الأمل في تحريـر الأسـرى يدخل غرفـة الإنعـاش !!!

 

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

6 حزيران 2005

 

للأسرى مكانة مميزة في عقولنا وأذهاننا ، ويحتلون مساحة كبيرة من أفئدتنا ، وقضيتهم تحظى بأولوية فلسطينية بدءاً بالرئيس ومروراً برئيس الوزراء ووزير الأسرى وانتهاءاً بأصغر شبل فلسطيني ، فهم نجوم ساطعة في سماء الاحتلال المعتم ، وبقائهم في الأسر يعنى أن الصراع لا زال قائماً ، وأنه لا معنى للتهدئة .

وينتعش الأمل فينا إذا ما تردد لمسامعنا أنباء عن مفاوضات محتملة .. ويكبر ويكبر هذا الأمل إذا ما تطورت تلك المفاوضات لتتحدث عن إفراجات  متوقعة ... وتثلج صدورنا أخبار قادمة من هنا أو من هناك أو حتى من خارج حدود الوطن عن إتفاق حقيقي يتحرر بموجبه عدد من الأسرى ... وتنتابنا مشاعر ممزوجة بالفرح و الحزن ، الأمل والإحباط ، بالسعادة والكآبة إذا ما تحقق ذلك وأفرج فعلياً عن عدد من الأسرى .

وبغض النظر عن عدد الأسرى المحررين ومن أي سجن ومعتقل تحرروا ، أو المدة المتبقية لهم ، أو كيفية تحررهم أو ضمن أي إتفاق تحرروا ، سواء إنتهت مدة محكومياتهم الجائرة أو ضمن  العملية السياسية أو في إطار إتفاق لتبادل الأسرى ، أو حتى تحت عنوان ما تسميه حكومة الإحتلال " حسن نية " ، فبغض النظر عن كل ذلك ، فإننا نُسعد بالتأكيد بتحرر أي أسير حتى وإن كان متبقي له يوماً واحداً .

لكننا وبالتأكيد أيضاً سنكون سعداء جداً جداً ، وأكثر فرحاً وإبتهاجاً لو شملت الإفراجات أولئك الأسرى القابعين في السجون منذ عشرات السنين من الكبرياء والشموخ  ، لا سيما أولئك الأبطال العشرين الذين أمضوا أكثر من عقدين من الزمن ، الشامخين كجبل الجرمق ، وللتذكير أسجل أسمائهم مع قناعتي بأن أسمائهم حُفرت وبقوة منذ عقود في ذاكرة أبناء شعبنا الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية ، ولكن الكثير من هؤلاء – للأسف - أغرتهم ملاهي ومتع الحياة وبريقها ، ولم تعد ذاكرته تحتمل وزن تلك الأسماء الثقيلة التي تحمل معها تاريخ كبير وساطع في سماء القضية الفلسطينية عموماً وفي تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة خصوصاً ، واليوم نستذكرهم لعلنا نوافيهم جزءاً بسيطاً من حقهم وكذلك لتذكير العالم بمأساتهم ،‏ وهم : سعيد العتبة من نابلس والمعتقل منذ ثمانية وعشرين عاماً ، نائل البرغوثي و فخري البرغوثي من رام الله والمعتقلان منذ سبعة وعشرين عاماً ، الأسير العربي سمير قنطار من لبنان والمعتقل منذ أكثر من ستة وعشرين عاماً ، أكرم منصور من قلقيلية المعتقل منذ ستة وعشرين عاماً ، محمد أبو على من الخليل ومعتقل منذ خمسة وعشرين عاماً ، فؤاد الرازم من القدس والمعتقل منذ أربعة وعشرين عاماً ونصف ، إبراهيم جابر من الخليل ومعتقل منذ أربعة وعشرين عاماً ونصف ، حسن سلمة من رام الله والمعتقل منذ أربعة وعشرين عاماً ، عثمان مصلح من نابلس والمعتقل منذ ثلاثة وعشرين عاماً ، وسامي يونس وكريم يونس و ماهر يونس وحافظ قندس من المناطق المحتلة عام 1948 والمعتقلون منذ إثنى وعشرين عاماً ونصف ، سليم الكيال من غزة والمعتقل منذ إثنى وعشرين عاماً ، عيسى عبد ربه من مخيم الدهيشة ومعتقل منذ واحد وعشرين عاماً ، محمد منصور من طولكرم والمعتقل منذ عشرون عاماً ونصف ، أحمد شحادة من مخيم قلنديا والمعتقل منذ عشرون عاماً ونصف ، محمد إبراهيم نصر ورافع كراجة من رام الله المعتقلان منذ عشرين عاماً . 

وكغيري من الفلسطينيين تابعت بالأمس القريب مشاهد تحرر مئات الاسرى وانتابني مشاعر امتزج فيها الحزن بالفرح ، امتزج فيها الأمل بالإحباط ... فكدت أن أذرف الدموع فرحاً وأنا أرى بأم عيني لقاء الأحبة ، لقاء الأسرى مع ذويهم وأطفالهم ، و تذكرت حينما التقيت بأهلي وأحبتي بعد إعتقال دام سنوات ، وتساقط الدمع حينما تذكرت أكثر من ثمانية آلاف أسير لا زالوا خلف الأسر ، واعتصر قلبي ألماً - يكاد أن يكون آلام الهزيمة - وأنا أرى بالمقابل آلاف الصور لأمهات وأطفال يذرفون الدموع حسرة وحزناً وإحباطاً لأنهم بحثوا ولم يجدوا أبنائهم وآبائهم ضمن المفرج عنهم… تألمت وأنا أتابع قائمة أسماء من تحرروا حين وجدتها خالية من الأسيرات أمثال منال غانم وطفلها ، وقاهرة السعدي وأحلام التميمي وآمنة منى ، ومن الأسرى القدامى المعتقلين قبل أوسلو وممن أمضوا فترات طويلة ، ومن الأسرى الشيوخ وكبار السن وممن يعانون أمراضاً مزمنة ، كما أنها خلت من الأسرى الفلسطينيين من المناطق التي أحتلت عام 1948م كالأسرى وليد دقة ومخلص برغال ورشدي أبو مخ ، كما وخلت من أسرى القدس أمثال علاء البازيان الذي يعاني من العتمة الأبدية ، وعلى المسلماني ، كما لم تشتمل على أيٍ من القادة السياسيين  أمثال مروان البرغوثي وعبد الرحيم ملوح وحسام خضر ، ولا على أيٍ من الأسرى الذين شاركوا في عمليات فدائية نوعية، بمعنى أن الإفراجات تمت دون التنسيق مع الجانب الفلسطيني ووفقاً للشروط والمعايير الإسرائيلية المرفوضة فلسطينياً ، وتعلنها اسرائيل جهاراً رفضها مناقشة معاييرها وشروطها تجاه الأسرى ، وتُفشل - مع سبق الإصرار -  عمل اللجنة الوزارية المشتركة المكلفة بذلك منذ تفاهمات شرم الشيخ ، وبالتالي تعلن رسميا رفضها اطلاق سراح الآلاف من الاسرى .

وهذا يعني أن الأمل الذي انتعش مع مؤتمر شرم الشيخ ، عاد ليحتضر ويدخل غرفة الإنعاش من جديد ... فهل من طبيبٍ جراح ماهر ينقذ حياته ؟؟ أم أن الحواجز والجدار العازل ستمنعه من الإنتقال إلى مشافى أكثر تطوراً وبالتالي سيفارق الحياة ، وعلى الهدنة السلام ، ولنرفع أيادينا للسماء ونقرأ الفاتحة على العملية السلمية برمتها ... ؟؟

آمل أن يحمل لقاء القمة المرتقب ما بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس " أبو مازن " ورئيس الوزراء الإسرائيلي " أرئيل شارون ، بوادر لإنفراج الأزمة .

أما إذا كانت العملية السلمية وحالة التهدئة القائمة لن يؤديا إلى الإفراج عن هؤلاء الأسرى .. فمن حق شعبنا وفصائله المقاومة ، بل ومن الواجب البحث عن وسائل أخرى لتحريرهم ؟؟؟ وإذا كان من شاركوا في عمليات المقاومة التي أدت  إلى إلحاق خسائر بشرية في صفوف العدو وكما توصفهم حكومة الإحتلال ورئيس وزرائها ( أياديهم ملطخة بدماء الإسرائيليين )، فإن الإسرائيليين جميعاً سبحوا وغرقوا في الدم الفلسطيني ، و شعبنا لن يسمح لهم بأن ينعموا طويلاً بالأمن إذا ما تحققت الحرية لأسـرانا .