها بشكل مباشر.

 

أما الأسير 'ج ع' فيقول إن استعمال الـvideo phone وتقنية الـ3G قد تذهب إلى ما هو أبعد من الأمور العاطفية والروحانية، فقد أصبحت أختار الملابس التي أرغب فيها, والتي كان الأهل سابقاً يجتهدون في اختيارها لي, الآن أستطيع مشاهدة الملابس قبل شرائها, وتحديد ما أريد منها.

ويؤكد الأسير 'ا س' أن استخدام فيسبوك والوسائط التكنولوجية الأخرى في السجون الإسرائيلية منتشرة بشكل كبير, وهي كما الحياة في الخارج, يمكن أن تستعمل بشكل ايجابي, ويمكن أيضاً أن يكون لها أثر سلبي, فالبعض قد أدمن على فيسبوك مثلاً, وأهمل أنشطة ثقافية عديدة تجري في المعتقلات. كذلك بالنسبة للتأثير النفسي فيمكن أن تشكل معايشة الواقع افتراضياً وعدم المقدرة على ممارسته ألماً نفسياً وعامل إحباط شديداً, ويمكن أن تكون في نفس الوقت نافذة حرية وخروجاً من عزل اجتماعي وإنساني يسعى السجان لفرضه على الأسير الفلسطيني