عميد الأسرى سعيد العتبة يدخل عامه الواحد والثلاثون
ويحفر اسمه في موسوعة " غينتس "
* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
29/7/2007
في مثل هذا اليوم في التاسع والعشرون من تموز عام ألف وتسعمائة وسبعة وسبعون ، اعتقلت قوات الإحتلال الإسرائيلي الأسير سعيد وجيه سعيد العتبة من مدينة نابلس ، وهو أعزب وكان يبلغ من العمر آنذاك 26 عاماً ، وقد حكم عليه في حزيران عام 1978م بالسجن مدى الحياة ، وأغلق بيت عائلته لمدة سبعة عشر عاماً ، وقبل اعتقاله كان قد التحق بفصائل المقاومة مؤمناً بعدالة قضيته وبحتمية الإنتصار ، و منذ لحظة اعتقاله تصدى للسجان بارادة المقاتل الفلسطيني التي لا تتزعزع وصمود لا يلين ، وتسلح بأمل الحرية والإنتصار وعاش على حلم لم يتحقق بعد .
ومضت السنين ليتنقل خلالها ما بين سجن وآخر، فجرى التحقيق معه لبضعة أسابيع في سجن رام الله وتعرض لشتى أنواع التعذيب ، ونقل بعدها إلى سجن نابلس القديم ، ثم إلى بئر السبع وعسقلان ليعود إلى جنيد في نابلس ثم إلى نفحة الصحراوي وتوالت التنقلات ليمر على الرملة وهداريم وأهلي كيدار ، وخلال المسيرة أدخل لأيام وشهور في زنازين جماعية وأخرى فردية وفي أقسام العزل ، دون أن يفقد البوصلة أو أن يفرط بالأمل ، بالرغم أن الحلم لا زال بعيد المنال ، بل وشارك مع اخوانه ورفاقه الأسرى عشرات الإضرابات عن الطعام ، وساهم معهم في تحقيق الإنتصارات .
وتنقله من هذا السجن إلى ذاك يعني جدلياً معاناة للأهل ، حيث عليهم التنقل معه بين كل هذه السجون متحملين كل اشكال التعب والعذاب واجراءات السجون والحواجز والحرمان وتأجيل الزيارات والغاءها احيانا ، واجراءات الزيارات الإستفزازية من تفتيش مذل وإهانة .
أما سعيد فحياته كلها ألم ومعاناة ، فهو يعيش في سجون تشهد ظروفاً لا إنسانية وقهرية قلما شهدتها سجون أخرى ، سجون تفتقر للرعاية الطبية ، ويتلقى مع رفاقه الأسرى معاملة قاسية واستفزازية ، فالآلام تتراكم والأمراض تُستفحل ، والمعاناة تتضاعف ، والمؤسسات الإنسانية والحقوقية في سبات عميق ، وفي أحياناً كثيرة تجاوزت صرخات الأسرى وأنين أوجاعهم أسوار السجن ، وفي أفضل الحالات بيان أو تقرير من هذه المؤسسة أو تلك يتحدث عن انتهاكات عامة وسطحية تجرى في السجون الإسرائيلية ، دون متابعة أو محاسبة أو ملاحقة قانونية .
وفي إحدى رسائله المهربة من خلف القضبان يقول فيها الأسير سعيد العتبة " لم تتعبني هذه الرحلة الطويلة مع أن التعب صفة إنسانية وقد أكون مكابراً لو أنكرت ذلك لكن التعب مسألة نسبية فإذا كنت تعبت من السجن فهذا لا يعني أني تعبت عن حمل قضيتي وقناعاتي التي قادتني إلى السجن ، لا زلت أملك الطاقة لأكمل. نحن كشعب لا نملك الكثير من الخيارات ، المسألة هي أن نكون أو لا نكون ، فإما أن تكمل بنفس الروح وإما أن تسقط وتنتهي كإنسان وكقضية .
كلمات تستوقفنا طويلاً ، وبعد ثلاثون عاماً نقول بأن وجه ذاك السجان القبيح المجرم لم ولن يتغير ، ووجه ذاك المناضل وإن قيدت حريته وطالت فترة إعتقاله وامتدت لعقود يبقى ساطعاً رائعاً صامداً ، متمسكاً بأهدافه وأحلامه التي لا بد وأن تتحقق مهما طال الزمن ، وشَكَّل نموذجاً يحتذى لكل مناضلي الحرية في العالم.
العتبة يحفر اسمه في موسوعة " غينتس "
ومع دخول العتبة عامة الواحد والثلاثون يكون قد حفر اسمه في موسوعة " غينتس " للأرقام القياسية ، حيث تعتبر أطول فترة في العالم ، ولم يسبق لأي أسير أن أمضى مثل هذه الفترة ، فحتى نلسون مانديلا لم يمضي سوى 26 عاماً ، وقاتل الرئيس الأمريكي جون كينيدي أمضى 28 عاماً خلف القضبان .
ومع فخرنا واعتزازنا بالأسير سعيد العتبة وصموده الإسطوري الذي لا يلين ومعنوياته العالية ، نتساءل إلى متى سيبقى سعيد في الأسر ؟
فسعيد يعتبر أقدم الأسرى وعميدهم ، لكن يوجد معه عشرات الأسرى ممن أمضوا أكثر من عشرين عاماً ولا زالوا في الأسر ، ومع نهاية العام المنصرم 2006 كان عددهم ( 32 اسير ) لم يتحرر أي أسير منهم ، واليوم وصل عددهم إلى ( 65 أسير ) ومع نهاية هذا العام سيصل عددهم إلى ( 73 أسير ) ، بينهم ( 32 أسير من الضفة الغربية ) و( 13 أسير من القدس ) و( 12 أسير من مناطق 48 ) و ( 11 من قطاع غزة ) و( 4 أسرى من الجولان السورية المحتلة ) والأسير اللبناني سمير القنطار ، وبين هؤلاء عشرة أسرى أمضوا أكثر من ربع قرن وهم سعيد العتبة ونائل وفخرى البرغوثي وسمير القنطار وأكرم منصور ومحمد أبو علي وفؤاد الرازم وابراهيم جابر وحسن سلمة وعثمان مصلح ، بمعنى الأرقام تتزايد وتتفاقم دون أن نحرر أي أسير منهم ، أليس هذا قصور من الجميع ؟
وإذا كان سعيد قد دخل موسوعة " غينتس " بصموده وسنوات أسره ، فالفصائل مجتمعة تبحث لتسجل أسمائها في موسوعة " غينتس " لقصورها في تحريره وتركه في الأسر لأكثر من ثلاثين عاماً ، فهي الوحيدة في العالم التي تركت أسراها عقود طويلة كهذه .
وان استمر هذا القصور فسنجد أمامنا العام القادم أكثر من سعيد وأكثر من أسير يدخل موسوعة " غينتس " .
لهذا علينا أن نوحد الجهود من أجل حرية هؤلاء فلامعنى للحرية دون حريتهم ، ولا جدوى للمقاومة دون حريتهم ، وأي اتفاق سياسي لا يتضمن الإفراج أولاً عن هؤلاء لم ولن يكتب له النجاح ، وأي صفقة لتبادل الأسرى لم تمنح هؤلاء الأولوية نعتبرها فاشلة ، فلقد آن الأوان لأن ينعم العتبة ورفاقه القدامى بالحرية .