الأسير / علاء الديـن .. سـراج يجرح ظلام المرحلـة

 

 بقلم الأسير / وليد دقـة

سجن الرملة 25/5/2005

سأحكي لكم قصة علاء الدين* الذي إعتقدته مبصراً فأكتشفت أنني ضرير

..
علاء الدين أحمد بازيان، ليس إسماً لقصة تاريخية وإنما هو حقيقة رجل من لحم ودم، قطعة من قلب هذا التاريخ النازف، بل هو ممن خطوا لنا بجسدهم عطاءاً وكفاحاً.

علاء الدين الذي كتبنا ملحمة لم نكتبه قصيدة ....

وعلاء الدين ليس إسماً لبطل إسطورة خرافية، وإنما لبطولة إنسان يعيش بيننا الآن هنا في سجن الرملة وفي هذا الزمن الذي إنتهت منه الخرافات والأساطير ولا يؤمن ناسه إلا بالوقائع الحية الملموسة .. فدفن علاء في غياهب السجون حياً ملموساً ما يزيد عن الربع قرن!

وعلاء الدين ليس إسماً لسراج المعجزات، وإنما لرجل رأى بعقله المتقد وتجربته الإنسانية والنضالية النافذة طريق الحرية .. بكثير من الواقعية السياسية والنضالية بعيداً عن العدمية ومنطق التنجيم وإستراتيجيات الشعوذة، فكان لي شرف أن يمسك بيدي أنا الأسير الشاب حديث التجربة المبصر، حتى يقودني، هو الضرير، ليجنبني التعثر في عتمة الزنازين، فغدا علاء الدين بهذا المعنى قنديلاً يجرح ظلام المرحلة.

حين نغني "عيوننا للوطن"، لعلاء هذا ليس نشيداً ولا بلاغة وفذلكة لغوية .. فعلاء حين طلبت منه مدينته القدس – أورسالم نورها الكامل منحها "أبا كمال" كامل النور الذي أبصر.

علاء يرفض أن يكون أسطورة أو أيقونة تعلق على جدران من حوّلوا المعاناة لمعارض، والوطن إلى تراث وأصرّ دوماً أن يبقى ذاك المناضل الإنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمات من عمق ثوري وبساطة وتواضع في نفس الآن، حتى لا يتحوّل الوطن إلى ما يشبه الوطن وحتى لا يتحوّل

النضال إلى ما يشبه النضال، والمناضلون إلى أشباه مناضلين، والحرية والإستقلال إلى ما يشبه الحرية والإستقلال فيغدو الأسير قضية تقدّم على القضية.

علاء الدين الذي إعتقل شاباً في الحادي والعشرين من عمره، أمضى في السجن أكثر مما أمضى خارجه وما زال يقضي .. وعلاء الذي فقد بصره منذ ذلك الحين يرفض أن يتكيء على عجزه العضوي ليبرّر عجزاً أو قصوراً، قد يكون مبرّراً له في وضعه العضوي، لكنه يمقت العجز ..

عجزنا .. عجزكم، ويرفض أن يكون الحالة الإنسانية المثيرة للشفقة، ويصرّ على أن يبقى الإنسان والمناضل الذي يشارك الحركة الأسيرة كل نقاشاتها السياسية والنظرية ومعارك الإضراب المفتوح عن الطعام وأيام التضامن وغيرها .. علاء الدين ينتمي لفئة النافخين على جمرات قيمنا الإنسانية والنضالية الجامعة حتى لا نفقد بصيرتنا .. وعلاء يقدم للوافدين الشباب بسلوكه الحي كيف يجب أن يكون المناضل، حين يهتم بدراسة التاريخ والأدب والفلسفة دون أن يهمل ساعة الرياضة اليومية .. علاء سيلتحق قريباً بالجامعة المفتوحة.

بالأمس كنت أمسك بيده كعادتنا أثناء السير في باحة السجن فاصطدمت بعامود برج السلة، ضحكت وضحك الجميع وتساءلوا من يقود من؟

لقد أقنعتنا يا صديقي بأنك أقوانا، نسينا إصابتك .. فأنا لم أسمعك يوماً تشكو أو تتأفف لاعناً العتمة .. عرفتك على الدوام مناقشاً للأوضاع محللاً لها شاداً من أزر محيطك. كنت على الدوام نداً في أصغر القضايا كما في أكبرها .. دائماً كنت الفائز في لعبة الدومينو. حتى السجان يا أبو كمال، حتى السجان لم يقتنع بأنك ضرير .. أتذكر يوم إستدعيت لعيادة السجن وطلبوا فحصك مجدداً للتأكد من أنك لا تبصر .. قيل لك بأن أحد السجانين شاهدك تقف أمام المغسلة وتحلق ذقنك فظنوك تستخدم المرآة!

أنت كما أنت وكبرياؤك يا صديقي أنسانا سؤالك وسؤال أنفسنا، كيف يتصرّف علاء في المواجهات العنيفة التي تنشب بيننا وبين السجان؟ كيف يتقي الغاز المسيل للدموع والهراوات التي تسقط عليه دون أن يتمكن من إحتساب جهتها .. ولا تشفع له العتمة الأبدية؟ نسينا يا صديقي أن نسألك كيف تجمع ملابسك وأغراضك الشخصية بعد كل تفتيش عنيف يخلف وراءه كومة منها في وسط الزنزانة؟ ونسينا أن نسألك كيف تقوم بأبسط الأمور الحياتية كعقد رباط حذائك والسير من السرير إلى الحمام بعد أن تتغيّر عليك جغرافيا المكان في كل عملية نقل من سجن لآخر؟ علاء الدين يرحّل من سجن لآخر ويكبّل كسائر الأسرى بالأصفاد بيديه وساقيه حتى لا يتمكن من الهرب!!

علاء الدين رجل التفاصيل الحريص على أن يظهر بأفضل ما يكون أمام زائريه. لن يرى الشيب الذي يخط شعر أمه ولا الأخاديد التي حفرت وجه والده ولا وجه أسمى إبنة أخيه الذي قتل مغدوراً. لكنه يرى بعيونها الأمل ويسمع بصوتها حزن مدينته وفي حديثها التساؤل والسؤال الدائم .. كم حرّ طليق مكبل سجين بأصفاد عمى البصيرة؟ كم مبصر نحتاج كي يروا بعض ما تراه؟

علاء الدين إستثني من الإفراجات على مدار سنوات أوسلو ولم يحظ بإهتمام "المبصرين" ممن فاوضوا. وعلاء الدين لن يرى النور في آخر النفق ما دمتم تقدمون مثل هذا الأداء. علاء الذي كتبكم لن يقرأ هذه الكلمات، فهل ستقرؤونه؟؟

*  الإسم: علاء الدين أحمد البازيان.

السكن: مدينة القدس – البلدة القديمة.

إعتقل أول مرة عام 79 وكان قد فقد بصره في إحدى العمليات العسكرية. أمضى ست سنوات في السجن، وإعتقل مرة أخرى بعد إحدى عشر شهراً في تاريخ 86/4/20 وحوكم بالسجن المؤبد بتهمة ترأس مجموعة عسكرية.

 

 

* الكاتب : معتقل منذ 25/02/1986 وهو من مناطق التي إحتلت عام 1948