رسالة الأسير سمير القنطار من المعتقل:

"ما زلنا مكبلين بالأغلال"

 

         قبل عملية المقاومة الجريئة والتي أدت إلى اختطاف ثلاثة جنود صهاينة، كنت أشعر أن الإعلام والرأي العام في لبنان ازدادت اهتماماته بقضيتنا قضية الأسرى اللبنانيين في سجون العدو، وهذا يعود طبعاً إلى سلسلة التحركات التي ساهمنا فيها من هنا والتي كان للأهل والأصدقاء دور هام في تفعيلها بدعم واحتضان وتبني من لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية.

وكان لازدياد اهتمام الإعلام والرأي العام في لبنان الأثر النفسي الإيجابي علينا وخصوصاً أن قناعتي لم تتغير أبداً حول ضرورة استثمار كل لحظة معاناة نعانيها هنا من أجل ترسيخ الوعي الوطني والإنشداد نحو قضية مقاومة العدو، وكنت أشعر أن شعبنا بتفاعله مع قضية الأسرى إنما يعبر عن أصالته ووفائه لأبنائه وتضحياتهم، وعن عمق تضامنه مع معاناة الأسرى وعائلاتهم. ولكن ومنذ عملية المقاومة الباسلة وأسر جنود العدو استفاق الجميع في لبنان ليقول وليعلن أن الأسرى عادوا إلى عائلاتهم، وأن هذا الملف الوطني قد أصبح في عداد الماضي، ومع مرور الوقت ومضي ما يقارب العام على العملية تعمقت أكثر حالة الانسلاخ عن هذه القضية ومرة أخرى بقي الأسرى وعائلاتهم وحيدين يدفعون ثمن المعاناة والحرمان ، وكأن قضية الأسرى هي مسؤولية عائلات الأسرى وحدهم، وكأن أيضاً وبمجرد وقوع جنود أسرى في يد المقاومة أصبح الأسرى اللبنانيين في حضن عائلاتهم، وهنا لا بد لي من توضيح الحقائق التالية:

1-     1-   إن وقوع جنود صهاينة في الأسر أحياءً كانوا أم أموات لا يعني بأي حال أن ملف الأسرى قد طوي ، ولنا في الماضي عبره كبيرة، وأنا أحد شواهد هذه العبرة.

2-     2-    أنه حتى لو تم اعتبار أن أسر جنود صهاينة يعني ان قضية الأسرى قد حلت فإن حلها قد يستمر سنوات، لأن هذا الملف برمته يحمل من التعقيدات ما يفوق كل تصور،وهنا لن أدخل في تفاصيل التعقيدات لأن هذه النقطة لا تستوقفني وليست هي الدافع لكتابة هذه السطور.

3-     3-   عندما أقول أن موضوع حل قضية الأسرى في إطار التبادل يستغرق سنوات فأنا أقصد سنوات من الحرمان والمعاناة والصبر والصمود، وكل سنة من هذه السنوات بالنسبة للأسرى وتحديداً لمن أمضى ربع قرن في الأسرى تعادل خمس سنوات فعلية .

 وهنا نعود لنتساءل أي دور تلعبه الحكومة والفعاليات الرسمية والأهلية والشعبية والإعلامية في دعم صمود الأسرى وعائلاتهم،واستثمار كل لحظة معاناة لصقل روح الانتماء للوطن في الأجيال الصاعدة,وروح المقاومة بعناد لهذا العدو الذي يتربص شعبنا وأرضنا ويتمادى في فتكه وقتله وتدميره الممنهج للشعب الفلسطيني مادياً ومعنوياً.

 الأشد غرابة أن حكومة الحرية والحريات تكاد تصل إلى حالة تنفي فيها وجود أسرى في سجون العدو، والإعلام المرئي والمسموع  لا نجد فيه فسحة ولو صغيرة تذكر بهذه القضية،حتى برنامج "دايماً بالبال" -الذي تكرم تلفزيون المستقبل ووافق على بثه بعد جهود- انقطع فجأة وأصبحنا أمام حالة تؤكد أن الأسرى " طاروا من البال"، وإذاعة صوت الشعب التي كانت متنفس بالنسبة لي اختفى صوتها دون أن نعلم السبب، والفعاليات التضامنية  التي كنا نلمسها من بعض مؤسسات المجتمع المدني لم تعد قائمة.

حتى لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين لم يعد لديها ما تتابعة بنفس الحيوية والحماس الذي ميزها في السنوات الماضية في ظل تراخي الدعم الشعبي.

أمام كل ذلك نؤكد أن عملية المقاومة وأسر جنود صهاينة كان من المفروض أن يشكل حافزاً لتصعيد حملات التضامن مع الأسرى في سجون العدو كي يساهم الجميع في دعم صمود الأسرى وعائلاتهم ، وكي تتعزز إرادة استثمار كل لحظة معاناة خلف القضبان من أجل ترسيخ ذاكرتنا الجماعية وبث روح ثقافة المقاومة في عقول جيل الشباب في لبنان وكي نؤكد أيضاً لهذا العدو أن الأسرى اللبنانيين قضية تعني كل الرأي العام في لبنان وهم ليسوا مجرد

 " دزينة" أرقام تستخدم للمقايضة في" الجملة أو في المفرق".

إنني أذكر الجميع بقضية الأسرى اللبنانيين في سجون العدو وأؤكد أنني أكتب هذه السطور من هنا في سجن نفحة الشهداء وسط صحراء النقب ومن قلب العلبة الإسمنتية التي تحمل الرقم 60 ، وما زلت مع رفاقي مكبلاً بالأغلال

 

                                    الأسير سمير القنطار    

                        سجن نفحة الشهداء الصحراوي . النقب . فلسطين

                                                                  1/9/2001