لقد أخطأتم أيها الرفاق ؟؟

( وجهة نظـر..)

بقلم / عبد الناصرعوني  فروانة

27 يناير 2005م

 

الديمقراطية شيء رائع ، وأن تُمارس في ظل ظروف قاسية تغدو أكثر روعة .. ومن حقنا كشعب فلسطيني أن نفخر بتجاربنا ونعتز بديمقراطيتنا ، وخاصة في إنتخاب رئيسٍ للسلطة الوطنية الفلسطينية ، والتي شكَّلت بأجوائها ونسبة المشاركة العالية فيها ونتائجها حدثاً بالغ الأهمية في تاريخنا الفلسطيني ومفخرة فلسطينية في صحراء عربية قاحلة من الديمقراطية ، بل و كانت أكثر إشراقاً من تجارب العديد من الشعوب الحرة والحكومات المستقرة والتي تدعي الديمقراطية .

 

ولقد أدهش شعبنا جميع المراقبين في إقباله على صناديق الإقتراع وحماسه في المشاركة وأدائه المتزن والهادىء ، و سلاسة سيرالعملية الإنتخابية  برمتها ، مقدماً بذلك نموذجاً لم نراه في أية دولة عربية وقلما رأيناه في دولٍ كثيرة تدعي الديمقراطية ...

 

والإنتخابات هي حق وواجب .. فهي حق لكل مواطن ومن الواجب الوطني ممارسته ، بل ومن الواجب النضال من أجل ممارسته إذا ما سُلب منه هذا الحق .

وإنطلاقاً من فهمي هذا توجهت الى مراكز التسجيل قبل شهور ومن ثم توجهت لصناديق الإقتراع وأدليت بصوتي بكل ثقة .

 

ونظراً للموقف " الغريب " للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي أعتز بأنني تربيت في كنفها وترعرعت بين صفوفها وناضلت سنوات طوال تحت لوائها و كنت أحد نشطائها وكوادرها و قيادييها في غزة وداخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية ، ولو استمر انتظامي فيها لأصبحت الآن عضواً في الهيئة القيادية الأولى في القطاع .. لهذا كله وُجِهت ـ ولازالت ـ إلىَّ سيل من الإستفسارات قبل وبعد الإنتخابات .. لمن ستعطي ولمن أعطيت صوتك ؟؟

 

وبثقة المتفاءل وبدون تردد أجبت قبل وبعد الإنتخابات وفي أكثر من مناسبة ومقال ، بأن ثقتي عالية بالأخ أبو مازن وأعتبره رجل المرحلة وسيمثل رئيساً للشعب الفلسطيني عامة بطموحاته وآماله وثوابته الوطنية.

 

أما عن موقف رفاقنا في ( قيادة ) الجبهة الشعبية فأعتقد أنهم ارتكبوا خطأ في حجب الدعم عن الأخ أبو مازن !! ولكن هذا لم يكن لييفاجئني لو حصل ورشحوا بالمقابل سعدات أو أحد قيادييها وأصدقائها الأكفاء وهم كُثر  ، ولكن الخطأ الجسيم والصدمة لي ولمن عرفوا الجبهة من أبناء شعبنا هو قرار  دعم د. مصطفى البرغوثي .

 

فلقد قالوا قبل عقود من الزمن .. الضربة التي لا تميتنا تزيدنا قوة ... وقلت قبل سنوات على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تفوق من سباتها قبل أن يجرفها التيار ... واليوم أقول عليها أن توقف زحفها نحو السقوط للهاوية ، بل نحو الإندثار .

 

والجبهة الشعبية كغيرها من فصائل المقاومة معرضة لتلقي الضربات ولكن لا يكفي أن يبقى ذاك الشعار هو الناظم ونتغنى على أطلال الماضي ، بل من المفترض أيضاً توفر عناصر ومقومات القوة والإستمرارية في الحياة ، وهي بلا شك كائن حي تنمو وتكبر ولكن قد يُنهش لحمها دون ان تتمكن من حمايته ، او قد تموت فجأة بسبب خطأ ارتكبته.

 

وما قرار دعم البرغوثي إلاَّ حلقة في سلسلة من الأخطاء ارتكبتها قيادة الجبهة خلال السنوات الأخيرة ، فقبل سنوات اختلفت الظروف وانتقل العمل النضالي من مرحلة العمل السري الى مرحلة العمل العلني أو شبه العلني وانتقل مركز الثقل من الخارج إلى الداخل ، وهذا من المفترض ان يعني اختلاف البرامج والآليات بما يواكب المرحلة ، ولا تعني هذه المواكبة بالتأكيد التخلي عن الثوابت أو تبني برامج الآخرين .. وقلت حينها على الجبهة الشعبية ان تقف بجدية أمام كافة الجوانب الفكرية والسياسية والتنظيمية بما فيها النظام الداخلي وان تُحدث التغيير الجوهري عليها... ولكن لا حياة لمن تنادي .

 

ومعطيات خاطئة كهذه ستقود بالتأكيد لنتائج مماثلة وعلى عجالة أسرد بعضاً من الأخطاء ، فبعد قيام السلطة الوطنية صدر قرار يمنع بموجبه إنخراط أي عضو في صفوف أجهزة السلطة المدنية والعسكرية وبعد عودة من عادوا من الرفاق ضمن كوادر منظمة التحرير وعلى ملاك  الأجهزة المدنية وبدرجات متقدمة ، صدر قرار يسمح بالإلتحاق بالأجهزة المدنية ويمنع الإلتحاق بالأجهزة العسكرية ، وتبعه بعد فترة السماح بالإلتحاق بجهاز الشرطة دون غيره من الأجهزة الأمنية الأخرى ، وبعد سنوات سُمح للجميع بالإلتحاق بأي من أجهزة السلطة الوطنية ، حيث أصبح حينها التضخم والتكدس سائد في كافة الأجهزة وليس هناك من فرصة لتوظيف أحد.

 

وجاءت الإنتخابات الرئاسية والتشريعية عام 1996م ، وعقدت اجتماعات على مستوى الهيئات القيادية لإستمزاج الآراء وكانت الغالبية مع المشاركة ومن ثم نتفاجأ بصدور قرار بالمقاطعة لأسباب عدة ( حينها كنت عضواً قيادياً فاعلاً وناشطاً في صفوفها ولم ألتزم بهذا القرار ومارست قناعاتي وأدليت بصوتي ) وبالأمس القريب وبعد سنوات اعترفت القيادة بخطأ المقاطعة ضمنياً دون ان تتجرأ على الإعتراف علناً بخطأ مقاطعة الإنتخابات عام 1996 حينما قررت المشاركة في الإنتخابات التشريعية والرئاسية .

 

قررت المشاركة !! - وياليتها لم تشارك – وقررت دعم د. مصطفى البرغوثي ، وتساءلت مراراً عن دوافع هذا القرار فلم أجد جواباً ، وأتساءل من جديد لماذا اختارت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ان تدعم د. مصطفى البرغوثي من ضمن قائمة المرشحين ؟ هل لأنه كان الأكثر قرباً لها ولبرنامجها الوطني والكفاحي ؟؟ أم أن له تاريخ نضالي عريق في المقاومة والعمل المسلح دون أن ندري ؟ واستعد لتمويل عمليات المقاومة بعد الإنتخابات ؟؟ أم لأنه الرجل الأكفأ والأجدر لقيادة " التيار الديمقراطي " وهل افتقرت الجبهة لمن هو أكفأ منه ؟؟ ولو افترضنا جدلاً تبلور هذا التيار ، و أُنتخب شخص آخر لقيادته هل سيدعمه البرغوثي وهل سيوفر له الدعم المادي الذي وفره لحملته الإنتخابية ؟؟ هل البرغوثي بالفعل أيدٍ وفية وهل أحدٌ من الجبهة الشعبية سأله من أين لك هذا وكيف ومن أين موَّل حملته الإنتخابية الباهظة التكاليف والتي بتقديري تجاوزت ملايين الدولارات ؟؟ أسئلة كثيرة تتبادر للذهن ولم تجد إجابة .

 

أعتقد ان الجبهة الشعبية أخطأت بالماضي حينما قاطعت الإنتخابات وعلينا هنا ان نرفع القبعات احتراماً وتقديراً لإثنين من قيادييها وهما غازي ابو جياب ورأفت النجار واللذان خاضا الإنتخابات مجسدين  قناعتيهما بضرورة المشاركة مستندين الى رؤية مستقبلية يثبت الواقع الآن مدى صحتها وصوابيتها ، وأصرا على المشاركة ، والأول حاز على نسبة عالية من الأصوات في دائرة غزة والثاني فاز بعضوية المجلس التشريعي عن دائرة خانيونس بالرغم من أن الجبهة الشعبية عملت ضديهما وضد ترشيحهما خلال الحملة الإنتخابية آنذاك .

 

واليوم قرار صائب للجبهة الشعبية بالمشاركة بإنتخابات الرئاسة ولكنها عالجت خطأها السابق بخطأ أكثر فداحة حينما أعلنت دعمها للدكتور مصطفى البرغوثي ، ولا أعرف كم تحتاج قيادتها من الوقت لكي تدرك حجم خطأها هذا ، كما لا أعرف أيضاً ما هو حجم الخطأ الذي سترتكبه في الإنتخابات التشريعية القادمة ؟؟

 

وعلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ان تقف أمام ذاتها بكل جرأة وأن تمارس النقد الذاتي بكل مصداقية ، وان تستفتي قاعدتها الكادحة وليس قيادتها البيروقراطية النرجسية والتي لا تعرف للأخطاء حدود ، وهي كالقطار الذي انحرف عن القضبان وهو بحاجة لحكماء ولأدوات جديدة متطورة لإعادته للقضبان ومن ثم الإنطلاق من جديد وبسرعة أكبر للوصول بركابه للمحطة المنشودة ، وإلاَّ سيبقى على قارعة الطريق ومن ثم الإندثار .

 

ومع كل هذا ورغم اختلاف وجهات النظر سنبقى نكن كل الإحترام والتقدير للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كماضي وتاريخ ومبادئ ونأمل أن نراها حاضراً حية فاعلة وناشطة ومستقبلاً كقوة رافعة في عملية البناء  .. فهي تاريخٌ ساطعٌ وإرثٌ عريقٌ ليس لأعضائها أو لمن ناضلوا تحت لوائها فحسب ، بل للشعب الفلسطيني عامة ، ومن حق وواجب هذا الشعب ان يحافظ عليه من الإندثار ... وهي ماضيٌ مشرقٌ وحاضرٌ معتمٌ  ومستقبلٌ مجهولٌ .