الحاجة سبتية " ام الاسرى " 20 عاما على بوابات السجون

شقيقها اول شهيد والاحتلال اعتقل كل اسرتها  وابنها عاهد محكوم بالسجن المؤبد   وكريمتها  لنان في هشارون

تقرير علي سمودي

" ام الاسرى" الاسم الاخر الذي تتفاخر به  الحاجة  سبتية ابو غلمة "ام محمد " كوسام فخر واعتزاز كرمتها بها مؤسسات وفعاليات بلدتها بيت فوريك ، تقديرا لصمودها وتعبيرا عن الاعتزاز بما تمثله من نموذج للمراة الفلسطينية التي قهرت عذابات السجن والسجان ، ولا زالت صابرة قوية متماسكة رغم انها امضت العشرين عاما الاخيرة من عمرها على بوابات السجون الاسرائيلية التي لا زالت تغتصب حرية ولدها عاهد يوسف ابو غلمة  "ابو قيس" و كريمتها  لنان بعد تحرر تغريد ،وقائمة طويلة من الاحفاد والانسباء والاقارب بينهم الاسرى و الشهداء والجرحى .

ورغم ذلك ، لا زالت ام الاسرى التي تجاوزت العقد  السابع   صابرة وهي على قناعة راسخة ان ما قام به كل احبتها كما تقول "واجب وطني في سبيل حرية الوطن وشعبنا ، وكل شيء من اجل فلسطين يهون المهم ان نتخلص من الاحتلال ونحقق احلام الشهداء ، فلن يرهبنا السجن ولن تنال من عزيمتنا سياسات الاحتلال لاننا اصحاب حق وقضية عادلة ومشروعه " ، كلمات ترددها بقناعة وايمان وعقيدة  في كل لحظة دون ادنى تردد او خوف.

الزمن الصعب

ولـ " أم الاسرى"  حكاية قاسية مع زمن كانت ايامه وسنواته محطات من العذاب تحتاج لمجلدات ومؤرخين لترصد تفاصيلها التي  لم تتوقف طوال عشرين عاما ،  لكنها عاشت احد صورها  المؤلمة  مؤخرا ، فقد عاشت الحاجة سبيتة وزوجها السبعيني يوسف  لاول مرة مشاعر الفرح كما تقول لان شمل عائلتها يجتمع بعد سنوات طويلة في منزلها ،ورغم حزننا  على غياب ابني عاهد احسست ببعض الفرح لان حفيدي ايمن خرج  من السجن وقبله كان افرج عن ابنتي لنان وشقيقه نضال الذي اجلنا فرحه عدة مرات بانتظار ايمن ، وفي العرس لم اتوقف عن الغناء  لعاهد حبيب عمري ومهجة قلبي الذي حرمنا الاحتلال وجوده بيننا في مناسباتنا السعيدة ، واخفيت دموع لتعبر اغنيات الفرح عن املنا بتحرره ، ولكن الاحتلال كان لنا بالمرصاد لينغص علينا تلك الفرحة .

ليلة لا تنسى

كانت ليلة لا تنسى قالت "ام محمد" ، في ساعة واحدة اقتحم العشرات من الجنود منازلنا واعتقلوا احفادي ليث ابن مفيد وايمن ابن محمد  الذي لم يمضي على خروجه من السجن سوى شهر ونصف ، وزوج ابنتي ساجد شقيق  الشهيد ابو وطن واخوه مصعب وابن خالي وابن اخوي ،وتضيف في اعتقالهم تذكرت وزوجي الصابر معي  لحظة اقتحام قوات الاحتلال لسجن اريحا واختطاف عاهد ورفاقه نفس المشهد المؤلم يتكرر ، وكانت  الصدمة الشديدة  باعتقال  تغريد ولنان ، وتضيف رغم قوة عزيمتي لم اتمالك اعصابي وشعرت بحزن شديد وانا اتساءل ماذا يريدون من بناتي الم يكتفوا بالشباب ، أي مصيبة اكبر من هذه ، انهم يريدون الانتقام منا وخاصة من ابني عاهد كيف سيكون تاثير خبر اعتقال شقيقاته وابناء اشقاءه عليه ، وهو يعيش منذ   14-1-2010  وحيدا في الزنازين الانفرادية .

اول شهيد واسير

 لكن بداية الحكاية في  قطار الزمن الذي لا زال يقل  الحاجة سبتية  وهي تبحث عن سكة الحرية والامل ، بدات عام 1967 ، كما تقول عندما  فقدت اخي  محمود  بمعركة الصوانه بسهول بيت فوريك و الذي  كان اول شهيد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، فقد  استشهد بقصف طائرات الاحتلال  بعد التحاقه مع   مجموعة تسللت عبر وادي الاردن لتنفيذ اول عملية فدائية في الاراضي المحتلة , وفي العام نفسه كانت اولى خطواتي نحو السجون باعتقال ابني محمد " ابو يوسف"، فاكتوينا بها بحكمه  بالسجن  لمدة ست سنوات بتهمة الانتماء للجبهة الشعبية ، قضتها الحجة سبتية وزوجها الحاج ابو محمد متنقله بزيارته من سجن نابلس المركزي لسجون  الجنيد و جنين ونفحة .

اعتقال الابناء

وتتالت بعدها محطات العذاب ، تقول الحاجة سبتية فبعد الافر اج عن ابو يوسف قام بفتح محل تجاري لبيع الملابس في وسط المدينه ولم يمض عام حتى قام الاحتلال بمداهمة محلة واعتقاله عام 1983 والحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ، وبعد الافراج عنه عادت قوات الاحتلال لاعتقال ابو يوسف وابنائي  الاربعة  محمود ومفيد ورائد وخالد عام 1985 ووزعهم الاحتلال على  خمس سجون ، ووسط معاناتنا اعتقلت قوات الاحتلال ابن خالي  الأسير احمد ابو السعود عام 1987 احد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والذي حوكم  بالسجن المؤبد ولا زال خلف القضبان ترفض اسرائيل الافراج عنه .

 وتستمر الماساة عاما بعد العام ، وفرحة تحرر احد الابناء سرعان ما يبددها الاحتلال باعتقال اخر حتى اصبحت ذاكرة الحاجة الصابرة عن احصاء عدد المرات التي توالى فيها اعتقال باكورة ابناءها محمد ، ولكن في اواخر الثمانينات يقول رفيق دربها الحاج ابو محمد اعتقلوا ابنائي محمد ومفيد ومحمود وفي عام 1990 انضم اليهم اصغر ابنائي عاهد الذي امضى عام في السجن الذي اصبح جزء لا يتجزا من حياتنا ، واصبح من الطبيعي ان نستقبل العيد كل عام في غياب احد ابنائي او جميعهم  ، والاشد مرارة انه بعد الافراج عن عاهد بعام بدات  رحلة المطاردة والملاحقة له  وليتم اعتقال ابو يوسف مرة تلو الاخرى  .

كل العائلة في السجن

وتستكمل  الحاجة سبتية حديثها ، وتقول  قدري ان يرافقني السجن والسجان بحياتي بانتفاضة الأقصى فقد  اعتقل ابو يوسف ثلاث مرات اداري ، واعتقل ابناءه يوسف وحكم عليه بالسجن سبع سنوات وابنه نضال  وحكم علبه بالسحن اربع سنوات وابنه أيمن وحكم عليه بالسجن اربع سنوات ونصف ، وتضيف ثم اعتقلوا ابني  رائد ليحكم عليه بالسجن سنتين وحفيدي وديع وحوكم سنتين .

وجع من نوع اخر

الحاجة  التي صمدت ولم تبكي رغم اعتقال كل افراد اسرتها ، تقول ان لحظة وجعي والمي الحقيقي انا والختيار ابو محمد  كانت يوم اعتقال  ابنتي لنان عن حاجز حوارة  بعد اربعين يوما من استشهاد زوجها امجد مليطات ابن عمتها في 7-6-2004 ، ابنتي كانت شابة مخلصة حنونه ووفية ، نكبوها في عز الشباب صورتها لا تفارق ذاكرتي فقد تزوجت عام 2000   وعندما بدات قوات الاحتلال بمطاردته بعد عام من زواجهما  بتهمة الانتماء للجبهة ولم تتخلى عنها وعاشت معه كل رحلة المعاناة والتشرد والاحتلال يستهدفه ويهدد بتصفيته وكأنها مطاردة مثله ، حتى تمكنوا من اغتياله ، ورغم حزنها والمها لم يرحموها بل استهدفوها ، ففي ذلك اليوم  كانت متوجهة لزيارة   منزل وفاء  زوجة شقيقها عاهد   المحتجز مع رفاقه من الجبهة الشعبية في سجن اريحا ، وكل ما زعمه الاحتلال حول حيازتها اسلحة او غيرها عار عن الصحه .

مضاعفة الحكم

 وقالت ،لم يترك الاحتلال وسيلة الا واستخدمها الاحتلال لعقابنا تقول الحجة ام محمد ، فوجع اعتقال لنان لم ينتهي لان اشكال عقابها وعذابها تعددت ، فبعد التحقيق القاسي والعزل والحرمان كانت الصدمة الاشد يوم محاكمتها ، فقد قضت المحكمة بداية بسجنها لمدة 4 سنوات ثم اضافوا لها عامين  ، ولا زال الحاج ابو محمد يتذكر الم اعتقال لنان ، ويقول كانت احب ابنائي وكنت ابكي على مدار اربع سنوات ونصف من شدة شوقي لعناقها وضمها ، فقد سطرت صفحة مشرفة في تاريخ نضال المراة الفلسطينية التي لا تخاف السجن والاعتقال.

اختطاف عاهد ورفاقه

وتعتبر الحاجة سبيتة اختطاف عاهد قائد الجناح المسلح للجبهة الشعبية  ورفاقه القائد احمد سعدات الامين العام للجبهة الشعبية  و اعضاء كتائب الشهيد ابو علي مصطفى حمدي ومجدي وباسل  من سجن اريحا اكثر ايام حياتها حزنا ، وتضيف عشت لحظات الموت في كل ثانية ونحن نراقب انا والختيار ابو محمد  الصورة المؤلمة التي كسرت قلبي من داخله ، امتزجت المشاعر كنا نبكي والمؤلم المحزن انني كنت اردد اغاني وداع وانا ارقب منظر موت ابني ،

كان قلبي يصرخ اين العرب ابني ورفاقه يتهددهم الموت  على شاشات التلفزيونات ، لم يغمض لي جفن ولم يجف لي دمع حتى شاهدتهم احياء ، شعرت بغصة والم ولكني فرحت  لانهم خرجوا  رافعي راسهم وهاماتهم مرفوعة حتى ملابسهم رفضوا الانصياع لاوامرهم وخلعها  ، وبدات اصرخ  ونردد الله  اكبر  بينما  قام زوجي الختيار ليصلي لله ليحميهم .

ثلاثة في سجن واحد

 واضافت انه مثلما فرقهم في حياتهم ومنازلهم ، فان الاحتلال اصر على ابتداع كل اشكال القمع بحقهم فرفض جمع شملهم حتى في السجن ، فالحاجة الوحيدة التي يسمح لها بزيارة ابناءها كانت تزور في  نفس اليوم  سجن هشارون عاهد ولنان وحفيدها ايمن وتهتمهم الانتماء للجبهة الشعبية ، و تنتقل من زيارة لاخرى رغم انهم في سجن واحد فقد كان عقابهم  بمنع اجتماعهم حتى على شبك الزيارة ، وكان ذلك يسبب لها  الالم والقهر والحزن والعذاب .

" عاهد " متهم بقيادة المجموعة التي اغتالت وزير السياحة الإسرائيلي

والعذاب مستمر يوميا تقول الحاجة الصابرة باقسى صوره ، فابني عاهد لم يكتفي الاحتلال بحكمه القاسي بالسجن المؤبد  اضافة لخمس سنوات بتهمة قيادة كتائب الشهيد ابو علي مصطفى والمسؤولية عن اغتيال الوزير الاسرائيلي رحبعام زئيفي ، بل يواصلون عزله ونفيه عن العالم  وعن طفليه قيس وريتا  وحرمان زوجته وفاء من زيارته فقد سحب تصريحها ،وتضيف  وبعد  اعتقال لنان وتغريد استمر احتجازهما في عزل هشارون بعد التحقيق القاسي ، ورغم عدم ادانتهما باي تهمة الاحتلال رفض الافراج عنهما ، حولت لنان للاعتقال الاداري لمدة 6 شهور ، وفرض على تغريد  غرامة قاسية وبعد قضاءها حكمها بالسجن 6 شهور افرج عنها ، بينما رفضوا الافراج عن لنان التي تواصل رحلة الصمود والتحدي في سجن هشارون ، ونحن لن نياس ولن نتخلى عن ابناءنا بل كل يوم ارفع هامتي لانهم عبروا عن حبنا جميعا لفلسطين بطريقتهم التي لن نندم عليها ".

صامدون هنا

في العيد الاخير ، تقول الحاجة الصابرة عشنا  احزان لا تصفها كلمات  في منزلنا الذي افقتد كل الاحبه ، تغريد وتجربتها الاولى في السجن ، ولنان التي لم تمضي معنا سوى عيد واحد منذ اعتقالها الاخير ، اما  عاهد فتعجز الكلمات عن وصف مشاعر الشوق والحنين له ، فلم نجتمع به منذ عام 1990 ، فهو اما معتقل او مطارد  واليوم يعاقبونه  بالعزل فهو اسلوب للموت البطيء ولكن رغم ذلك هو صامد وثابت على رسالته وعهده ومبادئه ، ونحن نستمد منه القوة والعزيمة ،  فرغم الجراح والالم لا بد لنا من لحظة تفاؤل وامل  فنحن شعب لا يقهر .