حكايتي مع  الراديو والتشويش وصوت العرب .......

 

بقلم الاسير عاهد ابو غلمي

سجن الرملة

قسم العزل الانفرادي

 

انعم الله على كل اسير "براديو ترانزستور"  وجاء ذلك بعد نضال طويل للحركة الاسيرة حتى تم تثبيته كحق للاسير ، ومن خلال هذا الجهاز يمكن التواصل مع العالم الخارجي ومعرفة اخر المستجدات المحلية والدولية على كافة المستويات السياسية   والاقتصادية والاجتماعية ، وغالبا مايهتم الاسرى بالاخبار المحلية ليبقو على اطلاع بكل ما هو جديد في الوطن الحبيب والتواصل مع اهاليهم عبر برامج الاسرى في الاذاعات المختلفة، ويعبر الراديو الصديق الصدوق لكل اسير والذي يمده بكل ما هو جديد، وبعض الاسرى يكون الراديو ملازم لكل تحركاتهم وخاصة الاسرى القدامى الذين يتابعون بشغف اخر التطورات وبشكل خاص اخبار صفقة تبادل الاسرى.  

عند اخراجي من بين الاسرى وتحويلي الى العزل الانفرادي كان لا بد وان يكون صديقي الراديو معي ولحسن حظي تم ادخاله معي الى داخل الزنزانة، حيث في احيان كثيرة يتم مصادرته من قبل الادارة لعدة ايام تحت حجة تفتيشه ومعرفة اذا ماكان قد استخدم لاخفاء بعض الممنوعات. وبعد ترتيب نفسي واغراضي داخل الزنزانة الانفرادية اردت ان اعرف ما يدور خارج الاسوار وفي العالم الخارجي ، فأخذت الراديو وشغلته، ولكن لم استطيع ان التقط اي محطة .

 وبدأت ابحث في كل مكان في الزنزانه لعلي اجد مكان يمكن من خلاله سماع صوت اي محطة للاذاعات المختلفة، ولكني لم انجح، وعندما ايقنت ان عزلي ليس فقط عن الاسرى وانما عن الموجات الكهرومغناطيسية التي تحمل الموجات الصوتية لتصلنا ومعها كل جديد ، وهذا لم يدخل اليأس في قلبي، وبدأت بالبحث عن ادوات يمكن من خلالها التقاط هذه الموجات الصوتية، وقد عملت على تقوية الهوائي "الانتين" الخاص بالراديو ولاني لا املك الاسلاك اللازمة، فقد استخدمت سماعة الاذن الخارجية الخاصة بالراديو وقطعت اسلاكها واستخدمتها لتقوية الهوائي، ولكن دون جدوى، مع العلم انني لم اترك سنتمتر واحد من حيطان وسقف الزنزانة لم اجربه .

 ومع ذلك لم اكن اسمع الا صوت شششششششششش... واحيانا كنت اترك هذا الصوت ومن خلاله اتخيل انني اسمع صوت يأتي من اعماق هذه "الوشة" فكنت اسمع اقوال الصحف والاخبار واللقاءات والاغاني... واعيش معها وكان الامر حقيقي وانني اسمع كل ما يدور في العالم الخارجي، واستمر الامر على هذا المنوال لاكثر من خمسة ايام وانا لم ايأس ففي كل يوم اقوم بنفس العملية في البحث لعدة ساعات لعل الطقس قد تغير واستطاعت موجة ان تخترق اسوار السجن وتصل الينا واسمع ماجاء فيها ولكن دون جدوى ، وفي صباح اليوم السادس استيقظت باكرا وفتحت الراديو، وبدأت ابحث واذا بصوت الوشة قوية جدا ومن خلالها سمعت صوت حقيقي هذه المرة، وهذا الصوت بعيدا ومخنوق وكأنه ينادي انجدوني، واذا بالصوت هو موسيقى الايذان باخبار الصباح ويأتي الصوت البعيد ليقول "صوت العرب من القاهرة" ففرحت جدا لسماع الصوت وهو صوت حقيقي وليس تهيئات او تمنيات...

ولكنني فكرت للحظة هل بقي صوت للعرب؟  حتى لو كان مخنوقا وبعيدا ومطمورا... وابعدت هذه الافكار عن رأسي لان ذم الايام لا ينفع والا يوجد اذن تسمع، والا عين ترى العقارب تلسع، والا قلب يرق لطول البكا المدمع، وعندها سيان ازهرت ام ادبرت... وعدت لاسمع صوت العرب... ولكن للاسف ضاع صوت العرب ولم يأتي ابدا....

عاهد ابو غلمي

سجن الرملة

قسم العزل الانفرادي